الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«بصيريات» المُعلم إبراهيم الصَلَحي

«بصيريات» المُعلم إبراهيم الصَلَحي
7 أغسطس 2013 22:53
في البدء أضاء نور حروف لفظ الجلالة «الله» وجدانه. ومع الكلمات المنزلة في الذكر الحكيم، راح الفتى إبراهيم يتأمل الحروف الأبجدية للغة العربية، وهو في العام الثاني من عمره، وأخذ يتدرب على نسخها وكتاباتها في مدرسة للقرآن وعلوم الدين تابعة لخلوة والده "الشيخ الصَلَحي" في مدينة أم درمان على الضفة الشرقية لنهر النيل في السودان. مع الأيام تعلم كيف للحروف أن تذوب في أحضان الأشكال فتصنع الصورة. جمال إسماعيل إدريس بعد أيام، وفي الخامس من سبتمبر المقبل، بعيداً عن أم درمان، وفي مدينة أكسفورد البريطانية العريقة التي اختارها ليقيم فيها منذ عام 1998، يحتفل الفنان التشكيلي العالمي إبراهيم الصَلَحي، بمرور 83 عاماً على مولده. وقبل أيام، عشت في رحابه ساعات، عالية الشجن، داخل 7 قاعات للعرض في الطابق الثاني للمتحف الحديث Tate Modern للفنون المعاصرة، شرق العاصمة البريطانية، في احتفالية، بدأت في الثالث من يوليو الماضي، وتنتهي يوم 22 سبتمبر المقبل، احتفاءً بالفن الأفريقي المعاصر مجسداً في أكثر من 100 لوحة من الأعمال التي أنجزها الفنان “المُعلم” على مدار أكثر من 5 عقود من الإبداع الخالص المتميز بالبحث الدائم في الأشكال والتقنيات الفنية التي تعبر عن أشواق عميقة وتجارب الحياة، على الأرض، والتوق. الطريق إلى هناك يعد “تيت مودرن” أحدث متاحف مجموعة “تيت” للمعارض الفنية في بريطانيا، نسبة إلى اسم مؤسسها “سير هنري تيت”. بدأت هذه المجموعة بتأسيس المتحف الوطني الأم “تيت غاليري”، ثم “تيت ليفربول”، و”تيت سانت إيفز”، و” تيت مودرن”. كان مبنى الأخير، المميز، محطة رئيسية للطاقة في العاصمة البريطانية، هي محطة “بانكسايد” التي صممها المعماري سير جيلز جيلبيرت، واستكمل تشيدها على مرحلتين ما بين عامي 1947 و1963، وصممت على شكل جناحين مستطيلين، يتكون كل جناح من 4 طوابق رئيسية، إضافة إلى طابقين علويين. وفي المنتصف، ما بين الجناحين، يرتفع ذلك البرج الحجري إلى 10 طوابق بمدخنة طولها 326 قدماً. في عام 1981، توقفت محطة “بانكسايد” عن العمل، وفي عام 1991 أعلنت مجموعة “تيت” عن مسابقة بين المصممين المعماريين لتحويل المحطة إلى متحف حديث للفنون والمعارض فاز بها “هيرتزوغ، ودي ميرون” اللذين قررا الاحتفاظ بالشكل الخارجي التاريخي المميز للمبنى وبرجه ومدخنته، مع تطوير وإضافات معمارية حديثة تقدم نموذجاً لكيفية إعطاء حياة جديدة عصرية لمبان تاريخية قديمة. جاء تحويل محطة توليد الطاقة إلى متحف حديث للفنون العالمية، ضمن خطة تطوير وتحديث شاملة لضفة نهر التايمز ناحية برج لندن الشهير، والكنائس العريقة والجسور العتيقة، وقد تحولت، ومنذ بداية الألفية الجديدة، إلى منطقة جذب سياحي، وإشعاع ثقافي وفني ومعرفي، لها عبق خاص يتناغم مع حي المال والأعمال على الضفة الأخرى للنهر، في مدينة لندن القديمة. كل الطرق تؤدي إلى هناك. وبين محطة قطارات، ومترو أنفاق، “لندن بريدج” London Bridge، رحلة قصيرة ممتعة (20 دقيقة سيراً على الأقدام) تعبر في بدايتها إلى الناحية الأخرى لمبنى المحطة. وتدور بمحازاة جدران كاثدرائية “ساوثوورك” So thwark، ثم تتجه إلى اليسار بمحازاة النهر، متجاوزاً جسر “ميلينيوم” إلى يمينك لتصبح عند “ممشى الملكة” Q een,s Walk، تفصل بينك وبين مداخل الـ”تيت مودرن” مساحة أشبه بحديقة يحدها النهر وتنتشر بها الأشجار والأرائك الخشبية. تتوقف تلتفت إلى المبنى العريق الشامخ فتلمح، أعلى جدران الواجهة، أسم EL SALAHI (الصَلَحي) محلقاً بحروف ضخمة عند الطابق الأخير من الجناح الأيسر. على العاشق أن يبحث في عام 1948، ومع إنهاء تعليمه العام والثانوي، تمنى الشاب إبراهيم أن يدرس الطب ويصبح طبيباً، لكن الفنان عاشق الحرف العربي، العارف بجماليات مكوناته، وجد نفسه سائراً على الطريق إلى مدرسة التصميم في كلية “غوردون” في الخرطوم فألتحق بها ليدرس ويتعمق في فنون الخط والتشكيل والتصميم والطباعة على المنسوجات، وعندما يتخرج فيها، بعد 3 سنوات، يقوم بالتدريس لطلابها لبعض الوقت وإلى أن يشد الرحال إلى بريطانيا، في بعثة دراسية لاستكمال البحث والدراسة في مدرسة سليد Slade للفنون في لندن. في “سليد” يسبح الشاب القادم من أعماق الحضارة العربية الإسلامية في بحار المعرفة الغربية، وإبداعات وفنون حضارة، وحضارات، مغايرة. يغوص في كنوز مدارس التكعيبية، السوريالية، الإنطباعية، والحداثة، يجوب متاحف الفنون في بريطانيا، يبحث في أعمال بول سيزان، بابلو بيكاسو، كميل بيسارو، خوان ميرو، وجورج سورا، وغيرهم.. من أساطين العالم في الرسم والتصوير والفنون التشكيلية، ويحصل أيضاً على دورات في رسم مظاهر الحياة، علم التشريح، وتاريخ الفن والنقد الفني. يعود الفنان إلى السودان، عام 1957، يكون الوطن قد تحرر من استعمار بريطاني بدأ من عام 1899، وفي بداية عملية تنمية هوية ثقافية سودانية موحدة. يعمل إبراهيم الصَلَحي بالتدريس في معهد الفنون التطبيقية، ويصبح من أبرز مجموعة الفنانين الذين أسسوا ما أطلق عليه “مدرسة الخرطوم” بهدف تحديد هوية سودانية مشتركة، وقد إنتسب إليها آخرون يحملون رؤى مشابهة في الشعر والنقد الأدبي، ومن النخبة، وتوحدوا من أجل خلق جماليات جديدة للفن والأدب، وساهموا في نمو الحداثة الفنية عبر أفريقيا. كغيره من مجموعة مدرسة الخرطوم، بادر إبراهيم الصَلَحي بمشروعات تجريبية لدراسة وتطوير التقاليد المحلية، وتوصل في البداية إلى لغة بصرية جديدة من خلال تفكيك الخط المنقوش. استخدم الأشكال البسيطة للكشف عن الحركة الإيقاعية للكتابة، ووجد أن لها صلة بكل صيغ الحياة اليومية، في الأجسام، الأشكال، والعالم الطبيعي. في عام 1960، أقام إبراهيم الصَلَحي أول معرض لأعماله في رحاب “الفندق الكبير” العريق عند “شط النيل” في الخرطوم، مقابل جزيرة “توتي”. كان الحضور ضعيفاً، وأدرك الفنان أن الطابع الأكاديمي الغربي، الغالب على لوحاته كان سبب عدم الإقبال المحلي السوداني على معرضه، وساعتها قرر أنه في حاجة إلى رحلة إلى الداخل، إلى أنحاء الوطن لاكتشاف الفضاء الثقافي والمادي الطبيعي في بلاده، وبين ثنايا الأرض، وبدأ في صياغة أسلوب شخصي أكثر خصوصية، مازجاً تدريباته الأكاديمية مع مزيد من الفن السوداني التقليدي، والموروث التشكيلي للسودانيين. أقمار وأشجار حراز مع بدايات الستينيات بدأت رحلة ساحرة عمرها إلى الآن 5 عقود تابع خلالها الفنان نحت وتطوير مفردات لغة بصرية خاصة، بذكاء يسعى إلى التعبير الخالص عن التوق الكامن داخل نفس ينشد الخيال تحريرها من القيود. ينجز الرسام لوحات لرؤية بصرية، بصيرية، يعطي لبعضها اسماء: “بورتريه شخصي للمعاناة” 1961، “أصوات أحلام الطفولة تولد من جديد” العام نفسه، “الجنازة والهلال” 1963، “الشجرة الأنثى” 1994، و”الشجرة” عام 2003. لا يميل الفنان إلى كتابة اسم لكل لوحة فنراه يضع بعض لوحاته في مجموعات ويكتب لكل مجموعة اسماً واحداً: “هم يظهرون عادة” ما بين 1966 و1968، و”راقصو الفلامنكو” 2010. يقدم “تيت مودرن” الفنان، وأعماله، تحت عنوان “وصفي” رئيسي: A VISIONARY MODERNIST وهو ما يمكن ترجمته إلى العربية إلى: “حداثة بصيرية” أو “حداثة رؤيوية” إن صح التعريب، رؤية حداثية، لكنني، وبعيداً عن المصطلحات، أقرأ تصريحاً للفنان ينفي فيه إتباعه لمدرسة فنية أو فكرية أياً كانت، مؤكداً أن همه هو أن يركز على ما في داخله كفرد يتعامل مع الحياة ويراها بعين مجردة، ويرسم كما يشاء له المكنون والعقل الباطن. في معرضه أقف أمام لوحات فنية وأعمال تشكيلية بالأحبار وبالأبيض والأسود، وبألوان زاهية صارخة أحيانا، كتومة ناعمة أو كثيفة كألوان الأرض في أحيان أخرى. لقد أسس الفنان، وهو يرسم ويصور ويشكل ويصمم، لمفردات سودانية جديدة، نابعة من دمج متميز بين معرفة وتقاليد إسلامية أفريقية عربية، وتقاليد حضارات ومدارس فنية غربية. وفي لوحاته ترى وجوه سافرة، وترى الأقنعة. تلمح وطأة الحياة في الدوائر والمنحيات. ترى الأقمار والأهلة والخطوط المسافرة والرابطة بين الأجزاء والكثير من أشجار الحراز السودانية، تلك الشجرة الأفريقية الفريدة من نوعها، والوحيدة التي تفقد أوراقها في مواسم المطر (حسب قرادة الناقد أدريان هاملتون في صحيفة “الإندبندنت” البريطانية). تترك كل الأشجار في أبهى صورها ووحدها تبقى عارية تماماً من الأوراق وكأنها في حالة حرب مع المطر، لكنها، وعندما يأتي الصيف، وبينما تبدو كل الأشجار عارية، تراها مورقة مزهرة. للقنان ما يقرب من 27 لوحة تعزف على أنغام شجرة الحراز التي يراها رمزاً للإنسان السوداني “البدوي الرعوي، عفيف النفس المتوكل على الله، الحاصد الصابر القنوع”. تلمح شجرة الحراز متوارية في معظم أعماله، تلمحها في كل حالاتها، وبأشكال ورؤى واستخدامات تجريدية وترميزية متعددة، وتلمح معها أيضاً حرف [T] والألف الممدوة [آ] ماثلان بكل الأساليب وبأشكال رأسية وأفقية، متعرجة ومتداخلة، أو في تصاميم واستخدامات هندسية صارمة. بوح على صحائف صغيرة خلال الستينيات ارتحل الفنان إبراهيم الصَلَحي كثيراً إلى داخل السودان وإلى أفريقيا والعالم، كان يتعلم ويعلم ويطور حضوراً عالميا قوياً. وفي بدايات السبعينيات تواجد في لندن، ملحقاً ثقافياً في سفارة السودان، ثم عاد إلى السودان مديراً عاماً الثقافة، ثم وكيلاً لوزارة الإعلام. في الثامن من سبتمبر عام 1975، وفي أعقاب محاولة انقلاب فاشلة على نظام حكم الرئيس السوداني الأسبق، جعفر نميري، جرى اعتقاله دون تحقيق، وبتهمة القيام بنشاط معاد للحكومة، مع العديد من رجال الدولة والنخبة في السودان. ظل حبيس سجن كوبر، سيىء السمعة، ومن دون محاكمة، إلى أن أطلق سراحه بعد 6 أشهر و8 أيام، عانى خلالها سوء التغذية، ونقص الدواء والعلاج، والخوف الدائم من الإيذاء البدني، لكنها، وحسب وصفه، كانت لحظة تأمل ومراجعة نادرة ، لا يوفرها الإيقاع السريع المحموم للحياة اليومية خارج السجن. وما بين قاعات العرض المخصصة لأعماله في “تيت مودرن”، وداخل غرفة صغيرة بها شاشات عرض داخلي، تستطيع متابعة ما باح به السجين السياسي، من رسوم وكتابات وقصائد، إلى أوراق كانت “تدفس” في التراب بعيداً عن أعين السجان. وجد الفنان العزاء الروحي العميق في رفقة الزملاء السجناء السياسيين والعديد منهم كان من الباحثين والمحامين والأطباء والسياسيين. لكن “اسكتشات” تجربة السجن تبرز معاناة الوجوه والأجساد خلف الأبواب المغلقة وقضبان النوافذ وجدران الزنازين، وبين ظلال الإيذاء وحبال الموت والقوة الغاشمة وخرافات الطفولة ومطاردة الحيوانات. وترى الطائر يحلق أحياناً في السماء الفارغة، رامزاً إلى الضمير والأمل والتوق إلى الحرية. الخروج من الوطن كما أعتقل فجأة، أطلق سراحه فجأة، وسرعان ما اتخذ القرار بالمغادرة إلى الدوحة، عاصمة قطر، حيث أمضى سنوات يعمل وينجز اللوحات والأعمال الفنية ويقيم المعارض. يرسم في مجلة “الدوحة” رسومات مصاحبة لنصوص وأعمال أدبية للروائي القدير الراحل الطيب صالح صاحب “موسم الهجرة إلى الشمال” و”دومة ود حامد” و”عرس الزين”، وغيرها من روايات أدبية لها بصمة عظيمة في الوجدان العربي، وقد صمم إبراهيم الصَلَحي بعض أغلفتها. ومن قطر إلى بريطانيا، التي وصلها في العام 1998، كي يستقر في ريف مدينة “أكسفورد” قرب النهر، ويستمر في الرسم والإبداع فتتفجر الألوان في لوحاته، ويتألق الأبيض والأسود، وتنضم إلى أعماله سلسلة لوحات الأشجار، إضافة إلى مجموعة رائعة من الرسومات على صحائف صغيرة مربعة ومستطيلة، عنوانها “مذكرة بصرية للوقت الضائع”، تكشف عن محاولة رصد للحياة حول الفنان في رسوم بدائية مجردة تحيلك إلى وجوه وأجساد بيكاسو والرسوم المتحركة الساخرة المختزلة. يقوم الفنان برحلة إلى غرناطة الأندلسية ويعود فيعكف على مجموعة تتصدرها لوحة لونية وسط عدد من لوحات الأبيض والأسود لرقصات الفلامنكو تعبر فيها الكتل اللونية، أو السوداء، والخطوط الخارجية الكثيفة عن الطاقة الكامنة المحتدة للراقصين والراقصات في فرق الغجر و”التروباديرو”، أو فرق “الطرب الدوار” في الأندلس التي كانت. وتعد مجموعة لوحات “راقصو الفلامنكو”، ومعها شجرة أكسفورد ومجموعتها، الإضافة الأحدث والجديدة التي تعرض لأول مرة في المتحف الحديث للفنون العالمية “تيت مودرن” في لندن. أما بقية الأعمال المعروضة فقد سبق عرضها، واقتناء بعضها في متاحف عالمية: متحف الفن الحديث، متحف المتروبوليتان، و”غاليري تشيزمانهاتن”، في نيويورك. ومتحف الفن الأفريقي، ومكتبة الكونجرس، في واشنطن. ومتحف فيكتوريا الوطني في سيدني ـ أستراليا، ومتحف “لامبير” في باريس، والمتحف الوطني في برلين، ومصلحة الثقافة في الخرطوم. ويأتي إحتفاء “تيت مودرن” هذا الصيف تتويجاً لمسيرة ومكانة وقيمة وقامة فنان تشكيلي صاحب بصمة عالمية تعد رمزاً للفن الأفريقي الحديث، والأول الذي بقام لفنان من القارة السمراء. كتاب وبرنامج تلفزيوني * على هامش المعرض، أعاد “تيت مودرن” نشر كتاب Ibrahim EL-Salahi: A VISINARY MODERNIST “إبراهيم الصَلَحي: رؤية حداثية”. يحمل الكتاب تاريخ بدء المعرض، الثالث من يوليو 2013، وكان قد سبق نشره في أكتوبر عام 2012، بغلاف مغاير. ويرصد الكتاب سيرة حياة الفنان ولوحاته التي أنجزها خلال 5 عقود من عمره وتعد بحثاً في الأشكال ونموذجاً للفن العربي الإسلامي الأفريقي الحديث وامتزاجه بالمدارس الفنية العالمية. وقد حرر مادة الكتاب البروفيسور صلاح محمد حسن، مدير مركز الأبحاث والدراسات الأفريقية وأستاذ الأفريقيات في جامعة “كورنيل” الأميركية في نيويورك، بمشاركات من آخرين بينهم إبراهيم الصَلَحي. * في العاشرة مساء يوم الأربعاء، 24 يوليوالماضي، وعلى شاشة BBC 2 البريطانية، كان الفنان وأعماله ومعرضه في “تيت مودرن” فقرة رئيسية من فقرات البرنامج الأسبوعي “العرض الثقافي” The C lt re Show. يشير الفنان إلى أن احتفاء المتحف البريطاني الحديث بأعماله جاء متأخراً وبعد تجاهل طويل. يأتي صوت المعلق البريطاني مؤكداً أن الفنان جاء بمعرضه وأعماله إلى المتحف قبل ما يقرب من 20 عاماً، ولم يلق الإهتمام الواجب. يتذكر إبراهيم الصَلَحي أول معرض له في الخرطوم قائلاً إن الناس جاءت واستمتعت بالمشروبات الخفيفة، ثم انصرفت ولم تعد. يمر الفنان بتجربة السجن مر الكرام مكتفياً بالإشارة إلى أن اليوم فيها كان بمثابة عام، وأن “أحدهم” همس إليه، بعد إطلاق سراحه، بأن النميري، الرئيس السوداني الأسبق، يريده وزيراً في الحكومة. وقد طلب الفنان مهلة للتفكير ولم يفكر، بل حمل حقيبته وطار إلى خارج الوطن. ميشاك جابا في معرض موازٍ في قاعة مجاورة لقاعات معرض إبراهيم الصَلَحي، وفي معرض موازٍ ضمن احتفاء “تيت مودرن”، ولأول مرة، بالفن الأفريقي المعاصر، يعرض ميشاك جابا Meschac Gaba، الفنان التشكيلي المولود عام 1961 في بنين، بغرب أفريقيا، أعماله متعددة الأشكال والتركيبات والتخصصات الفنية والفولكلورية. الأعمال حافلة، في مجملها، بالرموز الدينية والأيقونات الأفريقية المألوفة، وتغلب عليها. في معرض “جابا” تجد مساحة تستطيع فيها ترك أطفالك يلعبون حول قوالب ومكعبات عملاقة ملونة. ويمكنك أيضاً شراء بعض منتجاته الفنية لأعمال حرفية ومصنوعات يدوية، أو “تي شيرت” مطبوع عليها أيقونات ورسوم أفريقية، وغير ذلك من أعمال للبيع جنباً إلى جنب مع اللوحات القليلة، ومنها لوحة لشجرة خضراء تتدلى من أغصانها أوراق نقدية في إشارة إلى سيطرة الروح التجارية المادية على الحياة. ويلاحظ أدريان هاملتون، الناقد التشكيلي في صحيفة “الإندبندنت” البريطانية لمسة تجارية مسيطرة أيضاً على المعرض، دون إنكار لذلك الإحساس العام بالجمال، والحياة الأفريقية، الذي يشع من أعمال جابا، ويجعلك في قلب أفريقيا، وأنت في وسط شرق لندن، العاصمة البريطانية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©