الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صيدا وتجاوز الاحتقان

7 أغسطس 2013 00:56
خالص حبلي خبيرة في العلاقات العامة والإعلام بعد الصدامات بين الجيش اللبناني والشيخ السني أحمد الأسير في صيدا، ثالث أكبر مدن لبنان، التي انتهت بمقتل ما لا يقل عن 48 شخصاً وجرح 90 آخرين، سجل حراك برلماني مطالب بإعلاء قيم ومفاهيم التسامح والعيش المشترك بعيداً عن كافة أشكال الاحتقان والصراع الطائفي أو المذهبي. وبالمثل، في مدينة صيدا، يسعى السكان للملمة وإصلاح ما يمكن إصلاحه من ثقافة التعايش، وإعادة بناء المناطق التي تأثرت بالنزاع العنيف. كما حضر إلى المدينة أيضاً كثيرون من مناطق أخرى من البلاد لمساعدتنا. يشكل شهر رمضان المبارك وقتاً مثالياً للاجتماع معاً في أجواء روح السلام والعيش المشترك. وهنا أتكلم عن مشاهدات شخصية، فقد كنت من ضمن المتأثرين بالعنف الذي جرى، وضمن العالقين بين أجوائه الملتهبة. وقد أطلق أنصار الشيخ أحمد الأسير يوم الأحد 23 يونيو الماضي، حسب التقارير الإخبارية، النار على الجيش اللبناني في ضاحية عبرا في صيدا. وتدّعي تقارير أخرى أن عملية إطلاق النار تلك قد تكون مدبّرة من جانب كتائب تابعة لـ«حزب الله»، لإشعال فتيل الصدامات التي استمرت لمدة يومين. وبحلول الغروب، كان منزلي شخصياً محوطاً بالقناصة ومجموعات من المقاتلين يحملون قاذفات «آر بي جي». وكان هناك رجال مقنعون ومسلّحون لا يعرفهم أفراد أسرتي أو الجيران يتنقلون في الشوارع. وجرى قطع الهواتف الأرضية والخلويـة والتيـار الكهربائي. وقـد تبعـْتُ أسرتـي أسفـل الأدراج وفـي الممرات الداخلـية، مستخدمـة فرشـة لحمايتنا من النوافـذ التي يمكن أن تتحطم بسبب أصوات الانفجارات الشديدة، أو لإخفائنا عن أنظـار الرجال المسلّحين. وقضينـا ليلتنـا مختبئين فـي الظلام، نهمس حتى لا يسمعنا أحـد. وبالنسبة للعديد من الناس الآخرين مثلنا الباحثين عن السلامة في بيوتهم، كان الإعلام الاجتماعي هو الوسيلة الرئيسة لإيصال مشاعرنا ووجهات نظرنا حول الأحداث التي تقع في مدينة صيدا. وفي لبنان، استخدمت معظم مصادر الأخبار صدامات المدينة لشرعنة مواقفها السياسية ولمحاولة تغيير معطيات الوضع وإعادة تشكيله ليناسب دعايتها السياسية، متجاهلة أصوات ومعاناة المدنيين الأبرياء. وقد أثار ذلك حنقي إلى حد كبير، كإنسانة عاشت عبر هذه الأحداث. وللتذكير فـ«عبرا» ضاحية ذات كثافة سكانية عالية، ولذا فقد أصيب العديد من المدنيين، أو بقوا في بيوتهم خلال الساعات الستة والثلاثين من الصدامات. ولم يكن هناك ما نفعله كمدنيين مع أي من طرفي النزاع، وشعرنا بعجز كبير وقد علقنا داخل بيوتنا مختبئين من الخطر. بعد أيام قليلة، بدأت منظمات الشباب والمجتمع المدني التنسيق لاستعادة ما يشبه الحياة اليومية الطبيعية وإعادة بناء ما دُمّر من البنية الأساسية، وقد بدأت مدينتي تُظهِر الآن مؤشرات التعافي من الأزمة. ومن بين المنظمات التي تطوعْتُ للعمل معها منظمة «بيكفـّي خوف»، حيث تقوم بجمع البيانات لتقدير تكاليف الضرر وجمع الأموال وإعادة بناء البنية الأساسية في المناطق المتأثرة. وتقوم «فرح العطاء»، وهي منظمة أخرى متخصصة في تقديم المعونة لإعادة بناء المنازل، بتنفيذ مشاريع لإعادة تأهيل البيوت التي أصيبت بأضرار في عبرا، وقد قدّم شباب من جميع المناطق والطوائف معونات للمناطق المتضررة، مما يوحّد الأسرة اللبنانية الكبيرة. لقد تجاوزت صيدا هذه الأوقات الصعبة بجهود وكرم الجميع. وتشتهر صيدا بأجوائها الرمضانية الجميلة، وعلى رغم الأحداث الأخيرة، ما زالت مساجدها القديمة مزينة بالأضواء والزهور والسجاجيد الزاهية الألوان، وما زالت مقاهي الشاطئ والأسواق المفتوحة القديمة، تعج بالنشاط والزائرين الذين يتمتعون بسماع الموسيقى وشرب الجلاّب (المعد من الخروب والبلح ودبس العنب وماء الورد) وتناول الحلويات التقليدية. ولم تؤثر الصدامات الأخيرة على قلب صيدا هذا الموسم، وما زالت قيم وروح شهر رمضان في المغفرة وروح الجماعة والتسامح هي السائدة. ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©