الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«لوبي» الإخوان الأميركي

«لوبي» الإخوان الأميركي
7 أغسطس 2013 23:23
في 11 سبتمبر 2011 كتب إيان جونسون مقالا في صحيفة “وول ستريت جورنال” دعا فيه وكالة المخابرات المركزية الأميركية الى رفع السرية عن الملف أو الأرشيف السري لجماعة الإخوان المسلمين في مصر لديها، وكانت حجته ان من الواجب كشف أسرار هذه الجماعة وعلاقتها مع الولايات المتحدة، وكان الرد الذي تلقاه جونسون من الوكالة ان كشف هذا الأرشيف سوف يكون مدمرا للجماعة في مصر. الواقعة يوردها بالتفاصيل الكاملة عبدالعظيم حماد رئيس تحرير “الأهرام” الأسبق في كتابه الذي صدر مؤخرا حول قصة الارتباط بين اميركا والاخوان بعنوان “الوحي الأميركي”. الخطوة الأولى يتتبع الكاتب نشأة العلاقة بين جماعة الاخوان والولايات المتحدة منذ الأربعينيات من القرن الماضي، حيث أشار هيرمان إيلتس السفير الأميركي في مصر زمن الرئيس السادات في جلسة استماع بالكونجرس في أعقاب 11 سبتمبر 2001 الى ان الشيخ حسن البنا مؤسس الجماعة ارتبط بعلاقات مع السفارة الأميركية بالقاهرة، وكان إيلتس وقتها دبلوماسيا في القنصلية الأميركية بجدة في المملكة العربية السعودية، والتقى البنا هناك وهو في طريقه الى الحج وتحدث معه وسمع منه حديثا إيجابيا ووديا عن الولايات المتحدة، على ان العلاقة صارت واضحة وفي العلن منذ عام 1953 حين استقبل الرئيس الأميركي في البيت الابيض سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا وتباحث معه في العلاقة بين الجماعة والولايات المتحدة. سعيد رمضان غادر مصر نهائيا اثناء صدام الجماعة مع الرئيس عبدالناصر وأقام في جنيف وأسس من هناك لوجود الاخوان في المهجر. كان الاستقبال بناء على توصية من السفير الأميركي العتيد في القاهرة مستر كافري في تلك السنوات، وهو ان التعاون بين الجماعة والولايات المتحدة يقوم على أمرين مهمين: الاول أن تلعب الجماعة دورا في مواجهة المد الشيوعي المتزايد في المنطقة، خاصة في مصر وسوريا ولبنان والعراق فضلا عن السودان، وان تقاوم الجماعة النفوذ السوفييتي في المنطقة. وقد لعبت الجماعة هذا الدور بامتياز، فقد ملأت دعاياتهم بلاد المنطقة ان الوجود السوفييتي سوف يدمر الاسلام وان الأفكار الشيوعية مدمرة للدين عموما وللاسلام تحديدا. الأمر الثاني ان تقوم الجماعة بمناوأة الأنظمة القومية والوطنية المتطرفة في المنطقة، مثل نظام وشخصية الزعيم جمال عبدالناصر في مصر، لأن الافكار الوطنية والقومية معادية للوجود الاسرائيلي في فلسطين، فضلا عن عداء مثل هذه الانظمة للغرب عموما، والولايات المتحدة تحديدا. يركز الكاتب على ما يطلق عليه اللوبي الاخواني في دول الغرب في بريطانيا والمانيا واميركا تحديدا أو الإخوان في المهجر، وهؤلاء عبر مراكز الأبحاث المنتشرة في اوروبا خاصة التابعة للحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة قاموا بجهد للتنسيق بين الجماعة والولايات المتحدة، وكان هدفهم الأول ان تنظر أميركا الى الجماعة باعتبارها تمثل الاسلام المعتدل في مواجهة الاسلام المتشدد الذي يمثله تنظيم القاعدة واسامة بن لادن، وان هؤلاء المعتدلين يقبلون بقواعد اللعبة الاميركية اي يحترمون الاقليات وحقوق المرأة ويؤمنون بحقوق الانسان وتداول السلطة، ثم دخلوا في مرحلة أخرى وهي ان الجماعة تقبل بوجود اسرائيل وتحترم اتفاقية السلام التي وقعها الرئيس الراحل السادات مع اسرائيل. وبدأ ذلك منذ النصف الثاني من الثمانينيات من القرن الماضي. ويذهب عبدالعظيم حماد الى ان الجماعة في مصر اطاحت بمرشدها العام محمد مهدي عاكف، لأن الرجل كان يطلق تصريحات على سجيته وفيها هجوم حاد على اسرائيل والولايات المتحدة، وكان هجومه ذلك يعرقل مشروع التقارب مع الولايات المتحدة. اتفاق كامل وفتح دخول أعضاء الجماعة الى البرلمان المصري منذ عام 1984 الباب للتعامل المباشر بين أعضاء الجماعة في البرلمان والسفارة الأميركية في القاهرة والزائرين الاميركيين الى مصر، وقد سار التعاون شوطا بعيدا في السنوات الأخيرة لحكم الرئيس حسني مبارك، وبدأت مراكز البحث وصنع القرار في الولايات المتحدة تخطط لإحلال الإخوان محل مبارك الذي كان واضحا انه مصمم على توريث السلطة لنجله في ظل رفض شعبي عام ورفض مؤسسات الدولة مثل الجيش. يرصد الكاتب ان الاتفاق والتفاهم تم بين الجماعة والولايات المتحدة على كل شيء، وبقيت النقطة المتعلقة بإسرائيل وكان اعضاء الجماعة يتجنبون الخوض في هذه المسألة مباشرة ويقدمون إجابات مائعة، ولما حان الحين جاء كارتر الى مصر ليسمع من مكتب الإرشاد الرأي النهائي بالنسبة لإسرائيل وقالوا له ما اراده بالضبط، احترام معاهدة السلام وعدم مناقشتها وعدم تشجيع حماس على مهاجمة اسرائيل، وتركت الولايات المتحدة للجماعة هامشا من المناورة في هذا الجانب على مستوى التصريحات أمام الرأي العام، مثل القول انه سيتم طرح المعاهدة للاستفتاء العام أو انه ستتم اعادة النقاش حول بعض البنود الأمنية شريطة أن يكون ذلك على مستوى التصريحات فقط. ولما تولى الدكتور محمد مرسي السلطة فاجأ الاسرائيليين أنفسهم بما لم يتوقعوه، لم يقترب نهائيا من هذا الموضوع وسارع الى إرسال سفير مصري جديد لاسرائيل، وقام اثناء عملية “الرصاص المصبوب”، التي شنها الإسرائيليون ضد قطاع غزة، بما لم يقم به حسني مبارك طوال ثلاثين عاما، حيث ضغط على حماس للقبول بالشروط الاسرائيلية من دون ان تدخل اسرائيل في معارك برية وهو اكثر ما يقلق الجيش الاسرائيلي. ويذكر الكاتب ان الاتفاق مع الجماعة تم من وراء ظهر الكونجرس، وان الجمهوريين هناك توجسوا من وصول الإخوان الى السلطة في مصر وعدد من بلاد المنطقة، لذا فإن قبول الادارة الاميركية بالإخوان كان قبولا تجريبيا أي وضعهم تحت الاختبار للتأكد من نواياهم وافعالهم ولم يكن قبولا نهائيا ومطلقا. الكتاب غني ومليء بالكثير من التفاصيل والوقائع الموثقة، كثير منها محزن خاصة حين يقارن بين اللوبي اليهودي في اميركا ولوبي الجماعة هناك ودور كل منهما، اللوبي اليهودي يقيم دولة قوية ولوبي الجماعة يعمل على هدم دول وتدمير مجتمعات بأكملها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©