الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فن التواصل

فن التواصل
7 أغسطس 2013 23:22
أحمد علي البحيري لكي يستطيع الإنسان أداء دوره الفعلي في الحياة الاجتماعية على أتم وجه وأكمل صورة، عليه الإحاطة ببعض قواعد السلوك، وآداب التواصل مع الآخرين مما يطلق عليه المعاصرون (فن الإتيكيت) الذي ينسبه البعض وللأسف للأوروبيين.. ويعتبرونه اصطلاحاً فرنسياً.. أي أن قواعد هذا الفن أو الأسلوب الحياتي هي وافدة علينا. ولكن العكس هو الصحيح، فكل آداب السلوك والخلق الرفيع، إنما هي وليدة حضارتنا ووحي شرعنا، بل في الشرائع الدينية المختلفة، وبخاصة شريعة القرآن الكريم، فقد تجسدت هذه الثقافة الاجتماعية الإنسانية في شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وفي جميع أشكاله وسلوكه، ولا غرابة في ذلك ولا عجب فقد كان خلق الرسول الكريم مستمداً من القرآن الكريم بكل عظمته ومحتواه الصالح لكل زمان ومكان. هي إذن ثقافة خاصة مرتبطة بروح الدين، لكنها في المستطرد ثقافة اجتماعية إنسانية ذات جذور حضارية يجب أن لا نغفلها أو نتناسى محتواها الأصيل. لقد علمنا محمد عليه الصلاة والسلام سائر الآداب السلوكية التي ترتبط بشتى جوانب الحياة: من تهنئة وتعزية، وعيادة وزيارة، وحل وترحال، معاملة الجار وطريقة احترامه، وآداب فن الحياة والتعايش مع الآخرين واحترام عقائدهم وثقافاتهم وتقاليدهم، وما إلى ذلك، مما تنطوي عليه حياتنا الاجتماعية والإنسانية على امتداد الأيام وتطاول السنين. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخلق، (بضم الخاء) وهو من أهم أركان السلوك الإنساني: “ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق وأن الله يبغض الفحش البذيء” (رواه الترمذي). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل عليه السلام عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، قال: “تقوى الله، وحسن الخلق”. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهمون” قالوا يا رسول قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهمون؟ قال: المتكبرون. معايير أخلاقية في آداب فن الحياة والتواصل مع الآخرين حث القرآن الكريم الناس على فعل الخير، ضمن معايير أخلاقية ومن ذلك قوله تعالى: “ولتكن منكم أمة، يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون”. وفي باب آخر من أبواب السلوك والتعامل مع المرأة، فقد وضع لها الإسلام شروطاً أهمها أن تكون في حدود الكياسة والأدب والتعابير اللبقة، والرفق، وإعطائها الفرصة الأولى في الكلام في مجالس الحديث.. إلى جانب مكانتها العالية التي وضعها الله فيها في المجتمع. قال الله تعالى في كتابه الكريم: “ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء، ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا، فإن الله كان غفوراً رحيماً”. لقد خصت حياة الإسلام الأطفال بمساحة كبيرة من الاهتمام من جانب الوالدين، سواء على صعيد التربية أو انتقاء الألفاظ للحوار معهم، حيث يلعب الأثر الأخلاقي والسلوكي والتربوي دوراً كبيراً في حياة أطفالنا وتشكيل ثقافتهم ومعارفهم، علينا أن ننتقي الأحاديث المناسبة لفئاتهم العمرية، بطريقة مهذبة، وأسلوب لائق، حتى لا يكونوا ضحايا لأحاديث وثقافات غريبة بعيدة عن روحنا وبيئتنا. لأن مخاطبة الطفل تتطلب البساطة والهدوء وجمال وقيمة المعلومة، وفي الحديث الشريف ما يوضح ذلك: “مروا أولادكم بالصلاة، وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع” (رواه أبو داوود). أليست هذه واحدة من أجمل ما وضعه (إتيكيت الإسلام) إذا جاز لنا التعبير في قاموس فن معاملة الأطفال؟ جيل الغد والمستقبل؟ الخطأ والاعتذار في آداب الاعتذار والعودة عن الخطأ، أوضح الإسلام أن العفو عند المقدرة، فهناك من يخطئ ، ومنا من يصيب، وعلى الطرف الآخر أن يعرف زمان ومكان عودته عن الخطأ الذي ارتكبه بحق غيره، إن استدراك الخطأ قبل فوات الأوان من شيم المؤمنين الصادقين، وهنا نستدل على ذلك بالحديث النبوي الشريف: “كلكم خطاؤون، وخير الخطائين التوابون”... إذاً فلكل عمل أجره، ولكل مجتهد نصيب.. والأخطاء التي نرتكبها بحق الآخرين مهما صغرت تبقى أخطاء، ومن اللائق أن يلي هذا الفعل اعتذار.. ويفضل أن يأتي الاعتذار سريعاً قبل أن يستفحل العداء والكراهية بين الطرفين.. علينا أن نمارس إنسانيتنا حتى في لحظة الاعتذار، عن الضرر الذي ألحقناه بغيرنا، ونستأنس بالآية الكريمة قال تعالى: “كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر”، وقال الله تعالى أيضاً في هذا الصدد: “لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس”. آداب الزيارة في آداب الزيارة، نعرف أن العرب ومنذ القدم اشتهروا بالكرم والجود وحسن الضيافة وإغاثة الملهوف، فمن منا لم يسمع عن كرم الخلفاء الراشدين، وبخاصة عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، ومن غير الخلفاء ذاع صيت عروة بن الورد وأبو الصعاليك وحاتم الطائي وغيرهم كثيرون. من الذوق والأدب في زيارتك أن لا تكون فضولياً، وأن لا تمس أي شيء من أثاث المنزل أو الغرفة التي أعدت لراحتك، واحفظ لسانك وعينيك.. وليكن هدفك من الزيارة واضحاً، لا سيما إذا قمت بزيارة مريض فعليك أن تتحلى بالخلق الديني في الإسهام بحديثك اللطيف مع المريض برفع معنوياته، والتخفيف عنه ما استطعت، ويطالعنا في هذا السياق الحديث النبوي الشريف: عن ابن عمر رضي الله عنهما إن رسول اله صلى اله عليه وسلم قال: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرج على مسلم كربة، فرج الله عنه بها كربة، من كرب يوم القيامة”. حقّ الجار لقد حث القرآن الكريم على حق الجار، واحترامه وتقديره وترسيخ جذور المودة والألفة والتسامح معه. قال الله تعالى في كتابه العزيز: “واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب، وابن السبيل وما ملكت أيمانكم”.. إن ما في أخلاق الرسول الكريم ما يدعونا إلى بناء روابط أخوية مع جيراننا، وعن عمر، وعائشة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه”.. ومن آداب الجوار أن نحيط الجار الجديد بهالة من الترحيب، وزيارته، وتقديم يد العون والنصح له. والحرص على حفظ أموره الشخصية بأمانة ونزاهة، ومراعاة مشاعره من الصخب والضوضاء، خاصة في مناسبات الحزن، ومن الحكمة واللباقة والأدب ألا نسيء الظن به، أو أن نسيء إلى سمعته وأن نكون المدافعين عنه في أي مجلس غاب عنه، ومن المعيب التنصت على أحاديث الجيران بغية الوقوف على أسرارهم ومعرفة خفايا حياتهم. آداب التحية والسلام التحية والسلام هما المرآة العاكسة لحقيقة النفس وبواطنها، ويستحب أن يقول المبتدئ بالسلام (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) ومن الأحاديث التي حثت على إشاعة السلام بين الناس: عن أبي إمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أولى الناس بالله، من بدأهم بالسلام” (رواه أبو داوود بإسناد جيد). فالتحية واجبة في المجتمع الواحد وبين الأهل والمعارف والجيران والأصدقاء. لكن للتحية أصول وقواعد وقد تعلمناها من أخلاق وسيرة الرسول الكريم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير”. ومن واجب الصغير أن يسلم على الكبير، والرجل على المرأة، والكبير يلاطف الصغير، ويسلم عليه، والأبناء على الآباء، والداخل إلى مكان يسلم على من فيه. وفي مجتمعاتنا الشرقية الحالية ظهرت (عادة التقبيل) في السلام، وهي من العادات غير المستحبة صحياً، ودينياً، وذلك ما نلمسه في الحديث النبوي الشريف: عن أنس رضي الله عنه قال: (قال: يا رسول الله، الرجل يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: لا، قال: أفيلزمه ويقبله؟ قال: نعم). نبذ الشائعات نعرف أن (الشائعات) الكاذبة هي حرب نفسية أشد أثراً على نفسية الإنسان من السلاح، والشائعة كما يحللها علماء النفس هي حالة مرضية لوضع صحي خال من الأمراض، وللفرد دور كبير في نمو وتضخيم ونقل الشائعة أو استئصالها من جذورها.. إذ كثيرا ما تبدأ صغيرة كالشرارة، فتصبح لهباً وكارثة وواقعاً مثل النار تحت الرماد، إذا حركتها اشتعلت من جديد، وإذا تركتها خمدت.. ومن الواجب وما تمليه علينا آدابنا وسلوكنا وأخلاقنا وقيمنا الإسلامية أن نعمل على قتل أي شائعة كاذبة مدمرة قبل أن تتوسع وتنمو.. وعلينا أيضاً محاسبة أنفسنا قبل نقل أي خبر نجهل مصدره والغاية منه، وبذلك نكون قد تحلينا بأخلاق وروح الإيمان وأسهمنا في إخماد نيران الفتنة، ولا أصدق على ذلك من قول الآية الكريمة: “ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد، كل أولئك كان عنه مسئولًا” وقال ميخائيل نعيمة: “جميل اللسان الذي يتعفف عن الكذب والبذاءة والنميمة، وقبيح اللسان الكذوب، والنمام، وذلك نعمة لصاحبه وللناس وهذه نقمة”. لقد تناولت شريعتنا الإسلامية جميع جوانب الحياة، وخصتها بالرعاية وإحاطتها من جميع خصائصها بما يتناسب مع كل الظروف والأوقات، ومن بين هذه الجوانب الآداب المتعلقة بالسفر، من ضرورة مرافقة المسافر، والتخفيف عنه، وتوديعه بطريقة مثلى تظهر النواحي الجوهرية والإنسانية، وقد تناول الحديث النبوي الشريف هذه الناحية من جانب الأجر والثواب والدعاء.. عن ابن أنس رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “يا رسول الله إني أريد سفراً فزودني، فقال: زودك الله بالتقوى، قال: زودني، قال: وغفر لك ذنبك، قال زودني، قال: ويسر لك الخير حيثما كنت” (رواه الترمذي حديث حسن). وعن السفر فقد يكون للعلاج أو الدراسة أو العمل، أو لزيارة البيت العتيق (الحج)، وهو دعوة إلهية مباركة القصد منها إتمام فريضة كفاية على كل مسلم يتوافر فيه هذا الشرط، وجوهر هذه الدعوة المباركة هي غسل المسلم مما يعلق به من الخطايا والذنوب في مشواره مع الحياة، ويفسد هذا الشرط. الكلمة الطيبة لقد أجمع علماء الاجتماع والتربية الحديثة أن من القواعد المهمة في آداب الحياة (الكلمة الطيبة) المنتقاة بعناية شديدة (من لانت كلمته وجبت محبته)، ومن كلام الماوردي (ت 450 هـ/ 1058م): “لسانك ميزانك فاحفظه من رجحان أو نقصان”، ومما جاء من آيات كريمة في القرآن الكريم وفيها وصف الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها.. وفي قوله تعالى يأمر موسى وهارون عليهما السلام في قوله: “اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى”.. وفي قوله في الحث على المعاملة الحسنة والكلمة الطيبة: “ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم”.. وما أجمل الكلمة الطيبة حينما تكون مقرونة بابتسامة مشرقة دافئة حنونة، لاسيما في زيارة المرضى، وعيادتهم في المستشفيات ودور الصحة والنقاهة والمسنين (العجزة) فربما كلمة حلوة فعلت في نفس المريض ما لا يفعله العلاج والطب والأدوية وغيرها من وسائل الطب الحديث.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©