الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الملك المتلعثم...

الملك المتلعثم...
10 أغسطس 2011 22:25
حصد فيلم “خطاب الملك”، وهو فيلم إنجليزي، أفضل الجوائز السينمائية الدولية لهذا العام، منها أوسكار أفضل شريط سينمائي، وأفضل مخرج، وأفضل ممثل، وأفضل نص، وتم منح كل هذه الأوسكارات الهوليوودية من الأكاديمية الأميركية للعلوم والفنون السينمائية. والفيلم يروي مسيرة الملك جورج السادس والد الملكة الحالية اليزابيت الثانية ملكة إنجلترا، وخوفه في بداية عهده من ثقل المسؤولية التي تحملها دون رغبة منه، فقد كان يحب قضاء وقته في الراحة والاستجمام والاستمتاع بالحياة بعيدا عن واجبات الحكم، والشريط يظهر الرجل مكرها على الجلوس على العرش عام 1936، بعد تخلي شقيقه إدوارد الثامن عن حقه في تولي عرش بريطانيا العظمى بعد قراره الزواج بحسناء أميركية مطلقة مرتين. يتوقف الفيلم طويلا لإبراز الإعاقة التي عانى منها الملك جورج السادس، وهي “التأتأة” (التلعثم) عند الحديث، وهذه الإعاقة آلمته ورافقته إلى يوم وفاته. وأحداث الفيلم جسدت قصة رجل لم يكن يرغب في أن يصبح ملكا، ولكن الظروف أجبرته على قبول عرش بريطانيا العظمى وايرلندا الشمالية، وقد امتدت سلطته إلى كل البلدان التي كانت تحت الاستعمار البريطاني وقتها، أي أنه كان يحكم 7 بلدان، أي ربع سكان العالم. ويكشف فيلم “خطاب ملك” للمخرج توم هوبر TOM Hooper عن صفحات مجهولة لدى العامة من فترة حكم الملك جورج السادس، الذي كان يدخن بنهم ويشكو من آلام في معدته، ويعاني من التأتأة في زمن انتشر فيه الراديو انتشاراً كبيراً، وكان الملك مطالبا بمخاطبة شعبه عبره تباعا خاصة عند قرب اندلاع الحرب بين انجلترا والمانيا النازية، ومن سوء حظه أن الفترة التي اعتلى فيها العرش كان فيها الراديو وسيلة ضرورية للتعبئة ومخاطبة الشعب وإقناعه بضرورة الاستعداد للحرب، وهي نفس الفترة التي كانت فيها خطب ادولف هتلر وموسوليني تجلجل عبر الأثير في الاذاعات الالمانية والايطالية. ولأن الملك الانجليزي كان يشكو من صعوبة النطق فقد كان بالنسبة إليه يوم 11 ديسمبر 1936 وهو يوم توليه العرش يوما مؤلما نفسيا، إذ كان مجبرا على إلقاء خطاب لم يكن قادرا على تلاوته بفصاحة لسان، بل إنه أكثر من التلعثم وهو ما جعله في حرج شديد. والفيلم يتضمن لقطات ومشاهد مؤثرة للملك وهو يتعثر في الخطاب، ويصمت أحيانا لاسترجاع أنفاسه، فيما ينظر إليه الحاضرون بمشاعر تختلط فيها الشفقة بالحب، والتعاطف بالإعجاب. ورغم هذه التأتأة التي كدرت حياته وكانت أمامه كالعقبة الكأداء، فإن جورج السادس كان مضطرا للإعلان في خطاب حماسي في الاذاعة يوم 3 سبتمر عام 1939 دخول انجلترا الحرب لمواجهة المانيا النازية، وقد تم في الفيلم اختصار هذا الخطاب التاريخي من 407 كلمات كما ألقاه الملك إلى 269 كلمة كما جاء في الفيلم. علاج نفسي وبسبب التلعثم في الكلام فقد لجأ الملك إلى طبيب لمعالجته مما رآه هو عاهة، وقد نصحه الطبيب بإجراء تمارين صعبة كوضع كرات عاج صغيرة في فمه أثناء الحديث، وتتالى الأطباء والخبراء النفسانيون في محاولات متكررة لمعالجة الملك من هذه الإعاقة في الكلام. ويتوقف الفيلم في مشاهد كثيرة لإبراز العلاقة المعقدة بين الطبيب المعالج وبين الملك، فهي تتراوح بين اللين والشدة، كما أن الملك كان حريصا على هيبة منصبه رغم أنه يظهر أمام الطبيب في حالة ضعف نفسيا في حين أن الطبيب المعالج كان يرى أن تكون العلاقة بينه وبين الملك كعلاقة بين أي مريض وبين طبيب، دون مرعاة لقواعد البروتوكول أو هيبة المنصب، حتى أنه اشترط أن يتم العلاج في عيادته وليس في قصر الحكم. والحوار الذي يدور بين المختص في علاج صعوبة النطق وبين الملك حوار ثري ومكتنز بالأفكار المتضاربة ووجهات النظر المختلفة، وهو ما أعطى الفيلم بعداً إنسانيا، ولكن الفيلم يظهر أن الملك رغم وجعه صمد بفضل مساندة زوجته الدائمة له فقد وقفت إلى جانبه بإخلاص وحب صادق، والمخرج أراد في تركيزه على “التأتأة” التي عانى منها الملك إبراز قدرة الإنسان إذا تسلح بالصبر والعزيمة على تجاوز عاهته واعاقته ومركباته مهما كانت، كما أراد المخرج أن يركز من خلال القصة والحوار وتشابك الأحداث على أهمية التواصل بين الحاكم والمحكوم وبين الإنسان ومحيطه. والمخرج توم هوبر TOM Hooper وهو في التاسعة والثلاثين من عمره هو بريطاني من أصول أسترالية. واللافت أن كاتب السيناريو دافيد شيدلر أجاد في صياغته للحوار في الفيلم من حيث انتقاء الجمل القصيرة المكتنزة بالمعاني العميقة المؤثرة، وكأنه أراد تمرير فكرة مرتبطة بإعاقة الملك ومفادها أنه من الممكن أن نقول الكثير من المعاني بقليل من الكلمات، علما أن كاتب السيناريو عانى في طفولته هو الآخر من صعوبة في النطق وقد راسل الملكة اليزابيت الثانية للاستئذان منها في كتابة فيلم عن والدها، وقد أضفى المخرج على كل ذلك حلة فنية جميلة إضافة إلى الحبكة مما جعل أحد النقاد يشبه الفيلم بقطعة موسيقية. قوة الإنسان والمخرج ضمّن الشريط رسالة مفادها أن كل إنسان يعاني من إعاقة محسوسة أو معنوية كمن يعاني من خجل مفرط أو قلة ثقة في النفس، أو عدم اقتناع المرء بشكله أو عدم الرضا بالانتماء إلى طبقة اجتماعية معينة، والمخرج أراد نقل موقفه للمشاهد وخلاصته أن أي انسان قادر على التغلب على أي عقدة يعاني منها، سواء كان من عامة الناس أو من علية القوم. وكل هذه المعاني سربها المخرج بأسلوب سلس من خلال المواقف والاحداث والحوار الذي جاء بليغا ومؤثرا مما يمكن وصفه بالسهل الممتنع. والسؤال الآخر الذي أثاره النقاد عن هذا الفيلم هو: إلى أي حد يمكن للسينما وخاصة الأفلام التاريخية أن تكون وفية في تصوير أحداث حقيقية دون تحريف أو قراءة موجهة؟ فقد لاحظ بعض المؤرخين الذين شاهدوا الفيلم أن بعض اللقطات والمشاهد لم تكن دقيقة، فإن وينستون تشرشل لم يكن ـ زمانها ـ في مستوى الأهمية التي وصفه وصوره بها الفيلم، وأنه لم يلعب دورا هاما في تلك الفترة مثلما يظهر ذلك في الشريط، وإنما سيكون لتشرشل وزن بعد تلك الفترة، كما أن النقاد وقفوا عند جزئيات على غرار تقبيل زوجة الملك يد ابنها عند وفاة الملك، وهو ما لم يحصل في الواقع. كما أن المؤرخين أجمعوا على أن كلمات السب والشتيمة التي رددها الملك في الفيلم أثناء علاجه مع الاخصائي لا وجود لها في الواقع في قاموس الملك، وفي مقابل ذلك أجمع النقاد على القول إن الممثل كولين فيرث Colin Firth الذي جسد دور الملك وفاز بأوسكار افضل ممثل لهذا العام، كان موفقا أيما توفيق وأجاد دوره خاصة عندما يتكلم بـ”التأتأة”. وقد مات الملك جورج السادس عام 1952 بعد إصابته بسرطان الرئة وكان عمره 56 عاما، ورغم أن البريطانيين كانوا متشككين في البداية في قدرة جورج السادس على الاضطلاع بكفاءة واقتدار بمسؤولية الحكم، الا أنه أظهر بمرور الأيام نجاعة في تسيير شؤون البلاد في الحرب والسلم وتحمل واجباته بشرف وشجاعة. والفيلم الذي تم اختياره افضل فيلم لهذا العام، لم تتجاوز كلفته 15 مليون دولار، في حين أن أرباحه بلغت إلى حد الآن ما يفوق الـ140 مليون دولار، وهو ما يؤكد نجاحه الكبير لدى الجمهور.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©