السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خوشيار هانم ماتت قبل أن ترى مسجد الرفاعي

خوشيار هانم ماتت قبل أن ترى مسجد الرفاعي
9 أغسطس 2011 22:15
خوشيار هانم سيدة تركية كانت دائماً على موعد لم يقدر له أن يتم مع التاريخ. تزوجت إبراهيم باشا الابن الأكبر والأثير لدى محمد علي، وظنت وقتها أن موعدها مع التاريخ يوشك أن يصل لخاتمة سعيدة عندما طافت شهرة “القائد إبراهيم” الآفاق بعد معاركه المظفرة في بلاد العرب والشام ودواخل الأراضي التركية، وأصبح وريثاً لعرش الدولة الفتية التي أسسها محمد علي، ولكن يد المنون اختطفت إبراهيم وضاعت الفرصة على خوشيار هانم لتقبض على لقب السيدة الأولى. ثم جاءتها الفرصة ثانية لتضرب موعداً مع التاريخ، عندما تولى ابنها من إبراهيم حكم مصر، ونال لقب الخديوي وأصبح “إسماعيل” رمزاً لترف الشرق وتطلعه للتحديث على النمط الأوروبي ومنحها الوضع الجديد لقب “الوالدة باشا” أو الملكة الأم فطمحت لأن تمنح نفسها شرفاً آخر يربط اسمها بأسرة محمد علي واختارت أن تشيد مشروعاً معمارياً تضرب به “ثلاثة عصافير بحجر واحد”. قدرت “خوشيار هانم” أن عصر ابنها إسماعيل جدير بأن تشيد فيه تحفة معمارية تحاكي مدرسة السلطان حسن المملوكي وأن تقوم البناية بدور المسجد طلباً لثواب بناء بيت لله يذكر فيه اسمه عز وجل وأخيراً أن تكون المنشأة التي تحقق لها وجاهة في الدنيا والآخرة بمثابة “روضة” أو مدفن لجثامين أفراد أسرة محمد علي. أوامر لا ترد في عام 1869م. أعطت الوالدة باشا أوامرها التي لا ترد لوكيل ديوان الأوقاف والمهندس المعماري النابغة “حسن باشا فهمي” بالبدء في تخطيط البناء على قطعة من الأرض تواجه مدرسة السلطان حسن، بعدما هدمت قبة قديمة للشيخ علي أبي شباك، حفيد المتصوف الشهير “الرفاعي”، واشترت مساحات أخرى حولها قاربت في مجموعها على مساحة مدرسة السلطان حسن. وضع المعماري حسن فهمي تصميماً معمارياً نال رضاء الوالدة باشا، حيث احتوى مسجداً ومدفناً ملكياً وقبتين، إحداهما للشيخ علي أبي شباك، والثانية للشيخ الأنصاري الذي، يقال إنه كان مدفوناً بنفس البقعة. وبعد 10 سنوات من العمل في تشييد أساسات المسجد وملحقاته رأت “خوشيار هانم” أن البناء لا يحقق حال إتمامه الفخامة التي تراها في مدرسة السلطان حسن، فتوقف العمل في عام 1880م. لإدخال تعديلات على التصميم، وتوفيت الوالدة باشا في عام 1885م. قبل أن تتم أعمال البناء ودفنت حسب وصيتها في مقصورة بداخل الروضة الملكية التي كانت قيد الإنشاء. وفقد المشروع المعماري الطموح راعيته، فخمد الحماس وما لبث الخديوي أن عزل عن العرش وتوفي بعد هنيهة ليدفن إلى جوار جثمان الوالدة باشا والمبنى لم يكتمل بعد. وظل البناء متوقفاً قرابة ربع قرن من الزمان إلى أن تولى عرش مصر الخديوي عباس حلمي الثاني فقرر في عام 1911م. إتمام البناء وعهد بذلك إلى الألماني “هرتس باشا” مدير الآثار المصرية الذي استعان باثنين من المهندسين الإيطاليين هما “كارلو فيرجيللو سيليفاني” والمعماري الشاب “ماريو روسي” الذي أسلم بعد ذلك وعاش مصرياً مسلماً قبل أن يتوفى بالإسكندرية في ستينيات القرن الماضي. اشترت الخاصة الملكية أفخر أنواع الرخام من أوروبا وعهدت لمصنع إيطالي بنسج سجاد تحاكي زخارفه تلك المنفذة بسقف المسجد، وقام أمهر النجارون وصناع المعادن بالعمل في البناء وفق خطة جديدة لينتهي العمل ويفتتح المسجد للصلاة في يوم الجمعة غرة المحرم عام 1330هـ “1912م” ويتحقق حلم خوشيار هانم بعد 27 عاماً من وفاتها و42 عاماً من بدء العمل فيه بحياتها. مسجد الرفاعي يحتل المسجد المعروف إلى اليوم باسم مسجد الرفاعي مساحة قدرها من الأمتار المربعة 6500 خصص منها للمسجد 1776 متراً مربعاً وبقية المساحة لمدافن أسرة محمد علي. ويمتاز المسجد بواجهاته الحجرية الشاهقة وإن افتقدت النسب الجمالية عند إنشاء المداخل التي بدت ضيقة قياساً بارتفاعها وللمسجد مدخل ملكي خاص في الضلع الشمالي يؤدي للمقابر الملكية، أما المدخل الرئيسي فيقع بوسط الجدار الغربي ليواجه مدخل مدرسة السلطان حسن. ويؤدي هذا المدخل إلى حجرة على يمين الداخل مغطاة بقبة أركانها الخشبية محلاة بطلاء ذهبي، وهي تفتح على حجرة ثانية تضم قبراً للشيخ على أبي شباك، وثالثة للشيخ الأنصاري. فن مملوكي أما المسجد الذي يحتل مساحة مستطيلة الأبعاد ففيه محراب يتوسط الضلع الجنوبي، وهو مكسو بالرخام الملون، وعلى جانبي حنيته المعقودة أربعة من الأعمدة الرخامية المدمجة، وبجوار المحراب منبر خشبي من حشوات مجمعة على هيئة الأطباق النجمية، استخدم في زخرفتها التطعيم بالعاج والأبنوس، ويعد المنبر بمثابة تحفة فنية تمت صياغتها وفقاً للأساليب الفنية التي كانت سائدة في العصر المملوكي. وهو أمر حرصت عليه حكومة عباس حلمي الثاني في كافة أعمالها المعمارية والفنية، وهناك أيضاً تحفة خشبية مماثلة وهي كرسي قارئ المصحف الشريف. وتأكيداً لهذا الاتجاه الإحيائي لفنون المماليك زود المسجد بدكة للمبلغين الذين يرددون التكبيرات، وقد صنعت من الرخام الأبيض المستورد من إيطاليا، وهي ترتكز على أعمدة رخامية رشيقة ورغم فخامتها الظاهرة، فإنها أقل أصالة من سابقتها بمدرسة السلطان حسن. وقد زخرف السقف بنقوش ملونة بديعة على هيئة بخاريات مذهبة وبالمسجد مجموعة من الثريات النحاسية الفخمة والمشكاوات الزجاجية المموهة بالمينا المتعددة الألوان. وفي نهاية الطرف الشمالي للمسجد يقع الملحق الجنائزي ويتم الوصول إليه عبر ستة أبواب يؤدي أربعة منها إلى حجرات دفن ملوك وأمراء وأميرات أسرة محمد علي، بينما يوصل اثنان من الأبواب إلى رحبتين بين تلك المدافن. وقد دفن بالحجرة الشرقية أربعة من أبناء الخديوي إسماعيل وهم “وحيدة هانم” و”زينب هانم” و”علي جمال الدين” و”إبراهيم حلمي” ولتلك الحجرة قبة حليت نقوشها بكتابات بخط النسخ تحوي آيات من القرآن الكريم. أما القبة التي تلي الرحبة الأولى فبها قبران فقط أحدهما للوالدة باشا “خوشيار هانم” صاحبة فكرة إنشاء المبنى، أما القبر الثاني فهو لابنها الخديوي إسماعيل. وبعد الرحبة الثانية تأتي القبة الثالثة التي ضمت قبور ثلاث من زوجات إسماعيل وهن: شهرت فزا هانم وجانانيار هانم وششم عفت هانم. وإلى جوار تلك القبة حجرة دفن بها السلطان حسين كامل ابن الخديوي إسماعيل. مفارقة «بهلوية» من المعروف أن تلك المقابر الملكية احتوت أيضاً في وقت ما جثمان الشاه “رضا بهلوي” حاكم إيران وقتما كانت هناك مصاهرة ملكية بين الأسرتين حين تزوج “محمد رضا بهلوي” “الأميرة “فوزية”، ولكن الطلاق الذي وقع سريعاً جعل الملك الجديد يعجل بنقل جثمان والده إلى إيران. ثم شاءت الأقدار أن يفقد رضا عرشه في الثمانينيات من القرن الماضي عقب الثورة الإيرانية ولم يجد له من ملجأ سوى مصر، وعقب وفاته لم يجد الرئيس الراحل محمد أنور السادات من مكان جدير بأن يوارى فيه الثرى سوى تلك المقبرة التي ضمت سابقاً رفات والده. والقبر باق إلى اليوم ويحمل شعار قرص الشمس والأسد الحامل للسيف، وهو شعار الأسرة البهلوية إلى جانب اسم الشاه وتاريخ ميلاده ووفاته باللغة الفارسية.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©