الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ساندرز».. وأوهام الثورة على «وول ستريت»!

23 فبراير 2016 00:39
إذا وجد من بين مترشحي الرئاسة الأميركية من يجسد الغضب الشعبي المتواصل تجاه «وول ستريت» بسبب الأزمة المالية العالمية في عام 2008، فإنه بالتأكيد الجمهوري «بيرني ساندرز» عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فيرمونت. وليس هناك من بين المرشحين من دعا بحماسته إلى إصلاح مالي، أو استخدم تصريحات تصف بقوة لافتة الصراع بين القطاع المالي وبقية القطاعات الاقتصادية. وسواء أكانت الروايات دقيقة أم لا، فإن مقترحات «ساندرز» الملموسة تعطي انطباعاً بأنه لم يقيم بحذر المشهد السياسي. وبعض الإجراءات التي يقترحها «ساندرز» تم اتخاذها بالفعل. فعلى سبيل المثال، أعلن مؤخراً أنه خلال المئة يوم الأولى من ولايته، ستضع إدارته قائمة تشمل «البنوك وشركات التأمين الكبرى التي يمثل سقوطها كارثة للاقتصاد»، بيد أن هذه القائمة موجودة بالفعل! وبموجب قانون «دود- فرانك» في عام 2010، يجب أن يحتفظ «مجلس الإشراف على الاستقرار المالي» التابع لوزارة الخزانة الأميركية بقائمة تضم المؤسسات الجوهرية في النظام المالي، وتشمل هذه المؤسسات البنوك وشركات الوساطة وشركات التأمين التي يهدد انهيارها النظام المالي. وبالتالي، فإن اقتراح «ساندرز» موجود في الواقع! وهناك مقترحات أخرى لا يبدو أنها حلول مناسبة للمشكلات التي يعتقد «ساندرز» أنها ستعالجها. فعلى سبيل المثال، كتب مؤخراً في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي «توتير»: «أن الإصلاح الحقيقي لوول ستريت يعني إعادة تدشين أنظمة حماية تقلص المجازفة في الأنشطة البنكية التقليدية». وما يتحدث عنه «ساندرز» في تغريدته هو إعادة تطبيق قانون «جلاس- ستيجال»، وهي قاعدة تعود إلى عهد الركود، أدت إلى فصل الأنشطة البنكية الاستثمارية عن الأنشطة البنكية التجارية، وتم إلغاء العمل بها عام 1999. وقد هاجم «ساندرز» منافسته «هيلاري كلينتون» بسبب عدم تأييدها بقوة لعودة العمل بهذه القاعدة مرة أخرى. والمشكلة هي أنه لا يوجد ما يدل على أن «ساندرز» يفهم حقيقة ما يفعله قانون «جلاس- ستيجال». فكل جوانب الأنشطة الاقتصادية تنطوي على المجازفة. وبنوك الاستثمار تكتتب وتبيع الأوراق المالية للشركات، وهو ما ينطوي على مجازفة بأن تعجز هذه الشركات عن سداد التزاماتها. والبنوك التجارية تتلقى الودائع وتقدم القروض، ومن ثم تتحمل خطر عدم سداد هذه القروض. وما كان قانون «جلاس- ستيجال» سيأتي بجديد للحيلولة دون حدوث الأزمة المالية العالمية، ذلك أن الأخطاء المكلفة التي اقترفتها البنوك الكبرى، ومن ثم أفضت إلى إعسارها، لم تكن ضمن نطاق أنشطة الاستثمارات البنكية. وإنما تعرضت البنوك لمشكلات بسبب شراء أوراق مالية مدعومة برهون عقارية «سامة»، واستخدام قدر كبير من القروض المعروفة باسم «الروافع المالية»، وليس بسبب الاكتتاب في شركات فاشلة. وثمة سبل أفضل لفصل الأنشطة التي تنطوي على مجازفة كبيرة عن البنوك التي تحصل على ودائع الأميركيين. ومن هذه الإصلاحات الكبرى التي تم إنجازها بالفعل قاعدة «فولكر»، التي تحظر على البنوك خوض أنواع كثيرة من استثمارات المضاربة باستخدام الودائع المضمونة بأموال دافعي الضرائب. وعلى رغم ذلك، لا يدرك «ساندرز» هذا النجاح. وتبدو مقترحات الإصلاح المالي الأخرى التي طرحها «ساندرز» إما غريبة أو غير مناسبة. ومنها على سبيل المثال، تمويل مصاريف الجامعة بضريبة على المعاملات المالية. وعلى رغم ذلك، تظهر تجربة إيطاليا في هذا الصدد أنه في حين أن هذا النوع من الضرائب يبدو فعالاً في خفض أحجام التداول، فإنه ليس جيداً في جمع الأموال. ولم يحقق فرض ضريبة على المعاملات المالية سوى خُمس العائدات المتوقعة فقط في إيطاليا، ومن المتوقع أن يتراجع هذا الرقم أيضاً على المدى الطويل. وبالطبع فإن التقديرات اليقينية التي تتوقع تحقيق مئات مليارات الدولارات كعائد من هذا النوع من الضرائب مبالغ فيها بشكل كبير. ولن يساعد فرض ضريبة على المعاملات المالية سوى في تقييد التداولات المتكررة بشكل كبير، وهو نشاط آخر لم يلعب دوراً حقيقياً في أزمة 2008، وفي المقابل لن يوفر مصدراً مستقراً لتمويل التعليم في الجامعات الأميركية. وفي هذه الحالات كافة، يبدو «ساندرز» إما «مفتقراً للمعلومات» أو أنه لم يفكر بحذر بشأن التشعبات الفعلية لمقترحاته الخاصة. وإذا كان المرشح الرئاسي يرغب حقيقة في تحسين النظام المالي، فهناك طرق أفضل بكثير لفعل ذلك، وأحد الحلول التي يتفق اقتصاديون من الأطياف السياسية كافة على جدواها هو فكرة رفع سقف متطلبات رأس المال للبنوك. وهو ما سيحول دون اقتراض البنوك مبالغ كبيرة من المال بالنسبة لقيمة أعمالها، وبذلك تصبح أكبر قدرة على استيعاب خسائرها، وتجعل النظام المالي في مأمن بسبب تقليص المجازفة. *أستاذ مساعد للمالية في جامعة «ستوني بروك» الأميركية يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©