الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بريطانيا: سياسات تقشف مثيرة للجدل

بريطانيا: سياسات تقشف مثيرة للجدل
5 نوفمبر 2010 22:10
أجْرت بريطانيا مؤخراً خفضاً كبيراً لتكلفة الخدمات الاجتماعية، والوظائف الحكومية، وفوائد نظام الرعاية الاجتماعية، إضافة إلى خفض الإنفاق الدفاعي بهدف الحد من زيادة ديون الخزانة العامة. وهناك من يرى أن من شأن هذه السياسات إعادة تشكيل المجتمع البريطاني، والتأثير على دور المملكة ومكانتها في المجتمع الدولي. وفي حين احترق الكثير من السيارات في شوارع فرنسا إثر تظاهرات احتجاج شعبي واسعة على سياسات حكومة ساركوزي الرامية إلى إجراء إصلاحات جديدة على نظام التقاعد المعاشي مؤخراً، واصلت بريطانيا -على الجانب الآخر من القنال الإنجليزي- هضمها لأقسى سياسات لخفض تكلفة الإنفاق الحكومي وفوائد الضمان الاجتماعي تطبقها منذ الحرب العالمية الثانية. ويتوقع لهذه الإجراءات أن تعيد تشكيل المشهد الحكومي البريطاني، إضافة إلى تأثيرها على مكانة البلاد ودورها على صعيد عالمي. وبينما تصارع مختلف الحكومات الأوروبية ضد التأثيرات السالبة المدمرة للأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة، بعد عدة عقود من استمرار سياسات الإنفاق الحكومي السخي، جاءت استجابة لندن لتداعيات هذه الأزمة أشد قسوة وصرامة: تبني خطة خمسية من التقشف الحكومي الصارم، الذي يشمل، كما سبقت الإشارة، تقليص الميزانيات المخصصة للخدمات الاجتماعية، وخفض الوظائف الحكومية، وكذلك خفض فوائد نظام الرعاية الاجتماعية، إضافة إلى خفض الميزانيات الدفاعية. ولعل التأثيرات الملموسة لهذه السياسات في المجال العسكري، تتلخص مثلاً في إبعاد ناقلات الطائرات عن الخدمة، وخفض الرتب العسكرية... الخ. وفي جانبها المدني، تهدد سياسات التقشف هذه بإلغاء نحو 500 ألف وظيفة من وظائف القطاع الحكومي، إضافة إلى خفض معدلات الفئات البريطانية الأكثر فقراً وأكبر سناً. ويتفق منتقدو ومؤيدو هذه السياسات على حد سواء، على كونها تاريخية، لأنها تضع بريطانيا في مقدمة الدول التي تراجعت بسياساتها على نحو ملحوظ من نمط الاقتصاد الكينيزي -نسبة إلى مبادئ الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز، القائمة على فكرة الاقتصاد المختلط الذي يقوده القطاعان العام والخاص معاً، والإنفاق الكلي على الاقتصاد- لتتبنى تجربة اجتماعية جديدة يتوقع فيها للمواطنين والجماعات غير الربحية والقطاع الخاص ملء الفراغ الذي تتركه الدولة في إدارة العملية الاقتصادية. ويرى البعض أن خطة التقشف الاقتصادي الجديدة، التي أعلنتها الحكومة في العشرين من أكتوبر الجاري، وتهدف إلى خفض الإنفاق بمعدل 125 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، تشير بوضوح إلى تراجع بريطانيا عن دورها ووزنها العالميين، مقابل القبول بمكانة أقل بكثير في المسرح الدولي. غير أن جورج أوزبورن -وزير الخزانة البريطاني- وصف الخطة يوم الإعلان عنها بقوله: "اليوم تتراجع بريطانيا عن شفا الهاوية التي شارفت على الانزلاق فيها". وكان ذلك خلال توضيحه للخطوط العامة للخطة التي تهدف إلى خفض نسبة تصل إلى 19 في المئة في مختلف الوزارات والدوائر الحكومية. وإلى جانب ارتفاع الضرائب، فقد صممت هذه التخفيضات لكي تمكن الحكومة من بدء سداد ديون تصل قيمتها إلى حوالي 1.4 تريليون دولار، أي ما يعادل نسبة 70 في المئة من إجمالي الناتج القومي المحلي، خلال السنوات الخمس المقبلة. ولكن في نظر الكثيرين، فإن العمق والسرعة اللذين تمت بهما هذه التخفيضات، يهددان بإعادة الاقتصاد البريطاني إلى هوة الركود التي كان فيها قبل شهور قليلة، وخاصة أن تعافيه من تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة لا يزال هشاً وقابلاً للانتكاس. وفي الوقت نفسه يتشكك كثير من الخبراء في مدى جدية الحكومة في أن يكون للقطاع الخاص دور قيادي في دفع عملية التعافي الاقتصادي. هذا ما وصفه "توم دلفين" -المحلل الاقتصادي الرئيسي بمعهد السياسات العامة والبحوث، وهو مؤسسة أبحاث ذات توجهات يسارية- بقوله: "إنها مغامرة كبيرة، تراهن على وضع الاقتصاد، بل بريطانيا كلها، في سلة نظرية اقتصادية واحدة. وتقوم هذه النظرية على الاعتقاد بأن تضخم دور القطاع العام، قد أعاق نمو القطاع الخاص. كما تعتقد هذه النظرية أنه في حال إجراء خفض للإنفاق العام، فسيكون في مقدور القطاع الخاص ملء الفراغ الذي يتركه القطاع العام بطريقة سحرية ما". ومن بين أكثر ما يثير القلق والانتقادات لهذه السياسات التقشفية المعلنة، تأثير خفض الميزانيات العامة سلباً على تطلعات بريطانيا العسكرية. وتتركز الانتقادات الموجهة إلى الحكومة البريطانية في هذا الجانب على تناقض هذه السياسات مع الالتزامات العسكرية الكبيرة التي تتحملها البلاد خارج حدودها -لاسيما في أفغانستان. وهناك من الخبراء من يتساءل عما إذا كانت هذه السياسات سترغم بريطانيا على تأجيل خططها الهادفة إلى تطوير وتحديث ترسانة دفاعاتها النووية؟ وهذا ما أكده البروفيسور "مالكولم تشاملرز" من معهد الخدمات الملكية المتحدة -وهو مؤسسة أبحاث متخصصة في الشؤون الدفاعية- بقوله: "إن الحكومة تحرص على الحفاظ على خيارات الانتشار العسكري البريطاني عالميّاً، غير أنه يتعين عليها القبول بنشر قوات أقل في مختلف الجبهات والميادين العسكرية، نظراً إلى تأثير خفض الإنفاق الحكومي على ميزانياتها الدفاعية. وعلى سبيل المثال، فإذا ما نشب نزاع جديد في المستقبل شبيه بالنزاع المسلح الأفغاني، فلن تستطيع بريطانيا نشر العدد نفسه من قواتها المنتشرة حاليّاً في أفغانستان". يجدر بالذكر أن وزير الخزانة البريطاني "أوزبورن"، تعرض لانتقادات حادة يوم الخميس الماضي من قبل بوريس جونسون عمدة مدينة لندن المحافظ. فقد جاء على لسانه القول: "إن هذه الخطط الرامية إلى تحديد سقف للمساعدات الإسكانية التي يمكن أن تقدمها الحكومة للمواطنين، من شأنها دفع الفئات الأكثر فقراً إلى الفرار من الأحياء السكنية الأعلى تكلفة في العاصمة إلى مساكن أرخص خارجها. وفي ذلك ما يشبه نمط ممارسات التطهير العرقي التي شهدتها كوسوفو أيام حرب البلقان"! بن كوين - لندن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©