الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

آهات زمان الوصل

آهات زمان الوصل
7 أغسطس 2013 23:24
جادك الغيث إذا الغيث هما يا زمان الوصل بالأندلسِ لم يكن وصلك إلا حلما في الكرى أو خلسة المختلس هذان البيتان من الشعر، يجريان على كل لسان يتذوق الشعر العربي ويطرب له. ولكنهما أيضاً لا يذكران على أي لسان إلا وسرت ذكرى المجد العربي في الأندلس، الفردوس المفقود والمجد المنيع لهذه الأمة التي مزقتها الخلافات وأضعف بأسها حكام الطوائف. من هو قائل هذين البيتين؟ ولا شك أن شهرة قائلهما، لا تقلاّن عنهما، وهو الشاعر لسان الدين بن الخطيب.. وهو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد ابن الخطيب. تقول عنه المراجع: إنه شاعر وكاتب ومؤرخ وطبيب وسياسي من الأندلس. ولد لسان الدين الخطيب في مدينة فاس (المغرب) في رجب عام 713 هـ، الموافق لسنة 1313 ميلادية. درس لسان الدين بن الخطيب الأدب والطب والفلسفة في جامعة القرويين بفاس. ورغم أنه فاسي المولد والنشأة والثقافة إلا أنه عاش معظم أيام حياته في الأندلس، وبالتحديد في غرناطة وعاملاً مع الأسرة الحاكمة فيها، وهي أسرة بني نصر، وعرف لسان الدين الخطيب بلقب ذي الوزارتين.. والوزارتان هما وزارة السيف ووزارة القلم. وإذا كان لسان الدين بن الخطيب قد ولد في فاس سنة 713 هـ، إلا أن أسرته بعد ولادته بزمن قصير انتقلت من فاس إلى غرناطة في الأندلس ليعمل والده في خدمة السلطان أبي الحجاج يوسف. وفي غرناطة درس لسان الدين بن الخطيب الطب والفلسفة والشريعة والأدب.. وفي عام 741 هـ قتل والده في معركة طريف، وكان في الثامنة والعشرين من عمره ويعمل مترجماً، فحل محل أبيه في أمانة السر للوزير أبي الحسن بن الجيّان. وتشاء الأقدار أن يصاب الوزير أبو الحسن بمرض الطاعون القاتل، فتولى لسان الدين الخطيب منصب الوزير في عام 755 هـ، وبعد مقتل السلطان أبي الحجاج يوسف انتقل حكم الملك إلى ولده الغني بالله محمد، واستمر لسان الدين بن الخطيب وزيراً وكانت الوزارة برئاسة الحاجب رضوان. في سنة 760 هـ قتل الحاجب رضوان وأقصي السلطان الغني بالله وانتقل إلى المغرب وتبعه إلى هناك لسان الدين بن الخطيب. وبعد عامين، استعاد الغني بالله ملكه وأعاد ابن الخطيب إلى منصبه. تقول المراجع: إن الذين كانوا يحسدون ابن الخطيب على المجد الذي تحقق له بعودته المنتصرة مع السلطان المنتصر وعودة الوزارة إليه وتوهج أدبه وشعره وانتشار صيته في الأقطار، هؤلاء الحاسدون تمكنوا من الإيقاع بينه وبين السلطان. وعندما يغضب السلطان فإن العاقبة تكون وخيمة، ولم يشفع لابن الخطيب، خدمته المخلصة وشعره وأدبه ومؤلفاته القيمة والتي زادت عن الستين كتاباً. وبكل بساطة قام السلطان بنفيه إلى المغرب، حيث مات قتلاً سنة 776 هجرية. وكان في طليعة أولئك الحاسدين الحاقدين ابن زمرك. من أهم مؤلفات لسان الدين بن الخطيب. 1 - الإحاطة في أخبار غرناطة. 2 - الملحمة البدرية في الدولة النصرية. 3 - معاير الاختيار في معاهد الاختبار. 4 - مشاهدات لسان الدين بن الخطيب في المغرب والأندلس. وإذا كان الغني بالله قد نفى لسان الدين الخطيب وتخلّى عنه متأثراً بكلام وزيره ابن زمرك، إلا أن الرجل كان مرحباً به لدى سلطان المغرب يعقوب بن عبد الحق المريني.. الذي أكرمه وأقطعه الأراضي ووفر له كل سبل العيش الكريمة. ولما تولى المغرب السلطان المستنصر أحمد بن إبراهيم وساعده في ذلك الملك الغرناطي الغني بالله كان الثمن الذي طلبه على تلك المساعدة تسليم ابن الخطيب له، وإعادته إليه في غرناطة. وكأن السلطان الغني بالله شعر بالخطأ لقيامه بنفي ذلك الأديب والشاعر وكان من الأفضل التخلص منه بقتله حسب رأي وزيره ابن زمرك، فها هو بدلاً من أن يذل ويصبح معدماً، يتبوأ أعلى مكانة لدى سلطان المغرب ويصبح أغنى مما كان عليه في غرناطة. أرسل السلطان الغرناطي وزيره ابن زمرك إلى فاس ليطلب ثمن مساعدة ملك غرناطة له.. والثمن هو رأس لسان الدين بن الخطيب.. ? ولكن لماذا؟ ?? لأن لسان الدين الخطيب زنديق يسلك مذابه الفلاسفة. ? إذن لنحاكمه. ? ? نحن نحاكمه ونخلصكم منه.. أرسلوه معي إلى غرناطة. ? لا يجوز... سنحاكمه ونحقق طلب السلطان الغني بالله. وهذا ما حدث.. وكانت المحاكمة الغيابية الشهيرة في غرناطة التي طلب فيها بعض الفقهاء بقتله.. ولكن لم يكن هناك ما يدينه وقام بعض الأرذال (البلطجية) المرافقين لابن زمرك بالتسلل إلى سجنه ليلاً وقاموا بخنقه.. دفن لسان الدين الخطيب في مقبرة باب المحروق بفاس.. ولكنه ظل حيّاً وسيبقى بما قدمه من دراسات ومن شعر. كان لسان الدين الخطيب شاعراً غنائياً، رقيق المشاعر متمكناً من لغته، قادراً على النفاذ إلى القلوب بصوره الشعرية المحكمة... اصغ إليه وهو ينشد ويقول: وسواسُ حليكِ أم هم الرقباءُ للقلب نحوَ حديثهم إصغاءُ ووميضُ ثغركِ أم تألّق بارقٍ وشهابُ شنفك ذا أم الجوزاءُ يا بانةٌ ورقُ الشبابِ ظلالُها وكأنَّ قلبي بينها ورقاءُ يا بدْرَ تمٍّ يهتدي بضيائه ساري الفلاةِ وليلتي ليلاءُ أشكوك أم أشكو إليك صبابَتي أنتِ الدواءُ ومنك كان الداءُ مالجَّ داءٌ أو تفاقمَ مُعضلٌ إلا وفي يُمنى يديهِ شِفاءُ صحيح أن ذلك الغزل كان مقدمة قصيدة مادحة، ولكنه في النهاية تجسيد لمشاعر شاعر رقيق.. لنسمعه وهو يقول: إن كنت تنكر ما تكنُّ ضلوعي من لاعجٍ فاسأل شهود دموعيِ لهفي على عهدٍ بمنعرج الحمى مغنى السرور وأنسي المجموعِ قالوا متى ظعن الذين تخلفوا نار الجوى بفؤادك المصدوعِ فأجبتهم شدوا الركائب موهناً وتحملوا الأقمار تحت هزيع وسروا فكان النومُ شهر محرمٍ ومواطن الأجفان شهر ربيع يا ملبسي ثوب السقام وتاركي بين الأوام وبين حرِّ ضلوع عامل بما عودت من لطفٍ ومن رحمى ولا تنظر لسوء صنيعِ واعطف عليَّ وجد بأيسر نائلٍ ما قلَّ يكثر منك عند قنوعِ ولكن أشهر قصائد لسان الدين بن الخطيب كانت تلك القصيدة التي أشرنا إليها في مقدمة هذه الحلقة والتي ترجع من يصغي إليها ملقاة أو منشدة إلى عهد الأندلس الزاهر.. وهذه هي القصيدة: جادك الغيث إذا الغيث هما يا زمان الوصل بالأندلسِ لم يكن وصلك إلا حلما في الكرى أو خلسة المختلس إذ يقود الدهر أشتات المنى ننقل الخطو على ما يرسمُ زُفَراً بين فُرادى وثُنى مثلما يدعو الوفودَ الموسمُ والحيا قد جلل الروض سنا فثغور الزهر فيه تبسمُ وروى النعمانُ عن ماء السماء كيف يروي مالك عن أنسِ فكساه الحسن ثوباً مُعْلماً يزدهي منه بأبهى ملبسِ في ليالٍ كتمت سر الهوى بالدجى لولا شموس الغررِ مال نجمُ الكأس فيها وهوى مستقيم السير سعد الأثر وطرٌ ما فيه من عيب ٍ سوى أنه مرَّ كلمح البصر حين لذّ الأنس مع حلو اللمى هجم الصبح هجوم الحرسِ غارت الشهب بنا أو ربما أثرت فينا عيون النرجسِ أيٌّ شيٍ لامريءٍ قد خلصا فيكون الروض قد مَكِّنَ فيهْ تنهب الأزهار فيه الفُرصا أمِنت من مكره ما تتقيهْ فإذا الماء تناجى والحصى وخلا كل خليلٍ بأخيهْ تُبصر الورد غيوراً بَرما يكتسي من غيظه ما يكتسي وترى الآس لبيباً فِهما يسرق السمع بأذني فرسِ يا أهيل الحيّ من وادي الغضا وبقلبي مسكنٌ أنتم بهِ ضاق عن وجدي بكم رحب الفضا لا أبالي شرقُهُ من غربهِ المراجع والمصادر: 1 - ديوان لسان الدين بن الخطيب/ تحقيق محمد فتاح بلغزواني 2 - بلاغة العرب في الأندلس/ أحمد ضيف
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©