الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«أورانجزيب» مغولي عرف باسم زينة العرش القابض على العالم

«أورانجزيب» مغولي عرف باسم زينة العرش القابض على العالم
6 أغسطس 2013 19:58
ليس مثله أحد بين سلاطين المغول بالهند فهو الأجدر بكل ما يصاغ من صفات على وزن أفعل التفضيل إنه محيي الدين محمد أورانجزيب عالم كبير ومعنى اسمه الملكي زينة العرش القابض على العالم. استحق السلطان أن يكون الأكثر كرهاً لدى الهندوس والطوائف الأخرى في بلاده والأطول حكماً بعد أن حكم البلاد 52 عاماً، كما كان الأكثر زهداً وورعاً بين سلاطين الهند حتى لقبه البعض بسادس الخلفاء الراشدين. د. أحمد الصاوي (القاهرة) - ولد أورانجزيب في 3 نوفمبر 1618 لأبيه الإمبراطور شاه جهان ووالدته هي أرجمند بانو المعروفة باسم ممتاز محل المدفونة في الضريح الشهير تاج محل. وقد عني والده بتنشئته نشأة إسلامية خالصة فعاش منذ صغره محباً للعلم والعلماء مهتماً بمجالسة الفقهاء من أتباع المذهب الحنفي على وجه الخصوص، وتعلم اللغات العربية والتركية والفارسية واكتسب خبرات حربية وإدارية بفضل المعارك التي خاضها مع والده وتمرسه في حكم بعض الولايات. أمور المملكة بدأ اسمه في الظهور على مسرح الأحداث عندما أصيب والده بمرض عضال أرسل على إثره لولده الأكبر داراشيكو ليأتي لدلهي لتسيير أمور المملكة، ولكن أورانجزيب وأخويه مراد وشجاع رفضاً تولي الأخ الأكبر الحكم وثارو عليه وبعد صراعات بين الأشقاء نجح أورانجزيب في دخول العاصمة، حيث اعترف به شاه جهان ملكاً على البلاد وأهدى إليه سيفاً مرصعاً، ولكن ذلك لم يشفع للإمبراطور المريض فبعد جلوس الابن على العرش في رمضان 1096هـ «1659م» قام بالقبض على أبيه وأودعه القلعة متحفظاً عليه ومحاطاً بكل مظاهر التبجيل حتى وافته المنية بعد ثماني سنوات. عمد السلطان الجديد لمعالجة الأوضاع الاقتصادية للبلاد والتي تضررت من جراء الصراع حول وراثة العرش فقرر إلغاء العديد من الضرائب التي أثقلت كاهل الفلاحين وشجعهم على الزراعة بل وتكفل باستصلاح الأراضي البور. صبغة إسلامية قرر أورانجزيب أن يصبغ دولته بصبغة إسلامية كاملة فأبطل الاحتفال بالأعياد الوثنية كافة ومنع عادة تقبيل الأرض بين يديه أو الانحناء له ومنع دخول الخمر لمملكته وصرف أهل الموسيقى والغناء عن بلاطه مظهراً الزهد في الحياة الدنيا حتى أنه أمر المصورين أن يرسموه في هيئة رجل يطأطأ رأسه. ومن أجل نشر العدل بمملكته عيّن في كل ولاية نائباً له، وأعلن في الناس أنه من كان له حق على السلطان فليرفعه إلى النائب وخصص موظفين يكتبون كل ما يقع من أحوال رعاياه ويرفعونها إليه، وأبطل عادة تقديم الهدايا إليه، كما كان يفعل من قبل مع أسلافه، وكان يجلس للناس ثلاث مرات يومياً دون حاجب يسمع شكاواهم. وشرع السلطان في تبني خطة لنشر الإسلام بين الهندوس وصد المد الشيعي القادم من إيران الصفوية، ولذلك عني عناية تامة بإنشاء المدارس لتدريس المذهب الحنفي وشيد المساجد في المدن الرئيسة ومنها بنارس وأيضاً لاهور التي حظيت بمسجدها الجامع الكبير المعروف باسم جامع باديشاه. وألحق العلماء والوعاظ بتلك المدارس والمساجد مجرياً عليهم الرواتب الجزيلة. وأنشأ أيضاً دوراً للعجزة وعدداً من المستشفيات وأقام الحمامات والاستراحات لأبناء السبيل. الأمر بالمعروف وعني أورانجزيب بوظيفة الحسبة وأيد القائمين عليها في إظهار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أرجاء دولته متتبعاً كل ما تبقى من سياسات جده جلال الدين أكبر الرامية لنشر الدين الإلهي الذي كان مزيجاً من عقائد الهند المختلفة. ومن أجل نشر الإسلام بين الهندوس أعاد فرض الجزية عليهم بعدما كانت ألغيت في عهد أكبر وأعفى فقط من يدخل الإسلام منهم من دفع أي نوع من الضرائب، كما أبعد بعض كبار الموظفين من الهندوس عن تولي المناصب الرفيعة والوظائف الجليلة في دولته وذلك لمحاباتهم أبناء جلدتهم. وأدت السياسات الجديدة لإثارة القلاقل في البلاد وخاصة بين الهندوس وغيرهم من أصحاب الديانات فثار الهندوس وانضم لهم متصوفة الهندوس وأيضاً الراجبوت الأغنياء فشن ضدهم جميعاً حروباً طويلة انتهت بانتصاره عليهم، ولكن بتكلفة مالية وبشرية فادحة وخسرت الهند بسببها روح التعايش والتسامح التي زرعها حكم أكبر وشاه جهان. خسائر فادحة وواجه السلطان أيضاً ثورة هندية قومية قادتها جماعة المهراتها وهي جماعة من الطبقات الدنيا في المجتمع الهندي وكانت تسعى إلى إنشاء ما سمته «مهاراشترا» أي المملكة الهندية الكبرى، وكان مقامها في الدكن، وظل أورانجزيب يحاربها عقدين كاملين، ويرسل الجيوش إلى أماكن نفوذها وثوراتها حتى ألحق بها خسائر فادحة، بعد أن أثارت القلاقل وخربت القرى وهدمت المساجد، حتى نجح في القضاء عليها سنة 1097هـ «1686م»، واسترد منها بيشاور. ورغم ذلك لم يتبن السلطان أي سياسات عنصرية تجاه هؤلاء جميعاً، بل استمال بعض الذين وضعوا السلاح من المهرتها والراجبوت والهندوس وعينهم بوظائف الدولة وحتى بالجيش الإمبراطوري. وفضلاً عن ذلك واجه أورانجزيب أطماع البرتغاليين في المناطق الشرقية من مملكته وقضى علي وجودهم هناك، كما حارب بنفسه ثورات قبائل البطهان والأفغان التي كانت تشن غاراتها الخاطفة على حدود الهند الشمالية وأرسل يوشه لتقيم في قندهار وبدخشان لتواجه هجمات تلك القبائل. وفضلاً عن شخصيته الإدارية الفذة وخبرته العسكرية اشتغل أورانجزيب بالعلم وتحت إشرافه المباشر وبتوجيه منه تم تأليف أول موسوعة في الفقه الحنفي عرفت باسم الفتاوى الهندية أو العالمكيرية نسبة إليه. حياة الزهد أما حياته الخاصة ببلاطه فقد كانت حياة زهد وتقشف بعد منع الطرب والغناء من البلاط، وكذا شرب الخمر وألغى السلطان المبالغات في استقباله وتحيته واكتفى بتحية الإسلام كما أوصى أن يدفن بعد وفاته في أقرب مقابر المسلمين وأن لا يتجاوز ثمن كفنه خمس روبيات وبالفعل دفن بمقبرة بسيطة بدلهي عقب وفاته في 28 ذي القعدة 1118هـ «20 فبراير 1707م»، وهي بحد ذاتها كافية للدلالة على مدى زهد أورانجزيب، خاصة إذا ما قورنت بروضة تاج محل التي تضم رفات والدته السلطانة ممتاز محل في أجرا. وقد صادف الإمبراطور بعض المتاعب في أخريات أيامه من البريطانيين الذين حصلوا على بعض الامتيازات التجارية في بلاده ورغم أنه حاربهم وطردهم بعدما عاثوا فساداً في البلاد عاد وسمح لهم تحت الحاجة للأموال التي كانوا يؤدونها لخزانته بإقامة مركز تجاري في قرية كلكتا وهو ما كان بداية للتواجد البريطاني في الهند. عرش الهند الذهبي تظهر الصور أورانجزيب في مراحل عمره المختلفة فمنها ما يمثله واقفاً ببلاط والده شاه جهان ليعطي له تقريراً عما يحكمه من الولايات ومنها صور تمثله وهو يواجه فيلًا هاجمه وهو في الرابعة عشرة من العمر فتصدى له بسيفه كما حظي أورانجزيب ببعض التصاوير التي تمثله جالساً على عرش الهند الذهبي يحادث العلماء أو ممسكاً بأحد صقور الصيد. ونستطيع أن نلحظ أثر توجيهات السلطان للمصورين في صوره وهو طاعن بالسن وقد اشتعلت لحيته شيباً فهو يبدو فيها زاهداً يطأطئ رأسه في تواضع وسكينة تامين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©