الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البناء الإيماني أساس حسن الخلق

البناء الإيماني أساس حسن الخلق
9 أغسطس 2011 22:13
الشباب عماد الأمم وأملها، وعصب الحياة وقوامها، ونبض المجتمعات ودوامها، بصلاحهم تستقر الأوطان، وبفسادهم يختل الأمن والأمان، ولذلك حرص النبي عليهم، واهتمَّ بشأنهم، وخصَّهم في العديد من أحاديثه.. فمن هم الشباب؟ وما الصفات التي ننشدها فيهم؟ وما الدور الذي ينتظرهم في هذه الحياة؟ الشباب مرحلة من العمر تتميز بالقوة، والحداثة والجمال والنماء والفتوة. الشباب هو مرحلة ما بين البلوغ إلى الأربعين، وتتسم هذه المرحلة بأنَّها قوة بين ضعفين، بين ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة، فهي فترة القوة والحداثة والحيوية والجمال والنماء، والقدرة على العمل والإنتاج، وفي هذه الفترة يكتمل التكوين الشخصي والفكري للإنسان. وقد حذَّر النبي من التفريط في هذه المرحلة نظراً لأهميتها، ودعا إلى تداركها واستغلالها، فقال موجهاً: “اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ” وذكر في أول الخمس: “شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ”، وبيّن في حديث آخر أنّ هذه المرحلة سيُسأل عنها الإنسان يوم القيامة، وعليه أن يعد جواباً لذلك الامتحان، فقال: “لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس” وعدّ من الخمس فترة الشباب فقال: “وعن شبابه فيم أبلاه”، أراد بذلك أن يتبصر الشباب بالمسؤوليات التي ستلقى على عواتقهم، فإنّ من أنف تحمّل المسؤوليات شاباً، لم يحملها كبيراً، قال الشاعر: إذا المرء أعيته المروءة ناشئاً فمطلبها كهلاً عليه شـديد السيرة العطرة والنبي بُعث في سنّ الأربعين، وهي أخصب فترات العمر وأنضجها، واجتمع حوله في بداية الدعوة ثلّة من الشباب المؤمن، فعلي بن أبي طالب كان عمره يوم اتخذ قراره بالدخول في هذا الدين تسع سنين، وعندما دعاه النبي للإسلام، طلب أن يمهله حتى يشاور أباه، لكنه حينما خلا بنفسه متفكراً، لم يلبث أن عاد إلى رسول الله وقال له: “لقد خلقني الله من غير أن يشاور أبا طالب فما حاجتي إلى مشاورته لأعبد الله”، فكان علي فتى الإسلام الأول، وقد شهد له النبي بالعلم والحكمة والقضاء، وكان يختاره للمواقف الصعبة! وأبو عبيدة بن الجراح كان عمره يوم أسلم خمسة عشر عاماً، وزيد بن ثابت الشاب اليافع الذي لم يتجاوز عمره يوم وصل النبي إلى المدينة أحد عشر عاماً، فكان يلزم النبي ويتحمل مهمات الرسالة، وحينما اجتمع الصحابة في أيام أبي بكر ليقوموا بأعظم مهمة في تاريخ الفكر الإسلامي، وهي مهمة جمع القرآن الكريم، هذه المهمة التي يُنتدب لها اليوم في كل بلد إسلامي مئات العلماء من حملة الدرجات العليا، لم يجد أبا بكر لهذه المهمة أكفأ من زيد، فقال له: “إنك رجل شاب عاقل، ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله، فتتبعِ القرآن فاجمعه”، فكان يقول: “والله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن” خشية أن يزل أو يخطئ، وكان زيد قد نيَّف عن العشرين عاماً! وهناك العديد من الأسماء التي لا يمكن حصرها في هذا المقال، وكلهم من الشباب اليافع، ولكن بحسبك من الرجال مواقف أولئك الشباب، وإنك حينما تطالع أخبارهم فإنَّ من العسير أن يتبادر إلى ذهنك أنّ هؤلاء كانوا صغاراً، وأن الغالب فيمن يقرأ سيرة أولئك الشباب يشعر أنه يقف أمام جبال لا يكاد يصمد أمام إرادتهم شيء. والإسلام واضح في إلقاء المسؤولية على الشباب، فقد قرر جمهور الفقهاء أنه إذا بلغ الغلام خمسة عشر عاماً أصبح مكلفاً، أي تثبت له الأهلية، وعليه أن يتحمل تبعات أفعاله، وقد فطن علماء المسلمين الأُول لأهمية هذه المرحلة، فكانوا يوسدون إليهم مهاماً تليق بفتوتهم وشبابهم؛ لأنهم كانوا يدركون تماماً أنَّ أكثر التحصيل العلمي إنما يكون في فترة الشباب الأولى، فأثمرت تلك الحِقْبَةُ جيلاً من الفقهاء والعلماء والأدباء، لا يزال الناس ينتفعون من إنتاجهم العلمي والفكري إلى يومنا هذا. ولأجل بناء جيل من الشباب الواعد فلا بد من مراعاة بعض التوجيهات والوصايا، ومنها: ضرورة البناء الإيماني والسلوكي للشباب المبني على عبادة الله تعالى وحده، فالشباب قوة وعنفوان يحتاج إلى رعاية وتهذيب عن طريق الإيمان، والتخلق بالعبادة ومبادئ الإحسان، لأن الإنسان يسمو بإيمانه ويزداد رشده وهداه، وبالعبادة يستقيم الإنسان ويتوازن فكره، وبالتقوى تستقر جوارحه ويطمئن قلبه.. والشباب بلا إيمان لا يستطيع ضبط نفسه، لأنه متى عدم العبادة خوت روحه وهزل نتاجه وفسدت أعماله وصار إلى التدني أقرب، ولذلك بشر النبي الشباب المؤمن العابد الناشئ على طاعة الله تعالى بأنهم صنف يستحقون التفيؤ بظل الله في وقت يعز على الناس فيه ضنك المحشر، فقال: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ...” وذكر منهم: “وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ”. الثقة بالشباب ومن التوجيهات التي يجب أن تراعى أيضاً: الثقة بالشباب وعدم تجاهلهم، إذ إن الفئة الشبابية مرحلة عمرية غضة. التجربة تتراوح في التفكير بين مساس الصبا وحكمة الرجولة، لذلك فإنه من المهم أن يتشاوروا ويُشاوروا، وقد كان ابن شهاب الزهري يخاطب الشباب قائلاً: “لا تحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان واستشارهم، يبتغي حدة عقولهم”. ومن التوجيهات المهمة للشباب: اعتماد التربية الهادفة في الحياة، بأن تكون أعمال الشباب محددة بهدف من غير عشوائية، وهو توجه رباني بيّنه القرآن عندما ذكر أن ثمّة غاية سامية من خلقنا ألا وهي عبادته جل وعلا، قال تعالى: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ والإنس إلا ليعبدون” فلا بد أن تكون خطا الشباب محسوبة ومسؤولة، ومن مفردات هذا التوجيه استثمار الوقت، فالوقت أثمن شيء يملكه الإنسان، خاصة وأنهم في مرحلة التكوين البشري والذي من أبرز أدواته الوقت. د. أنس محمد قصار
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©