الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إبراهيم النجار: فنانو النهضة الأوروبية تتلمذوا على الأرابيسك

إبراهيم النجار: فنانو النهضة الأوروبية تتلمذوا على الأرابيسك
9 أغسطس 2011 22:10
انتشرت التحف الإسلامية العربية في أسواق أوروبا في العصور الوسطى، ولقيت فيها رواجاً كبيراً، وأقبل على شرائها الملوك والأمراء والأثرياء، بل ورجال الدين فأثارت الغيرة عند الصناع الأوروبيين وحفزتهم على محاولة محاكاتها من حيث أساليب الصناعة أو طرز الزخرفة. وأخذ رجال الفن الأوروبي يستكشفون أساليب جديدة في الصناعة ويصوغون الزخارف بروح مجددة ويلبسونها صبغة أوروبية، إلا أنها ظلت تكشف عن مصادرها الإسلامية العربية، وهو ما يوضح مدى اتصال الفنون الأوروبية وتأثرها بالفن الإسلامي من العصور الوسطى حتى الرومانسية. وهو ما يؤكده الفنان التشكيلي إبراهيم النجار، والذي استطاع في دراسته المقارنة “الفن الإسلامي وأثره على التجريد في التصوير العربي المعاصر”، والتي نال عنها درجة الدكتوراه من كلية الفنون الجميلة بالقاهرة أن يوضح أثر الفن الإسلامي علي الفنون الأوروبية الحديثة والمعاصرة. وقال: إن استعمال الحروف العربية للزخرفة في فن التصوير الإيطالي ظهر منذ عهد ما قبل نهضتها حينما رسم “جيوتو” صورة المسيح عليه السلام في لوحة “بعث لازروس” وعلى كتفه الأيمن زخارف من الخط الكوفي، كما كان “فرا أنجيليكوا” و”فرا ليبوليبى” مغرمين بهذا النوع من الزخرفة واستعملاها حتى في أكمام العذراء وحواشي ثوبها، وهو ما ينم عن جهل تام بأصول هذه الأشكال، وربما كانت معرفتهما بهذه الزخرفة ترجع إلى القطع الحريرية الكثيرة وغيرها من المصنوعات، أو إلى المصابيح والأواني النحاسية التي كانت تأتي إلى أوروبا من الشرق. الزخارف الإسلامية أضاف النجار أن “ليوناردو دافنشى” نابغة عصر النهضة يعد مثالاً بارزاً للمستذكرين لمعطيات الزخارف الإسلامية، حيث أقبل على دراستها إقبالاً يبرهن على الأهمية التي اكتسبتها تلك الزخرفة في ذلك العصر، وقد وُجد في كراساته نماذج عديدة من زخارف الأرابيسك. وقال: إن الفنان الإيطالي “فرانشيكو بلليجرينو” يعد مثلاً آخر لذلك الاهتمام، حيث ألف كتاباً في أوائل القرن الـ 16 يوازن فيه بالرسم بين الزخارف الإيطالية والزخارف العربية ويبرز فيه الأهمية التي كانت تحظي بها هذه الزخارف في الأوساط الفنية، حتى استطاع المصور “هولياين” أن يبتكر أسلوباً زخرفياً مشبعاً بالروح العربية الأصيلة استلهمه من أشكال زخارف السجاد العربية. وقال: إن ذلك ساعد على ظهور لفظة “الأرابيسك” في القرن الـ 17 في أوروبا، وهي تعبر عن نوع خاص من الزخارف التقليدية قوامها الفروع النباتية المنقوشة القليلة البروز مستمدة اسمها من مصادرها الأصيلة، ومحتفظة به حتى وقتنا هذا، ومصدر هذه الزخارف هو أسلوب التوشيح العربي وهو ابتكار إسلامي ظهر في بادئ الأمر في الزخرفة الفاطمية خاصة الموجودة في الجامع الأزهر في منتصف القرن الـ 4 الهجري، وهو أسلوب تتلخص مبادئه في تنسيق الأشكال النباتية داخل مضلعات هندسية مجردة تتعلق فيها السيقان والأغصان وتمتلئ الفراغات وتتكرر التموجات الخطية تكراراً تختلط فيه البداية مع النهاية ويتحقق فيه التماثل والحركة التوقيعية، وقد تكون أسلوب التوشيح العربي من الجمع بين الزخرفة الهندسية وزخرفة التوريق وهما أسلوبان عربيان. وأضاف النجار: يعد “ديلاكروا”، وهو زعيم الرومانسيين من أوائل واهم الفنانين الحداثيين، بل وأكثرهم اهتماماً بالشرق العربي فقد سافر إلى مراكش، حيث سحر الصحراء والطقوس والأضواء الذهبية والألوان الواضحة، والإسلام وقواعده، وحيث صيد الوحوش الضارية في بسالة وشجاعة. «نساء من الجزائر» وقد تنقل “ديلاكروا” بين طنجة ومكناس وسافر إلى وهران وأقام في هذه المدن ما يزيد على خمسة أشهر يزود خياله بما شاهده وعاشه وقد بقي ديلاكروا يستلهم ما اختزنه في إقامته هذه حتى نهاية حياته تاركاً أروع اللوحات الشرقية العربية وبخاصة ما يمثل منها الحياة الداخلية الخاصة، كما في لوحته الشهيرة “نساء من الجزائر”. ويضيف النجار أن أعمال ديلاكروا عملت على اكتشاف فنون الشرق العربي الإسلامي وإبراز أهميتها، ولذلك حلت موضوعات جديدة محل موضوعات الأسلوب الكلاسيكي الجديد الجامد قبل ديلاكروا وبدأت تسيطر على الأسلوب الجديد تعابير إنسانية خالصة من كل ارتباط موضوعي وأصبحت الألوان السائغة هي الألوان الأصلية الخالصة، وليست ألوان المرسم القاتمة. وأوضح أن ذلك مهد لظهور الانطباعية التي زار عدد من فنانيها الشرق العربي وتأثروا بفنونه في بعض أعمالهم، فقد زار “ديجا” الجزائر عام 1872 وصور عدة مشاهد خاصة ومبتكرة بعيدة عن الأسلوب الانطباعي، وبرغم أننا لا نستطيع أن نعتبره واحداً من المصورين الذين تأثروا بوضوح بالفن الإسلامي في أعمالهم التصويرية إلا أننا نجده في بعض أعماله يستلهم أشكال الكتابات العربية في زخرفة بعض أقمشة الموائد بهدف إضفاء جو من الحيوية على سطوحها. الفن الحديث وعن الفنانين الأوروبيين الذين استفادوا من الفن الإسلامي قال النجار إنه في فنون العصور الوسطي وعصر النهضة والقرن الـ 18 أخذ بعض الفنانين في إضافة أشكال الفن الإسلامي إلى أعمالهم بطريقة تكميلية أو زخرفية دون معرفة بما تحتويه معاني الكلمات في الكتابة العربية، أو إدراك لمفهوم الزخرفة عند الفنان المسلم، فنقلوا الشكل دون المحتوى بطريقة تدل على انبهار من الخارج بملامح الأشكال الزخرفية، حتى منتصف القرن العشرين، حينما بدأ الفن الحديث في الظهور، حيث كان أثر عطاء الفن الإسلامي على التصوير الحديث أكثر وضوحاً وفهماً لدى كثير ممن استفادوا به من المصورين الغربيين المعاصرين، وبخاصة الذين ينتمون إلى مجموعة التجريديين، فالفن لديهم يعتمد على علاقات الأشكال البحتة وعلى الإيقاع والحوار، بينها وبالتالي فإن الاستفادة من التراث الفني الإسلامي تبدو استفادة من معطيات الشكل وإيقاعاته الابتكارية. الاتجاهات التجريدية الاتجاهات التجريدية في التصوير العربي المعاصر، قسمها إبراهيم النجار إلى عدة اتجاهات، منها التجريد الخالص المتأثر بمفهوم وشكل التجريد الغربي وذلك بدوره يتفرع إلى مسار هندسي يعتمد في تكوينه على حسابات الأشكال الهندسية وعلاقاتها مع بعضها علاقة جمالية بحتة ومسار يضم التجريد التعبيري وهو الذي ترتبط فيه الأشكال بالطبيعة.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©