الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحرية وبرامج التجسس الأميركية

7 أغسطس 2013 00:55
إليزابيث جوتين مديرة برنامج الحرية والأمن القومي بمركز برينان للعدالة في نيويورك شيئاً فشيئاً يسمح الأميركيون لحكومتهم بقضم المزيد من الضمانات القانونية التي يبذل من أجلها الأفراد في المجتمعات الأقل ديمقراطية، بما فيها عدد من الدول العربية، تضحيات كبيرة لتأمينها والحصول عليها، فقد أفرج مدير الاستخبارات الوطنية عن وثائق تفيد بأن عملية جمع المعلومات وسجلات المكالمات الهاتفية التي قامت بها وكالة الأمن القومي كانت تجري «على نطاق واسع». أما في الأسبوع الماضي فقد صوت مجلس النواب بأغلبية ضئيلة لصالح الاستمرار في عملية جمع البيانات، هذا التصويت الذي يعكس انقسام الأميركيين في ردهم على التسريبات الخاصة بأنشطة الوكالة بين نصف الشعب الحانق على عملية التجسس، وبين النصف الآخر الذي يبدو أنه عمل بنصيحة زعيم الأغلبية في مجلس النواب، «هاري ريد» عندما قال «اهدؤوا قليلاً واعلموا أن ما قامت به وكالة الأمن القومي ليس جديداً تماماً». وفي أوساط القسم الأخير من الأميركيين يسود اعتقاد بأن المدافعين عن حماية الخصوصية والمشددين على احترامها إنما يثيرون زوبعة في فنجان، ففي جميع الأحوال، حصل برنامج الوكالة الخاص بجمع البيانات على ترخيص القضاة الفيدراليين، كما أن الكونجرس كان على علم بها، وأكثر من ذلك أن تلك البرامج تستخدم فقط لرصد الإرهابيين وتتبعهم، فلماذا كل هذا اللغط؟ والجواب على هذا السؤال هو أن بعض تلك البرامج قد لا تكون قانونية، فمع أن الحكومة تعترف بحصولها على سجلات المكالمات الهاتفية بصفة عامة، وتبرر ذلك بأنها لا تنظر فيها إلا بعد وجود دافع قوي حول شبهة الإرهاب، يبقى أن المادة 215 من قانون الإرهاب تقضي بأن تبرز الحكومة الشبهة أولاً قبل الحصول على السجلات الهاتفية وليس بعدها. كما أن برنامج «بريسم» الذي يجمع معلومات من الشركات المزودة للإنترنت، وتقول الحكومة إنه قانوني لاستهدافه الأجانب، ينخرط في عمليات «غير مقصودة» لجمع بيانات حول أميركيين، بما فيها تلك التي تحتاج الحكومة للحصول عليها إذناً قضائياً، حسب المادة الرابعة من الدستور. ومع أن محكمة سرية أجازت استخدام هذه البرامج، إلا أن ذلك لا يعني وقف النقاش حول مدى قانونيتها وإخراس أصواتنا، ولاسيما أن القضاة ليسوا منزهين، بل أحياناً يرتكبون الأخطاء. وكما أوضح ذلك تقرير حول قانون سري عن الاستخبارات الخارجية، تزيد احتمالات وقوع القضاة في الأخطاء كلما سمعوا إلى طرف واحد فقط، وعندما يلجأ المواطنون العاديون إلى المحاكم للتقاضي ضد برامج التجسس الحكومية تنجح الجهات الرسمية في إقناع المحاكم بأنها أصلاً غير مختصة في نظر تلك القضايا، ناهيك عن أن برامج التجسس تلك تهدد خصوصية الأميركيين. ولعل من قبيل الخداع أن يزعم المسؤولون بأن البيانات التي يتم جمعها ليست أكثر من أرقام الهواتف، ففي ظل برامج كمبيوتر متطورة يمكن الحصول على مئات المعلومات الإضافية من المكالمات الهاتفية التي تخص علاقاتهم الخاصة وأنشطهم وحتى معتقداتهم الدينية. ولكن على رغم هذه الانشغالات لا يبدو الأميركيون متخوفين، فعلى كل حال تبقى أميركا بلداً حراً، وعلى رغم وجود استثناءات مثل تخصيص المسلمين في أميركا بإجراءات أمنية مشددة من قبل بعض الأجهزة الأمنية وإخضاعهم للمراقبة أكثر من غيرهم، ما دفع بعضهم للحديث عن مضايقات يتعرضون لها في الجمارك وتضييق على أنشطتهم الدينية، إلا أن باقي الأميركيين لا يلمسون تداعيات برامج التجسس الحكومية على حياتهم، حيث يواصلون حياتهم دون خوف من مراقبة الحكومة. والحقيقة أن هذه هي مشكلة الأميركيين إذ عادة ما تميل المجتمعات الحرة إلى التعامل مع حرياتها على أنها من البديهيات، والحال أننا لا نحصل على الحريات بفضل طيبة المسؤولين المنتخبين، بل نستمدها من القوانين والمؤسسات الموجودة الساهرة على احترام الحريات، وهذه القوانين والمؤسسات وإن كانت موجودة في كل المجتمعات الديمقراطية بصيغ مختلفة، إلا أنها تظل ابتكارات حديثة في التاريخ الإنساني، فقبل وجودها كانت الأنظمة التسلطية هي الغالبة. وحتى اليوم تفتقر الشعوب في البلدان التي لا تتوافر على تلك الضمانات والمؤسسات إلى الحرية، وفيما يخصنا نحن في أميركا تعرضت المؤسسات والقوانين التي استحدثت لحماية حرية الأميركيين إلى الإضعاف بعد هجمات 11 سبتمبر، سواء بشكل تدريجي، أو على نحو جوهري. وهذا الأمر يبدو أكثر وضوحاً في الضوابط المقترنة بأنشطة المراقبة وجمع المعلومات التي تخضع لقيود كثيرة خوفاً من الشطط والتجاوز، فالتراخيص القضائية التي تسمح بجمع المعلومات الخاصة لم تعد حكراً على المشتبه فيهم، بل تمتد إلى كل ما يفيد التحقيق، ولم يعد مسؤولو الجمارك في حاجة إلى دافع قوي قبل دس أصابعهم في أجهزة الكمبيوتر المحمولة للمسافرين. ومع أن الحكومة تجادل بأن ما تقوم به طفيف ويقتصر على حالات خاصة -وهي ربما محقة في إشارتها إلى الاعتبارات الأمنية الملحة- إلا أن المهم هو ألا نوقف النقاش، وأن نستمر في التساؤل والتعبير عن المخاوف. ولا يعني ذلك أنه يجب على أميركا حسم المساومة بين الحرية والأمن لصالح الحرية دائماً وألا تقوم بجمع المعلومات والمراقبة، فعلى أية حال ما زالت الولايات المتحدة بعيدة عن الديكتاتورية، ولكن ومع تآكل الضمانات القانونية بعد 11 سبتمبر على الأميركيين ألا ينتقوا خياراتهم بسهولة، وكل توسيع إضافي للسلطات الحكومية عليه أن يكون باختيار الأميركيين وليس بانصياع سلبي لما يقوله المسؤولون. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©