الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحريم نتاج لهندسة إجتماعية

الحريم نتاج لهندسة إجتماعية
10 أغسطس 2011 22:37
ضمن منشورات “دفاتر وجهة نظر”، صدر مؤخرا كتاب “المدخل لعلم الاجتماع المغربي”، لمؤلفه الباحث والجامعي الدكتور نور الدين الزاهي. ويحاول الكتاب تسليط الضوء على تاريخ علم الاجتماع في المغرب، ويقرّب القارئ من مسيرته التي امتدت لعقود طويلة، كما يحدد الدكتور الزاهي المراحل التي مر منها هذا العلم من البدايات إلى اليوم، حددها مؤلف الكتاب في ستة مراحل هي: المرحلة الاستكشافية، التي أسِّست على يد الرحالة الفرنسيين والبعثات التبشيرية التي شهدها المغرب ما بين 1875 و1894، ومرحلة تأسيس البعثة العلمية الفرنسية وميلاد علم الاجتماع الاستعماري، ثم مرحلة تأسيس أول معهد لعلم الاجتماع في الرباط، ثم مرحلة إغلاق المعهد، ومرحلة علم الاجتماع المغربي المعاصر. وقد عرّف الكتاب بأهم رموز علم الاجتماع المغربي بدءا من: إدمون دوتي، جورج دارغ، روجي لوتورنو، بول باسكون، الخطيبي، عبد الله حمودي، محمد جسوس، إدريس بنسعيد، حسن رشيق، عبد الله العروي، فاطمة المرنيسي، مصطفى محسن، وأسماء أخرى. الرحالة ويعتبر إدمون دوتي ـ حسب الدكتور الزاهي ـ إلى جانب كل من أوكيست مولييراس وشارل دوفوكو من أهم أعلام الإثنوغرافيا الفرنسية التي غطت نهاية القرن التاسع عشر بالوصف والتجوال والترحال بين المدن والقبائل المغربي. وتعتبر رحلتا “مراكش” و”رحاب القبائل” الإنجاز الأكبر لهذا الاثنوغرافي. لقد تمكن خلالهما من تغطية مجالات قروية وقبلية متعددة من حيث جغرافيتها ولغاتها وسلوكاتها ومعتقداتها. من مراكش سيخرج إ. دوتي لينتقل بين أغمات وزاوية تحناوت ومولاي إبراهيم فقبائل مصمودة والأطلس الكبير، فقبيلة حاحا والصؤيرة أو موكادور ثم الرباط فمكناس (بلاد عيساوة كما نعتها دوتي) ومولاي إدريس زرهون... وبعدها سينجز رحلته الثانية، والتي سينطلق فيها من البيضاء باتجاه أزمور عبر الشاوية، ثم من أزمور عبر دكالة حيث سيعاين وسيصف ويصور الأضرحة والأسواق والدواوير ويسجل أغاني الحصاد... وبعدها سيتجه نحو الرحامنة عبر قلعة السراغنة حيث سيدون كل ما يتعلق باللباس والمأكل وطقوس الزواج والولادة وأنماط حلاقة الشعر والختان والجنازة والأعياد الدينية وطقس الاستسقاء والعنصرة ولعبة شيرة ثم الأوضاع الاجتماعية للقبيلة، ليختم رحلته بالعودة إلى مراكش. تتخلل رحلات دوتي معطيات نظرية وسوسيولوجية موزعة بين مارسيل ماوس وإميل دوركهايم وفرايزر وتايلور، مثلما يخترقها إحساس الأوروبي الذي يكتشف ويندهش من كل أنماط العيش البسيطة والتي تذكره بأوروبا القرون الوسطى، ويتأسف على بدائية العيش والملبس والمأكل مثلما يأمل أن يتمكن الأهالي من التعاون مع الأوروبيين لأجل إدخالهم إلى قارة الحضارة وإخراجهم من وضعية العتاقة والتوحش. تحت ظل نزعته المنهجية الوضعية والتطورية ورومانسية الشخصية، يقدم دوتي في رحلاته معطيات أنثروبولوجية واجتماعية ولسانية وفؤتوغرافية للقبائل والزوايا، يرغب من ورائها أن يبين للأوروبيين عامة وفرنسيو المتروبول جمال المغرب وفقره، ثرواته الثقافية والطبيعية وبساطة أهله وسذاجتهم وبدائيتهم وذلك لأجل تحميل فرنسا مهمتها التاريخية والتنويرية المتمثلة في إدخال الحضارة دون تدمير الطبيعة. يندهش إ . دوتي مثله في ذلك مثل شارل دوفوكو وآخرين من مفارقة كبرى اخترقت مغرب القرن التاسع عشر. مفارقة متعايشة بشكل عجيب وغريب لدرجة يصعب تصديقها بالنسبة لمن لا يعرف المغرب والمغاربة. تتجسد هاته المفارقة في كون النظام الاقتصادي المغربي فقير ومنغلق على ذاته ويعتمد على الكفاف والاكتفاء الذاتي للقبائل، في حين تنبني العلاقات الاجتماعية على الشرف والبذخ والإسراف والبذل سواء في فعل البناء أو التخريب. فسواء في النزاعات والخصومات القبلية أو في طقوس الحياة والموت يحضر البذل والبذخ في شكل هدايا وعطايا وأضاحي ومأكولات... هذا اللاتوازن واللاتكافؤ بين الاقتصادي والاجتماعي وصفته الأنثربولوجيا مع كل ماوس وفرايزر في المجتمعات المسماة بدائية ويؤكده دوتي باندهاش كبير عبر رحلاته ليلحق المغرب العتيق بالمجتمعات البدائية والتي تستطيع وحدها أن توازن بين آليات تدبير اقتصاد الكفاف وبذخ العلاقات الاجتماعية. لقد شكلت ملاحظات دوتي المرحلة الأولى التي ستدفعه لتخصيص دراسات متفرقة حول القبائل (قبيلة حاحا مثلا)، وأخرى حول الزوايا (عيساوة مثلا)، وبعدها سيمر إلى البحث النظري المعمق والمسنود بالمعطيات الميدانية السالفة الذكر. سينجز إدمون دوتي لأطروحته الأساسية حول “السحر والدين في إفريقيا الشمالية”، وهي عبارة عن تدشين لسوسيولوجيا الدين بالمغرب. العميدة ويعتبر الدكتور فريد الزاهي، عالمة الاجتماع المغربية الدكتورة فاطمة المرنيسي “عميدة الباحثات السوسيولوجيات ليس بالمغرب فقط ولكن بالعالم العربي”. ولدت بمدينة فاس وبها شبت، ومن فضاءاتها التقطت موضوع اشتغالها: الحريم. هي الآن أستاذة بالمعهد الجامعي للبحث العلمي وعضو بمجلس جامعة الأمم المتحدة. انخرطت منذ عقود من الزمن في المجال المدني للدفاع عن حقوق النساء. أسست سنة 1981 مجموعة المرأة والأسرة والطفل. والقافلة المدنية. شبكة المرنيسي هي الفضاء الذي تشتغل فيه مع الباحثات المتمرسات والمهتمات بقضايا المرأة، وسلسلة اقتراب التي أطلقتها بدار النشر الفينيك هي البنية التي تيسر نشر الأبحاث التي تتم داخل الشبكة. للمرنيسي أكثر من بحث ومؤلف ونص تخييلي. وتمتلك أكثر من لسان. لم تكن السوسيولوجيا اختيارا مقررا بل صدفة مثلها في ذلك مثل كل حب. كانت المرنيسي طالبة في العلوم السياسية وذات يوم تقول، جاءت امرأة إلى فاس (نيلي فوغجيل) تبحث عمن يساعدها لإجراء استمارات، وكانت تبحث في وضعية النساء. “سألتها عن معنى الاستمارة، وشرحت لي الأمر مثلما أوضحت لي بأن السوسيولوجيا هي دراسة المجتمع. ذهبنا لملاقاة النساء وقد كنا نبحث في وجهات النظر والآراء والسلوكات. فقلت لها: إنه العلم الذي أود دراسته”. تضيف المرنيسي، “كنا ندرس في العلوم السياسية عن المالية العمومية وأنا لم أعرف يوما وأتعرف على شيك بنكي، مثلما كنا ندرس عن الديموقراطية في حين شاهدت الشرطة تقتحم الحي الجامعي سنة 1962 م. لقد اعتقلوني مع مجموعة من الطلبة ليطلقوا سراحنا في المساء ولا أعرف لحد الآن لماذا؟ لكني أعرف أن طلبة آخرين لم يعودوا. هكذا بدأ القمع”. عاشت المرنيسي كطالبة لحظة ازدهار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بجامعة محمد الخامس وستعود للتدريس بنفس الكلية وهو يعيش لحظات انحصاره. وإذا ما استحضرنا أن ما ستدرسه المرنيسي هو موضوع أطروحتها (الجنس كهندسة اجتماعية) فإن صدمتها ستكون اكبر. بول باسكون من أبرز أعمدة السوسيولوجيا المغربية أطروحة المرنيسي الكبرى والموجهة لكل كتاباتها ومواقفها هي أن الجنس هندسة اجتماعية والحريم نتاج لهاته الهندسة. تقول المرنيسي، “الحريم هندسة حيث العالم ينشطر إلى مجال خاص وآخر عام. الرجال لهم حق ولوج العالمين في حين تظل النساء حبيسات المجال الأول. هاته الهندسة نفرضها على أنفسنا كيف ما كان المكان والثقافة”. في أطروحتها الجامعية والتي سيكون كتابها الأول، “الجنس والايديولوجيا والإسلام”، مكثفا لها سترسي المرنيسي الركن الأول من الأطروحة والمتمثل في كون الجنس معمار أو هندسة اجتماعية وليس واقعا سيكولوجيا أو دينيا أو تاريخيا وستحاور في سياق ذلك حجة الإسلام الإمام الغزالي في الجزء الثامن من مؤلفه “إحياء علوم الدين”. وفي مؤلفها “الحريم السياسي: النبي وزيجاته”، ستتوغل أكثر في إحداث الشرخ بين حياة النبي (ص) والايديولوجيا الدينية للشروحات والتفاسير، وستوسع حقل النصوص وكذا حقل الأسئلة المرتبطة براهن المرأة العربية الإسلامية لتؤكد أطروحتها من جديد: الحريم ليس معطى بيولوجيا أو دينيا بل إنه نتاج ترسخ التأويلات الذكورية والقبلية لأصحاب السيرة والتفسير في الواقع وغلبتها على الحق والحقيقة التاريخيتين. وفي “سلطانات منسيات”، ستثبت المرنيسي هذه الخلاصة المتعلقة بالمفارقة بين الحقيقة التاريخية والخطاب الايديولوجي للمؤرخين الأوائل ومدوني السير، عبر وضع كل النصوص القداسية والفقهية التي حاورتها في كتبها السابقة أمام عماها التاريخي. في التاريخ العربي كانت هنالك نساء حكمن الرجال والنساء وكانت الخطب الدينية تلقى باسمهم. إن الرمي بالمرأة إذن في المجال الخاص وحبسها في فضائه (الحريم) واختزال تاريخها في المرأة العورة التي يجب عليها أن تحتجب، ليس معطى للتاريخ (تاريخ الملكة أسماء وأروى يكذب ذلك) وليس معطى للدين (لم تفنى الدنيا حينما كانت خطبة المسجد تلقى باسم امرأة). يتعلق الأمر إذن بخوف تاريخي ومستقبلي من الحداثة (الخوف من الحداثة: الديموقراطية والإسلام 1992 م). في كتابها “حريم الغرب” 2001 م ستتوجه المرنيسي للركن الثاني من أطروحتها والمتعلق بأن الحريم هندسة نفرضها على أنفسنا كيفما كان المكان أو الثقافة. الحريم لا يرتبط بخصوصية ثقافية إسلامية بل إنه وضع أكبر يتوزع بين التاريخ والواقع والنصوص وكذا الذهنيات وأشكال استهلاكه ليست واحدة وموحدة. قد تكون الثروة وهواجس المتعة والإشهار أشكال لاستهلاك وإعادة إنتاج ظاهرة الحريم. تقول المرنيسي، لم يكن بإمكاني البقاء في الشارع بأمريكا بعد الثامنة مساء. لقد غادرت أمريكا بسبب العنف في وقت كنت سألتحق بالأمم المتحدة وأصبح مليونيرة. فالأمن في مدينة فاس أكبر لأنهم لا يعتدون على النساء”. ويصف الدكتور الزاهي، بول باسكون بكونه “من أبرز أعمدة السوسيولوجيا المغربية، سواء في شقها الميداني أو التعليمي والتنظيري. شكل العمل معه والاحتكاك به فرصة ذهبية لكثير من الباحثين ورجالات السياسة: التهامي الخياري، الحليمي، محمد طوزي، محمد الناجي، عبد الحي الديوري، المكي بن الطاهر...”. ويتحدث الزاهي عن الراحل عبد الكبير الخطيبي، الذي ـ برأيه ـ يصعب تقديم أعماله المتنوعة “في كتابة تركيبية مركزة. فالي جانب النقد المزدوج والمغرب الكبير المتعدد وأعمال ودراسات أخرى تهم المهتم بالعلوم الاجتماعية يشغل الاسم العربي الجريح في مسار الرجل موقعا خاصا مثلما يعتبر من الأعمال المرجعية في بيبليوغرافيا السوسيولوجيا المغربية. فموضوعه هو ثقافة المغاربة الشعبية: حديث الأمثال والوشم وبلاغة الجماع والحكاية الشعبية والرسم الخطي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©