الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشفافية وأسوار الكتمان

6 نوفمبر 2010 20:13
لا يختلف اثنان على أن إجراءات السلطة الرشيدة قد تكون أسرع الطرق لمكافحة حالات الفساد، وتبقى هذه القاعدة سارية في البلدان الأكثر تقدما أو تخلفاً على حد سواء، في الماضي والحاضر والمستقبل. إنما الأساس الذي يميز الدول في هذا المجال هو إمكانية ضبط الفاسدين أيا كانت مستوياتهم و«سرقاتهم» ومحاسبتهم ومحاكمتهم ومدى وجود آليات ومنظومة مؤسسات ومنظمات، دستورية ومدنية، قادرة على المساءلة والاتهام بغض النظر عن موقف الحكومات. وحتى تتمكن هذه المنظومة من المؤسسات والمنظمات من القيام بدورها لابد من شرط أساسي هو توفر المعلومات أو الشفافية ذات الصلة بالشأن العام، التي من دونها قد يصبح الاتهام بالفساد مجرد شائعة قد تدين صاحبها أحيانا، وتتعذر المحاسبة والمساءلة، ثم يستمر تفشي الفساد ويزداد. وهذه هي حالة الكثير من المجتمعات العربية والمجتمعات الأقل نموا بشكل عام. وتتميز الدول والمجتمعات الأكثر فسادا ليس فقط بنسب عالية من تفشي الرشوة والمرتشين، حيث«يضطر» قطاع كبير من عموم الناس إلى دفع رشى لإنهاء معاملاتهم الحياتية الرئيسية أو الاستعانة بالواسطة ومراكز النفوذ، بل تتميز بظواهر أخرى منها الخشية أو عدم الثقة بالإبلاغ عن المرتشين وفقد الثقة بالمؤسسات والمنظمات التمثيلية التي تقوم في الدول الأقل فسادا بمقام الرافعة في مكافحة الفساد، خاصة إذا تهاونت السلطة الحاكمة في ذلك. وقد ثبّت بارومتر الفساد العالمي للعام 2009 الذي شمل 73,132 من 69 دولة مثل هذه الظواهر، حيث قال ثلاثة أرباع من صرحوا بأنهم دفعوا رشى أنهم لم يتقدموا بشكاوى من خلال القنوات الرسمية، واللافت أيضاً أن (مؤسسة) البرلمان والأحزاب السياسية جاءت على رأس المؤسسات التي استشرى فيها الفساد برأي المشمولين بالاستطلاع متقدمة على الفساد في المؤسسات العامة. وإضافة إلى ذلك رأت الغالبية في 13 بلداً أن القطاع الخاص هو الأكثر فساداً ورأت الغالبية في 11 بلدا أن القضاء هو الأكثر فسادا. بالطبع تزداد نسب هذه المعدلات العالمية وغيرها من المؤشرات المشابهة في المجتمعات الأقل نمواً والأكثر فساداً, حيث تعكس في أسوأ تقديراتها ليس فقط وجود فئات ومصالح واسعة تتضرر من الحد من الفساد بل حالاً من اليأس «الشعبي» من مكافحته ضمن القنوات والأطر المتوافرة. ولم يكن للفاسدين والمفسدين من مختلف المستويات أن ينجحوا في إيصال بيئتهم إلى هذا الدرك لولا إحاطة مصالحهم بأسوار من الكتمان، التي جعلت الشفافية مستعصية التطبيق، وجعلت النزاهة حلماً محاصراً يستدعي السخرية من قبل قطاعات واسعة من الناس ويؤدي في الوقت نفسه إلى انحسار ثقتهم بمؤسسات الدولة وعندما يطال ذلك القضاء وأجهزة الأمن والمؤسسات التشريعية فإن الثقة تتزعزع بكيان الوطن كله. وتجاه هذه التحديات التي وعاها البعض باكرا واستشعرها بعض آخر لاحقاً، انضمت جميع الدول العربية إلى الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد (UNCAC) وألحقت ذلك بإنشاء منظمة «برلمانيون عرب ضد الفساد» (ARPAC)، لكن ما زال يغفل عن بال كثيرين، مسؤولين وبرلمانيين، أن لا أمل في نجاحهم بتطبيق هذه الاتفاقية من مدخل أساس للشفافية يتمثل بحرية تدفق المعلومات وبوجود إعلام حر قادر على كشف الفساد ومقاومة نفوذه ومصالحه.. ولا شك أن وجود مثل هذا الإعلام ما زال حلما صعب المنال في معظم حالات الدول الأقل نمواً.. وهو أمر يستحق (بالمناسبة) أن يفرد له مؤشر خاص:الإعلام ومدركات الشفافية والفساد. د.الياس البراج barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©