الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مواجهة العصابة بالخطابة.. والطبلة والربابة!

مواجهة العصابة بالخطابة.. والطبلة والربابة!
26 أغسطس 2014 23:22
محمد أبو كريشة كاتب صحفي الحديث عن المواجهة الفكرية والدبلوماسية وحتى الاقتصادية للإرهاب ليس سوى لعب في الوقت الضائع - الوقت الأصلي للمباراة مع الإرهاب انتهى، وما زلنا نلعب بطريقة دفاعية عقيمة رغم أن الأهداف الإرهابية تتوالى وتدك مرمانا، ونحاول تقليل عدد الأهداف في مرمانا، لكننا لا نسعى إلى الهجوم وإحراز أهداف، وعجبت للمهزوم الذي يلعب بطريقة دفاعية لم تمنع إمطار مرماه بالأهداف الإرهابية. عندما تتكلَّم البندقية يصبح من العبث الحديث عن مواجهات فكرية أو مناظرات فقهية أو حلول دبلوماسية. يصبح من البلاهة الحديث عن مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب أو استراتيجيات طويلة المدى، كما قال الرئيس الأميركي باراك أوباما - فقد علمتنا التجارب المرَّة في هذه المنطقة أن الكلام عن خطة يعني عدم وجود خطة، وأن الكلام عن مخطط يعني عدم وجود مخطط سوى الحمار الوحشي. وأن إحالة أي قضية أو موضوع إلى لجنة رئيسية أو فرعية أو منبثقة تعني قبر القضية ودفنها حيّة حتى ينسى الناس الأمر برمته. فهناك رهان يكسبونه دائماً على أننا ضعاف الذاكرة وسرعان ما ننسى - تعلمنا أن لجان تقصي الحقائق تعني طمس الحقائق ووأدها، وأن اللجان والخطط والاستراتيجيات ليست سوى مقابر للقضايا. وليست سوى وسيلة لإعطاء مكافآت لرؤساء وأعضاء تلك اللجان. وإن تعجب فعجب أمرنا كله.. يندلع الحريق ويلتهم كل شيء والعرب مشغولون بتشكيل لجان وعقد مؤتمرات لبحث سبل إطفاء الحريق - ويحتدم الخلاف في اللجان والمؤتمرات، فيتم تشكيل لجان أخرى لتقريب وجهات النظر، هذا إذا كان هناك نظر أصلاً. وتتنقل النار من منزل إلى منزل حتى تصل إلى مقر المؤتمر أو اللجنة فتحرقه بمن فيه، وهناك مثل عربي أرفضه تماماً يقول: أن تصل متأخراً أفضل من ألا تصل على الإطلاق. والحق أن العكس هو الصحيح وهو أن نقول: (ألا تصل على الإطلاق أفضل من أن تصل متأخراً) - إذا أيقن المرء أنه سوف يصل متأخراً وبعد فوات الأوان فخير له أن يلغي الرحلة وألا يذهب من الأساس، فلن يجني من رحلة الوصول بعد فوات الأوان سوى العناء والمشقة والندم حين لا ينفع الندم. ونحن أدمنا الوصول متأخرين، بعد أن تقطع جهيزة قول كل خطيب منا. والإرهاب هو جهيزة التي قطعت قول كل خطيب عربي على منبر أو في ندوة أو في مؤتمر أو عبر الفضائيات. وجهيزة الإرهابية لم تقطع فقط قول كل خطيب بل ذبحت قول كل خطيب. الآن كما قال الشاعر الراحل نزار قبّاني: مالحة في عيوننا القصائد.. مالحة ضفائر النساء.. والليل والأستار والمقاعد.. مالحة أمامنا الأشياء.. كان نزار وما زال كثيرون مثله يبكون وطنهم العربي الكبير، فقد قال نزار: يا وطني الحزين.. حولتني من شاعر يكتب شعر الحب والحنين.. إلى شاعر يكتب بالسكين. فلا مجال لمواجهة الإرهاب بالكتابة بالقلم، ولكن المواجهة لا بد أن تكون بالسكين، نفس السكين والآلات الحادة التي يستخدمها الإرهابيون في ذبح الناس على الهواء مباشرة. المحايدون في مواجهة الإرهاب الآن خونة وعملاء، والساكتون شياطين خرساء. خسرنا حروباً كثيرة - ونحن على وشك خسارة الحرب ضد الإرهاب، لأننا كما قال الراحل نزار قباني: إذا خسرنا الحرب لا غرابة، لأننا ندخلها بمنطق الطبلة والربابة، إذا خسرنا الحرب لا غرابة لأننا ندخلها بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابة. نحن نقول والإرهابيون يفعلون، والغلبة للفاعل وليست للقائل، والإرهاب هو الفاعل ونحن المفعول بهم، ما زلنا نتحدث عن أسباب اندلاع الحريق، بينما النار تلتهم الأخضر واليابس، ما زلنا نتحدث عن البيئة الحاضنة وأسباب نمو الظاهرة الإرهابية، والتربية والتنشئة ونظم التعليم والفقر، ونسأل سؤال البلهاء عن كيفية الوقاية من المرض، أيها البلهاء، المرض ينخر العظام ويجري في الدم والورم ينتشر وأنتم تتساءلون عن سبل الوقاية كأن المرض لم يأت بعد! حَسَم الإرهاب أمره، واختار المواجهة المفتوحة بلا سقف ولا حدود. وما زال العرب يفكرون في ندوة أو مواجهة فكرية أو فقهية أو نصح وإرشاد للإرهابيين. والإرهاب يكسب أرضاً كل يوم ويربح الآلاف من المؤيدين والمتعاطفين كل لحظة. ليس لأنه على حق، ولكن لأن الناس مع الأقوى. الناس مع الفاعل وليسوا مع المفعول به، الناس يرون بسذاجة العامة أن الله تعالى مع الإرهابيين لذلك ينصرهم ويخذل من يحاول مواجهتهم، السذج في أمتنا وما أكثرهم يرون أن المعركة الحالية في العراق والشام هي معركة نهاية العالم ولابد من الانضمام إليها والتوافد على الأرض المباركة للمشاركة في معركة الحسم.. ويرون أن عجز الدول عن مواجهة الإرهاب خذلان من الله سبحانه وتعالى للباطل ونصر للحق الذي هو الإرهاب في رأيهم. نعم لا توجد الآن مواجهات فكرية أو فقهية أو دبلوماسية للإرهاب. لقد سكت الكلام تماماً ولم يعد من سبيل إلا المواجهة الأمنية والعسكرية. فهؤلاء الإرهابيون لو نزلت إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشر الله عليهم كل شيء قبلاً ما كانوا ليرجعوا عمّا هم فيه. والطريق إلى رؤوس هؤلاء مسدود، والكلمة اليوم ليست للعلماء ولا للفقهاء ولكن الكلمة للأمن والحديد والنار. الإرهاب يضربنا في مقتل ونحن نحاوره ونداهنه ونربت على كتفيه وننصح له، ولا بد أن نعي أن الإرهابيين لا يحبون الناصحين. البحث عن أسباب الإرهاب والتطرف بحث عقيم وعبثي يشبه تماماً البحث عن قطة سوداء لا وجود لها في غرفة مظلمة. والباحث عن أسباب الإرهاب يجد نفسه وهو يدري أو لا يدري باحثاً عن مبررات للإرهاب، هو يبرره ويلتمس له العذر حين يتحدث عن البيئة الحاضنة والأنظمة القمعية والالتهاب الطائفي والمذهبي والعرقي.. وعندما يسمع الناس ذلك يتعاطفون أكثر مع الإرهاب ويرونه مبرراً. نحن مصممون على أن نصحو متأخرين، وعلى أن نصل بعد فوات الأوان. لنبحث عن أسباب الداء والقطة السوداء. ثم نواجه عصابة الإرهاب بالخطابة والطبلة والربابة!!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©