الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

عبدالملك بن عمر بن عبدالعزيز.. المرابط على الثغور

6 أغسطس 2015 22:55
أحمد مراد (القاهرة) كان للخليفة عمر بن عبدالعزيز 15 ولداً، فيهم ثلاث بنات، وكانوا جميعاً على حظ موفور من التقى، ومقام كبير من الصلاح، وكان عبدالملك واسطة العقد، وكان أديبا وذكيا. نشأ عبدالملك بن عمر بن عبدالعزيز في طاعة الله عز وجل منذ نعومة أظفاره، فكان أقرب الناس سمتا إلى آل الخطاب عامة، وأشبههم بعبدالله بن عمر، خاصة في تقواه، وتخوفه، وتقربه بالطاعة، وقد تتلمذ على أكابر علماء عصره، حتى تفقه في الدين، فغدا على حداثة سنه، يزاحم الطبقةَ الأولى من فقهاء أهل الشام في زمانه. عندما تولى عمر بن عبدالعزيز الخلافة أقبل عليه ابنه عبدالملك، وكان يومئذ في السابعة عشرة من عمره، وقال لأبيه: ما تريد أن تصنع يا أمير المؤمنين؟.. فقال: بني أريد أن أغفو قليلاً، فلم تبق في جسدي طاقة، فقال: أتغفو قبل أن ترد المظالم إلى أهلها يا أمير المؤمنين؟ فقال: إني قد سهرت البارحة، وإني إذا حان الظهر صليت بالناس، ورددت المظالم إلى أهلها إن شاء الله، قال ابنه: ومن لك يا أمير المؤمنين أن تعيش إلى الظهر؟ فألهبت هذه الكلمة حماس عمر فقال له: ادن مني يا بني، فدنا منه، فضمه إليه، وقبل ما بين عينيه، وقال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي، من يعِينني على ديني، ثم قام وأمر أن ينادى في الناس ألا من كانت له مظلمة فليرفعها. قراء الشام حدث ابن عمّه عاصم، فقال: وفدت على دمشق، فنزلت على ابن عمي عبدالملك، وهو عَزب، فصلينا العشاء، وأوى كل منا إلى فراشه، فقام عبدالملك إلى المصباح فأطفأه، وأسلم كل منا جفنيه إلى الكرى، ثم إني استيقظت في الليل، فإذا عبدالملك قائم يصلي في العتمة، وهو يقرأ قوله جل وعلا: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ)، «سورة الشعراء: الآيتين 205 - 207»، فراعني منه أنه كان يردد الآيةَ، وينشج نشيجا مكبوتا، يقطع نياط القلوب، وكلما فرغ من الآية عاد إليها، حتى قلت: سيقتله البكاء، فلما رأيت ذلك، قلت: لا إله إلا الله، والحمد لله، كما يفعله المستيقظ من النوم، لأقطع عليه البكاء، فلما سمعني سكت، فلم أسمع له حساً. جمع عمر بن عبدالعزيز قراء الشام وفقهاءها، وقال إني قد دعوتكم لأمر هذه المظالم التي في أيدي أهل بيتي، فما ترون فيها؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن ذلك أمر كان في غير ولايتك، ليس لك علاقة، قضية سابقة، وأن وزر هذه المظالم على من غصبها، والتفت إليه أحدهم ممن كان يرى غير رأيهم، وقال: يا أمير المؤمنين، ابعث إلى عبدالملك، فإنه ليس دون من دعوت علماً أو فقهاً أو عقلاً، فلما دخل عليه عبدالملك، قال له عمر: ما ترى في هذه الأموال التي أخذها بنو عمنا من الناس ظلما، وقد حضر أصحابها، وجعلوا يطلبونها، وقد عرفنا حقَّهم فيها؟ فقال عبدالملك لأبيه: أرى أن تردها إلى أصحابها ما دمت قد عرفت أمرها، وإنك إن لم تفعل، كنت شريكا للذين أخذوها ظلما، فانبسطت أسارير عمر، و ارتاحت نفسه، وزال عنه همه. وقد آثر عبدالملك المرابطة على الثغور، والإقامة في إحدى المدن القريبة منها على البقاء في بلاد الشام، فمضى إليها، وخلف وراءه دمشق ذات الأنهار السبعة، وكان أبوه على الرغم من كل ما عرفه من صلاحه وتقاه خائفا عليه من نزعات الشيطان، كثير الإشفاق عليه من نزوات الشباب، حريصاً على أن يعلم من أمره كل ما يجوز له أن يعلم، وكان لا يغفل عن ذلك أبدا، ولا يهمله.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©