الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الهجوم» تحت الهجوم

«الهجوم» تحت الهجوم
7 أغسطس 2013 23:29
يعيش الوسط الثقافي البيروتي حالياً حالة من الجدل، بعد صدور قرار من جانب الأمن العام اللبناني بمنع عرض فيلم المخرج زياد دويري بعنوان “الهجوم”، في صالات العرض اللبنانية، بموجب قانون شرّع عام 1955 يمنع كافة أنوع الاتصال مع إسرائيل والاسرائيليين. فهل لفيلم الهجوم الذي لن يراه اللبنانيون في بلدهم، علاقة بهذا القانون؟ الفيلم ما زال حتى اللحظة يواجه جدلا ورفضا وحواراً يحمل إشكالياته، وبخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يواجه دويري صاحب فيلم “بيروت الغربية” انتقادات لاذعة بسبب فكرة فيلمه، وطاقمه الفني، ومكان تصويره. فيلم “الهجوم” من تأليف المخرج نفسه، وتبدأ أحداثه بعد تفجير انتحاري في إسرائيل، قد يتجاوز حدوده، سواء بالنسبة للقانون اللبناني بوجه خاص، أو بالنسبة للمتفرج العربي بوجه عام، فقد صوّرت أجزاء كبيرة منه داخل إسرائيل، وبمشاركة عدد من الممثلين والممثلات الاسرائيليين، يتحدثون باللغة العبرية، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر يوري جافرييل ويقوم بدور محقق شرطة حليق الرأس، قاس القلب، جنبا إلى جنب مع ممثلين عرب (من فلسطين)، ينطقون باللغة العربية، ومنهم كريم صلح وعلي سليمان ورمزي مقدسي، وجويل توما. وكان أول الغيث في الهجوم على “الهجوم” إدانة الجامعة العربية له، في إطار المقاطعة العربية لكل منتج إسرائيلي، أو له علاقة بالدولة العبرية. أما مضمون الفيلم، فتصور أحداثه مشاعر صادمة لطبيب جراح عربي/ إسرائيلي من تل أبيب كان يعيش ويعمل بشكل ناجح في “إسرائيل”، بعد قيام زوجته بالانتحار في إحدى المدن الاسرائيلية، ما يترتب عليه إعادة حساباته والتفكير جديا في مسيرة حياته الخاصة، حيث يكتشف أنه كان يعيش مع زوجة لها تفكيرها الخاص، وقضيتها الخاصة، بل ومشروعها الخاص في مواجهة الاحتلال، في إطار الحكمة التي تقول (ينام اثنان على فراش واحد، ولكل منهما حلم مختلف). الفيلم مقتبس عن رواية الكاتب الجزائري ياسمينية خضرا المعادي للعروبة والإسلام والمنخرط في علاقات تطبيعية مع إسرائيال، وهو وإنتاج فرنسي، وقد منع عرضه بحسب مكتب المقاطعة في جامعة الدول العربية في كافة أرجاء الوطن العربي بما في ذلك المهرجانات السينمائية. في مواجهة مشروع مقاطعة الفيلم عربيا، يرى بعض ممثليه، أنهم أنجزوا عملا سينمائيا مهما، يجمع الإسرائيليين والفلسطينيين في حوار ثقافي، حيث يمكن كما يعتقدون إمكانية أن يتحدث (الخصوم) مرتفعين بذلك على حاجز مشكلات السياسة والسياسيين، ونحن نعلم أنه مع تقدّم وتطور ثورة المعلومات، وجهود سينما الانترنت، إنّه ستتمكن نسخ من الفيلم من أن تشق طريقها إلى الجمهور العربي، رغم المقاطعة الاقتصادية العربية، ولكن ليس هذا هو الأمر المهم، فيما يتعلق بهذا العمل السينمائي بقدر ما يمكن دراسته والتأشير له من مغزى أن يقوم مخرج عربي بتولّي مهمة إنجاز العمل، وليس مخرجا إسرائيليا، في إطار رؤية سياسية تدين التفجيرات، وتدين كل ما يعكر الصفو. وفي السياق قال مخرج الفيلم زايد دويري المقيم في نيويورك، إن النظرة إلى فيلمه في لبنان “تثير الدهشة والاستياء رغم أن هذه النظرة كانت متوقعة، كنت أعرف عن القانون اللبناني، وأنا أعرف أن بعض الدوائر سوف ستستعر غضبا، ولكن أنا المخرج، وأنا أتحمل المخاطر لصنع الفيلم، ولم أكن أريد الادلاء ببيانات سياسية”. ومرة ثانية ربما يكون الأكثر أهمية من كل ما طرحه دويري وغيره من ممثلي الفيلم، هو ما عبر عنه بعضهم أنه من العار أن يحرم الجمهور اللبناني من مشاهدة فيلم سينمائي من تأليف وإخراج فنان لبناني خلافا لإرادة ورغبات الناس وعشاق السينما عموما. ويجزم هؤلاء بأن الشعور الشعبي لا علاقة له بقوانين المقاطعة أو غيرها.. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هو: ألم تكن هناك أية دراسة مسبّقة قبل الشروع في إنتاج هذا العمل الذي يمس بشكل أو بآخر شعور المواطن العربي العادي، وإلا لماذا نصنع الأفلام ولمن؟ في تقديري أن سلاح المقاطعة الفنية والثقافية، قد يفوق في تأثيره أحيانا سلاح المقاطعة السياسية، وفي هذا السياق ونحن نتحدث عن (ثقافة المقاطعة)، لا ضير من الإشارة هنا إلى ما خرج به “المؤتمر العالمي الرابع لمقاطعة إسرائيل” الذي إنعقد قبل أيام في مدينة بيت لحم، وشاركت فيه عدة مؤسسات وأفراد لبنانيون (عبر سكايب)، في إطار دعا إلى التركيز على الشركات الاستهلاكية التي تدعم الاقتصاد الاسرائيلي وتحديد معايير هذا الدعم، واستعرض برنامج المؤتمر بعض تأثيرات المقاطعة الفنية التي أدت إلى انسحاب عدد كبير من الممثلين والنقاد والمنتجين اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين من المشاركة في مهرجان مشترك مع إسرائيليين في النمسا، وأن حملة المقاطعة الثقافية أثمرت في إقناع جامعة الدول العربية بمقاطعة فيلم زياد دويري الذي جرى تصوير معظم مشاهده في تل أبيب بمساعدة طاقم فني إسرائيلي. وهنا نذكر بأهمية وجدوى المقاطعة الفنية التي تنتهجها لبنان منذ صدور القانون المشار اليه وحتى الآن، حيث نجح ذلك في إفشال العديد من الحفلات الفنية التي يتحايل فيها بعض الوكلاء والمتعهدين، لاستقدم فرق ونشاطات إسرائيلية في بيروت، ونعتقد أن (المقاطعة الفنية) أمر مهم في لبنان وغيره من الدول العربية لأن هذا المجال ممتلئ بنزعات التفوق الحضاري، وتقديس الفن الملتزم الهادف والحريات الفردية، ضمن مواصفات ومقاييس حقيقية تركز على نوع الأعمال الفنية والثقافية، والترويج لمشروع مقاطعة داعمي إسرائيل ثقافيا وفنيا على المستوى العالمي. الغريب في الأمر أن الصحافة الأجنبية لم تكلّ ولم تتعب منذ صدور قرار منع عرض الفيلم عن الحديث والترويج له ولفكرته وأهميته على المستوى الفكري والسينمائي والانساني، وفي السياق وتحت عنوان “دويري أمل بأن يطلق فيلمه حوارا ذا مغزى” كتبت صحيفة “لوس أنجليس تايمز” الأميركية: إن الفيلم بمجمله تدور أحداثه حول فكرة الإرهاب في الشرق الأوسط، وأن مخرجه لم يكن لديه أي هدف خاص من وراء فيلمه المشوّق، الذي اقتبسه عن رواية لكاتب ممتاز، بيع منها أكثر من 550 ألف نسخة على مستوى العالم، وتمت ترجمتها إلى 40 لغة”. في الواقع ليس أمام دويري وفيلمه، بعد أن رفض تماما على المستوى العربي، واللبناني تحديدا، إلا أن يذهب بفيلمه إلى المكان الذي تم تصويره فيه، وهو مدينة تل أبيب، التي تنظم سنويا مهرجانا سينمائيا دوليا يحمل اسمها، فلعله يجد ضالته هناك، وينال جائزة (التطبيع) الذهبية مع إسرائيل. بقيت فقط الاشارة إلى الممثلة اللبنانية أمل شموني، التي لعبت الدور النسائي في الفيلم، وهي شخصية معروفة حائزة ماجستير في الصحافة الإلكترونية والإعلام والعلاقات العامة من الجامعة الأميركية في واشنطن، وليسانس في الصحافة ووكالات الأنباء من الجامعة اللبنانية. عملت الكاتبة في صحيفة “الأنوار” ومجلتي “الصياد” و”فيروز”، وهي صحفية مستقلة في أسبوعية “الوسط” وصحيفة “الحياة”. وقامت بتغطية العديد من الأحداث السياسية والاجتماعية في الشرق الأوسط والولايات المتحدة. التحقت بموقع راديو سوا الأميركي منذ عام 2003. أما المخرج زياد دويري، فقد ولد في لبنان عام 1963، قام بإخراج فيلم آخر مهم بعنوان “الصدمة” عام 2012، وفيلم “خلية نائمة” عام 2005، في حين أنه مارس قبل ذلك عمله كمصور سينمائي، من خلال شغله مع المخرج كوينتين تارانتينو كمساعد كاميرا للعديد من الأفلام منها: من الغسق حتى الفجر، لب الخيال، خزّان الكلاب. وقد دخل المخرج زياد دويري المخرج إلى إسرائيل ومكث فيها نحو أحد عشر شهرا، لتصوير معظم مشاهد فيلمه “الهجوم”، وبذلك يكون قد خرق قانون الحظر اللبناني الذي اشرنا إليه وقانون ومعايير مقاطعة إسرائيل، فضلا عن إهانته مشاعر ملايين العرب الوطنية والقومية، سواء من خلال الفيلم أو اتصاله والحديث مع الصحافة الاسرائيلية، او بإعلانه عن نيته المشاركة في مهرجان القدس السينمائي، متجاهلا أن اثنين من عمالقة هوليوود هما الممثل داستن هوفمان والممثلة وميغ ريان قررا في شهر يونيو عام 2010 مقاطعة مهرجان القدس السينمائي الاسرائيلي على خلفية مجزرة أسطول الحرية. والغريب أن دويري اختار أن يغيّر في تفاصيل الرواية التي استند إليها في سيناريو الفيلم، فقد أبقى البطلَ حيّاً (رغم غضب صاحبِ الرواية الجزائري)؛ كما غيّر طائفةَ الممثّلة “الانتحارية” من مسلمة إلى مسيحية، لكي يتماهى مع مسألة القومية. لقد غيّر المخرج محتوى النصّ الأصليّ لخدمة فيلمه ذات الاشكاليات المتعددة، إذن؛ فلماذا لم يفكّرْ في تغييرات أخرى تشمل الممثلين والديكورَ والمكانَ والطاقمَ الفنّي لخدمة مجتمعه ومعاييرِ المقاطعة؟ أمْ أنّ “الفنّ” بالنسبة له ليس أكثر من تحقيق النجاح والشهرة والمال على حساب الهوية والوطنية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©