الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أجهزة التكنولوجيا تحيل « مسحراتي رمضان» إلى التقاعد

أجهزة التكنولوجيا تحيل « مسحراتي رمضان» إلى التقاعد
1 أغسطس 2012
«يا عباد الله وحدوا الدايم ورمضان كريم»، كلنا سمعنا تلك الجمل والعبارات التي يصدح بها المسحراتي أيام زمان، يطوف الفرجان بلا كلل أو ملل، ينادي فلان وعلان باسمه، وعلى صوت الطبلة يستيقظ الصغار والكبار ليعلن عن وقت السحور. لكن تغير الحال واختفى المسحراتي، وأصبح دوره يجسد فقط في الأعمال الفنية، أو يأتي ذكره في المجالس، بعد أن سحبت أجهزة التكنولوجيا البساط من تحت قدميه، وأصبح الصائم يعتمد على نغمات الهاتف المتحرك بصوت الفنانين حسين الجسمي وهاني شاكر وعمرو دياب وغيرهم، ممن قدموا أغنيات عن السحور في رمضان. قال باحث التراث محمد سلطان إن الثابت تاريخياً أن بلال بن رباح أول مؤذن في الإسلام وابن أم كلثوم يقومان بمهمه إيقاظ الناس للسحور، الأول يؤذن فيتناول الناس السحور، والثاني يمتنع بعد ذلك فيمتنع النّاس عن تناول الطّعام، مشيراً إلى أن أول من نادى بالتسحير في مصر عنتبة ابن اسحاق ســنة 228 هـ وكان يذهب ماشياً من مدينة العسكر في الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص وهو ينادي «عباد الله تسحروا»، فإن في السحور بركة، ومنذ تلك الفترة أصبحت مهنة المسحراتي في مصر تلقى احتراما وتقديرا بعد أن قام بها الوالي بنفسه وتطورت الأشكال التي يؤدي بها المسحراتي عمله، وكان أول من أيقظ النّاس على الطّبلة هم أهل مصر، أما أهل بعض البلاد العربيّة كاليمن والمغرب فقد كانوا يدقّون الأبواب بالنبابيت، وأهل الشّام كانوا يطوفون على البيوت ويعزفون على العيدان والطّنابير وينشدون أناشيد خاصّة برمضان. شعر شعبي وأضاف: في العصر العباسي كان المسحراتي ينشد شعراً شعبياً يسمى “القوما” طوال ليالي رمضان وربما كان ذلك عائداً إلى ازدهار فن الشعر في هذا العصر، أما بداية ظهور الإيقاع أو الطبلة في يد المسحراتي فكانت في مصر حيث كان المسحراتي يجوب شوارع القاهرة وأزقتها وهو يحمل طبلة صغيرة ويدق عليها بقطعة من الجلد أو الخشب وغالبا ما كان يصاحبه طفل صغير أو طفلة ممسكة بمصباح لتضيء له الطريق وهو يردد نداءاته المميزة اصحى يا نايم وحد الدايم أو ينطق بالشهادتين بصوت أقرب إلى التنغيم منه إلى الحديث ثم يقول “أسعد الله لياليك يا فلان، ويذكر اسم صاحب المنزل الذي يقف أمامه وغالبا ما كان يعرف أسماء جميع الموجودين في المنزل من الرجال ويردد الدعاء لهم واحداً واحداً، ولم يكن يذكر اسم النساء إلا إذا كان بالمنزل فتاة صغيرة لم تتزوج فيقول أسعد الله لياليك يا ست العرايس. وأوضح أنه كان من عادة النسوة في ذلك الوقت أن يضعن قطعة معدنية من النقود ملفوفة داخل ورقة ثم يشعلن أحد أطرافها ويلقين بها الى المسحراتي الذي يستدل على مكان وجودها ثم يرتفع صوته بالدعاء لأهل المنزل جميعا ثم يقرأ الفاتحة، أما في مدينة الإسكندرية فكان المسحراتي يقوم بعملية تسحير الناس بالدق على الأبواب بعصاه دقات منظمة وهو يردد الأدعية أو التغني بمعجزات الرسول صلى الله عليه وسلم وغزواته. وفي العصر المملوكي كادت مهنة المسحراتي تختفي تماما لولا أن الظاهر بيبرس أعادها وعين أناساً مخصوصين من العامة وصغار علماء الدين للقيام بها ليتحول عمل المسحراتي إلى موكب محبب، وخاصة للأطفال الذين تجذبهم أغاني المسحراتي ويسعدون بصوته وطريقة أدائه على الطبلة وغالبا ما كان هؤلاء الأطفال يحملون الهبات والعطايا التي كان يرسلها الأهل إلى من يقوم بعملية التسحير. مسحراتي الفريج وكان للمسحراتي في ليالي شهر رمضان دور كبير مهم وفعّال، يكنّ له أبناء بلده وحارته كل الاحترام والتقدير فهو منهم ويعرف كل حارة وفريج يجوب من منتصف الليل إلى وقت الإمساك وعلى مدار ليالي شهر رمضان المبارك، وعن ذلك يقول إبراهيم محمد صالح مسؤول التراث في متحف عجمان إن المسحراتي أيام زمان يُعد نجم رمضان طوال 30 يوما حتى أول أيام عيد الفطر المبارك، حيث من أهم مهامه في الشهر الفضيل هو تجوله في كل فريج وحارة بالمنطقة ممسكاً بيده عصا وصندوق معدني أشبه بالتنكة الفارغة أو طبل صغير الحجم، يضرب بعصاه على طبله فيدوي صوتٌ قوي يترافق مع أغاني وأهازيج إسلامية خاصة بهذه المناسبة يرددّها المسحر بنفسه، وقد تندمج معه مجموعة من الأطفال أثناء مروره بها تردد معه تلك الأهازيج، فيستيقظ كل من في الحارة على تلك الأصوات ليجهزّوا السحور متحضرين لصوم يوم جديد. وقال مسؤول التراث في متحف عجمان: أثناء تجوله في الفريج كان المسحر ينادى أصحاب البيوت بأسمائهم فهو يعرفهم وهم يعرفونه، فيقف عند باب كل بيت ويصيح باسم صاحب البيت ليوقظة، يا أبا فلان، ويظل ينادي حتى يرد عليه صاحب البيت وعند ذلك يقول له المسحر «وحد الله» أو يا نايم وحد الدايم.. يا نايم وحد الله، ويظل يردد بعض العبارات الأخرى وهو يطوف ويقول صلي على الهادي رسول الله، قوموا على سحوركم جا رمضان يزوركم. أو يا سامعين الصوت، الله أكبر، والصلاة على النبي. أو يارب اغفر للمؤمنين، يا رب انصر الإسلام والمسلمين. وهكذا مع هذه التهليلات والأناشيد الدينية يبدأ المسحر جولته قبل موعد الإمساك بساعة أو أكثر، يحمل طبلته ويضرب عليها بعصا خاصة‏. وأشار إلى أنه كان للمسحر في الماضي جولتان تبدأ أولاها في وقت السحور وذلك لايقاظ الناس، والجولة الثانية بعد رمضان وهي في عيد الفطر، لينال أجره ويأخذ الهدايا والعطايا التي يقدمها أهالي الفريج له والتي غالبا ما تكون عينية أو نقدية، كمكافأة ومصدر رزق له مقابل جهده ووقته الذي بذله في إيقاظ النائمين ليتناولوا وجبة سحورهم طيلة أيام شهر رمضان، وغالباً ما كان الأطفال يجتمعون عليه وهو يدور على البيوت خلال العيد، كما كان البعض من الأهالي يكلفون أولادهم بإعطاء الأجر أو الصدقة للمسحر، ولكن بعض الأطفال كانوا لا يعطونه أجره إلا إذا سمح لهم بالنقر على الطبلة، وكانوا يجرون خلفه وهم يرددون بعض الأغاني، لافتاً إلى أن وجود المسحر مظهر رمضاني عملي ضروري لإيقاظ الناس من النوم للسّحور، أما الآن فوجود الساعات المنبهة والهواتف، وكذلك جلوس الناس إلى وقت السّحور دون نوم جعل هذه العادة تراثاً أكثر منها حاجة عملية”. رمضان زمان بدوره يتمنى أبو على حسن ناصر أن يرجع إلى تلك الأيام الرمضانية بقوله: كان رمضان له طعم مختلف عن الآن، وخاصة مع وجود أبو طبلة الذي يدق طبلته طوال الشهر الفضيل، ولا يهنأ له بال إلا حين يوقظ أهالي الفريج بصوته وأهازيجه الدينية التي يرددها أثناء طوافه بالفريج. ويضيف “يعد المسحراتي أيام زمان واحدا من أبناء الفريج، فهو يعمل نهارا بعمله أما في الزراعة أو الصيد وفي الليل يقوم بمهنة المسحر، ورغم ذلك كان يستمتع وهو يجول فريج فريج ليدق أبواب الفريج معلنا عن بدء وقت السحور. ويتفق في الرأي هاشم خميس مبارك متقاعد ويقول «يا نايم وحد الدايم»، كلمات رافقتنا منذ الصغر وعشقناها وكنا متلهفين لرؤية المسحر، وكبرنا وما زلت لهذا الوقت انتظر مروره وأعشق صوت طبلته وكلماته لكن الوضع اليوم أختلف حيث اختفي مسحراتي زمان الذي ننتظر قدومه بتلهف لنمسع أهازيجه الدينية وعباراته التي يرددها كل يوم وقت السحور. تنوع كلمات المسحراتي اتخذ المسحراتي أشكالاً متنوعة وكان يردد كلمات مختلفة من بلد إلى آخر، ففي الكويت يقوم المسحراتي الذي يسمى أبو طبيلة بالتسحير ومعه أولاده فيردد بعض الأدعية وهم يردون عليه، ‏وفي عُمان يوقظ المسحراتي النائمين على الطبلة أو بالناقوس وهو يقول يا نائمين الليل قوموا اتسحروا سحور، يا مسلمين سحور يا صائمين، وفي اليمن يقوم بالتسحير واحد من الأهالي بالحي حيث يدق بالعصا على باب البيت وهو ينادي على أهله قائلا: قوموا كلوا، وفي السودان يطرق المسحراتي البيوت ومعه طفل صغير يحمل فانوسا ودفتراً به أسماء أصحاب البيوت حيث ينادي عليهم بأسمائهم قائلا (وقد لا يلجأ المسحر لاستخدام الطبلة، ويستخدم عوضاً عن ذلك عصا يضرب بها الأبواب ويقول لأصحاب البيت: اقعد يا فلان.. أذكر معبودك.. رحم الله جدودنا واجدودك.. اقعد لطاعة الله.. يرحمنا ويرحمك الله.
المصدر: عجمان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©