الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دراسة سيسيولوجية وقاموس تراثي

دراسة سيسيولوجية وقاموس تراثي
7 أغسطس 2013 23:24
د. أحمد عبدالملك في آخر الإصدارات الروائية للدكتور عبدالله المدني “مذكرات حاوية مخلفات” يأخذنا المؤلف على مدى 222 صفحة إلى شكل مبهر من السرد الذي يكشف لنا مراحل من تاريخ مملكة البحرين وجغرافية الأمكنة وأحاديث الناس، عبر مذكرات لحاوية مخلفات تنقلها الشركة من حي لآخر ومن مدينة لأخرى، كي تصور لنا نبض الحياة وصور الفرح والألم، السعادة والمعاناة، على مدى عشرين عاماً قضتها الحاوية في الخدمة. 14 محطة أو منطقة عاشت فيها الحاوية تسترق السمع إلى من يمر بمحاذاتها، أو تشتم من يبصق عليها، أو تتأفف من الروائح الكريهة التي تصدر عما يُلقى بداخلها من مخلفات، أو تحقد على من يصدمها من السائقين الباحثين عن موقف لسياراتهم. وفي كل محطة يخبرنا المؤلف عن تاريخ المحطة أو المكان بأسلوب رشيق ومختصر، كما يغوص في تاريخ المنطقة والشخوص التي سكنتها وأنماط حياتهم. في المحطة السادسة (شارع باب البحرين) وهي منطقة تجارية يخبرنا المؤلف عن اسم واضع تصميم البوابة وهو المستشار البريطاني (تشالز بلغريف) عام 1949 في عهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين آنذاك، وكيف أن الحاوية تستمتع بوجوه وأجساد السائحات الأوروبيات، كما تنقل لنا جغرافية المكان وأنواع البضائع التي تباع فيه، كما تصف لنا (الفرجان) الأحياء المحيطة بشارع باب البحرين، نوعية البشر، تصرفاتهم، أنواع الأطعمة والمشروبات التي يتناولها الشباب الذي يهوى المعاكسة في ذلك الشارع الذي كان حديثاً مقارنة بالشوارع الأخرى. يتحدث المؤلف عن تاريخ دخول السينما إلى البحرين عام 1937 وعن اللهجات الأعجمية التي دخلت على اللهجة العربية المحليةـ بأسلوب كوميدي ـ كأن يعلق على كتابة اللافتات الخاصة بالمحال التجارية، مثلاً: (محل تسليح الساعات) والمقصود (محل تصليح الساعات)، أو (يوجد لدينا مكان خاص للصيدات) والمقصود (لدينا مكان خاص للسيدات) ـ أما السيدات فتعني معنى آخر مشوق لدى الباحثين عن المتعة. وكذلك (يوجد لدينا طعام الخضرواتيين) والمقصود (النباتيين). وينقل لنا المؤلف ـ على لسان الحاوية ـ حكايات أصحاب المهن من خبازين وأصحاب مقاهٍ وسائقين، وذكرياتهم، وشقاوة الشباب مع بعضهم من الذين لا يتقنون اللغة السليمة ممن هاجروا من فارس قديماً واستوطنوا البحرين. كما ينقل على لسان هؤلاء تبدّل أنماط الحياة، كأن تختفي الفتاة الجميلة من أمام الخباز وتحل محلها الخادمة الفلبينية أو السيريلانيكية أو الهندية. كما ينقل لنا تبدل أنماط الإقبال على الأطعمة، كالتحول من النخي (الحمص) والباجلة (الفول) إلى شطائر الجبنة وغيرها، كما تحدثنا الحاوية عن العادات والتقاليد والمأثورات الشعبية مثل (القرقاعون) وهي مناسبة سنوية يحتفل الأطفال بها ليلة منتصف رمضان، حيث يمرون على البيوت يرددون الأهازيج لقاء الحلوى والمكسرات. ولا يفوت المؤلف أن يعرج على موقف بعض رجال الدين المتشددين الذي يربطون هذه المناسبة التراثية بمناسبة (الهالووين) الغربية. في المحطة الثامنة (سنابس) ينتقل المؤلف إلى الأحداث المؤسفة التي وقعت في مملكة البحرين ـ كون هذه المنطقة تسكنها الطائفة الشيعية الكريمة ـ وبعد أن يتحفنا المؤلف ببيان عن تاريخ وأصل تسمية القرى المحيطة بـ(سنابس)، وحالة الوئام بين أطياف المجتمع البحريني سابقاً على إثر تصويت الشعب على ميثاق العمل الوطني عام 2001، ينقلنا إلى بدايات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن، حتى يوم 14 فبراير عام 2011 حيث الاعتصام في ميدان مجلس التعاون المعروف بـ(دوار اللؤلو) بالمنامة للمطالبة بـ”إصلاح النظام” من قبل رجال دين وشباب ونسوة ومراهقين وأطفال من الطائفة الشيعية، حتى تطورت الأحداث بشكل دراماتيكي، حيث دخلت الحاوية ـ بصورة فنية ـ داخل المواجهات لتكون سداً أو متراساً للمتظاهرين رواية ذات شكل فني جميل وبسيط، ودراسة سيسيولوجية عن المجتمع البحريني، وقاموس تراثي، ودعوة إلى مجتمع واحد متوحد ومتحاب، ورحلة في عمق التاريخ، ومشاهد تلفزيونية عن أشكال الحياة في مدن البحرين وأزقتها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©