الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدعوة إلى التعفف في العمل والنهي عن المساءلة

الدعوة إلى التعفف في العمل والنهي عن المساءلة
10 أغسطس 2011 22:47
العمل في الإسلام ليس ضرباً من الرخاء أو نوعاً من التسلط وجمع المال إنما هو دعوة للتوازن الاجتماعي وتربية للسلوك البشري على بناء الذات المتزنة. ويمكن التعرض لهذه الفكرة من خلال توضيح عدد من المفاهيم: هناك بطالة غالبة تجتاح بعض الناس، وأخرى اختيارية يركن إليها أصحاب الدعة والاسترخاء وهي خرق في جسد المجتمع وكسر لهيبتها وقصور في تصور الإنسان ولتحقيق الوجهة الصحيحة لمسار العمل فقد عمد النبي صلى الله عليه وسلم إلى محاربة البطالة من خلال جملة من التوجيهات وكما يأتي: محاربة الكسل استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكسل والعجز فكان يقول: (اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ (البخاري)، وقال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا يقعدُ أحدكم عن طلب الرزق، ويقول اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تُـمطر ذهباً ولا فضة، وإن الله تعالى إنما يرزق الناسَ بعضهم من بعض وتلا قول الله جل وعلا: (فإذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فانتشِرُوا في الأرضِ وابتغُوا مِن فضل اللهِ). ازدراء المهنة حذر الأسلام من ازدراء المهن، ولم ينظر الإسلام إلى العامل من خلال مهنته بل من خلال ما يقدم ويعمل طالما كان مشروعاً ومن جهد العامل. ومن أهمية العمل في الإسلام أنه يعتبر المهنة معياراً من معايير التقييم، لدرجة أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان “إذا رأى غلاما فأعجبه سأل: هل له حرفة؟ فإن قيل: لا، قال: سقط من عيني، وكان يقول (يا ليتني كنت حائكاً أعيش من عمل يدي)، وبلغ من حرص الأصحاب رضي الله عنهم على العمل أن صنعوا القفاف ونحوها من الخوص وهو ورق النخيل وكانت حرفة سلمان الفارسي رضي الله عنه، حتى وهو أمير في المدائن، فيعيش بها، وكان يقول: أحب أن أعيش من عمل يدي ...)، وسار على ذلك فقهاء الإسلام الكبار يحثون الأمة على العمل. الدعوة للتعفف الدعوة للتعفف والنهي عن المساءلة: المساءلة سبيل من احتاج ولا يلجأ إليها ذو مروءة إلا إذا عدم الحيلة واضطر إليها وقد غلظ النبي صلى الله عليه وسلم على من يتعود المساءلة أو يمتهنها لأنه يحرم ذوي الحقوق حقوقهم قال صلى الله عليه (ما يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ الناس حتى يَأْتِيَ يوم الْقِيَامَةِ ليس في وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْم) (صحيح البخاري) وبعض الناس قد تستهويه المسألة فيخلد فيها قاعداً مهاناً لا يرجو غيرها ولا يعبأ إلى آثارها من ذلة وخوار، ولعل مسعى المصطفى صلى الله عليه وسلم من ذلك بناء شخصية عزيزة لا يعكر ماء وجهها ذلة بسبب المسألة لذلك فقد وجه بعض من سأل بالقول (لَأَنْ يَحْتَطِبَ أحدكم حُزْمَةً على ظَهْرِهِ خَيْرٌ من أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أو يَمْنَعَه) (صحيح مسلم) وعن ثَوْبَانَ قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (ومن يَتَقَبَّلُ لي بِوَاحِدَةٍ أتقبل له بِالْجَنَّةِ قلت أنا قال لَا تَسْأَلْ الناس شيئا قال فَكَانَ ثَوْبَانُ يَقَعُ سَوْطُهُ وهو رَاكِبٌ فلا يقول لِأَحَدٍ ناوليه حتى يَنْزِلَ فَيَأْخُذَهُ) (ابن ماجة). العمل بعمومه سبيل الإنسان في الحياة منه ما يكون مغزاه حسناً ومنه ما يكون مؤداه سيئاً وفي كل حال لابد للإنسان أن يعمل فإن عمل خيراً فقد وافق الرشاد وإن أخطأ باء بما قدم الناس وهم يقصدون العمل منهم من يطلبه لحاجته ومنهم من أجبرته الظروف له ومنهم من يعمل قضاء للوقت بل والبعض للتسلية، وهنا أوجز القول في بعض المقاصد التي يستهدفها الإسلام في حثه الناس على طلب العمل، وهي كما يأتي: الإكتفاء الذاتي الإنسان مجبول على رعاية نفسه رعاية كريمة ومن مظاهر الرعاية الكريمة احترام النفس وذلك بتلبية حاجاته الضرورية وما قصر عن ذلك (لَأَنْ يَحْتَطِبَ أحدكم حُزْمَةً على ظَهْرِهِ خَيْرٌ من أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أو يَمْنَعَه) (صحيح مسلم). تحقيق التوازن المهني بين الناس، من السنن الكونية التي خلقها الله تعالى في الناس تسخير بعضهم لبعض فلا تستقيم الحياة إلا بخادم ومخدوم ولولا ذلك لتوقفت الحياة من أجل ذلك قال تعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) “الزخرف، 32” وتبدو أهميتها في أمور أهمها: تحقيق التكامل المهني وأعني به تلبية حاجات المجتمع من التنوع المهني بما يسهم سد حاجاته. ثانيها التنافس المشروع في الميدان العملي بما يدفع إلى تحقيق الأجود والأحسن. - المساهمة في البناء الاقتصادي والإنساني: ربما يعني للبعض أن يركن إلى الراحة إذا اعتقد بأنه قد حقق الاكتفاء الذاتي له ولمن يعوله وقد حرص الإسلام إلى حث المسلم على دوام العمل وإن كان طلباً للزيادة لما في ذلك من فوائد كثيرة أولها: الاستفادة من خبراته في الميدان العملي ثانياً: المساهمة في دفع عجلة الاقتصاد وبناء الوطن ثالثاً: التوسع في رعاية وكفالة المحتاجين سواء كان بسبب العمل أو كفالتهم لعجزهم عن العمل وهو ما وجه به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ من الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عن ظَهْرِ غِنًى وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ الله وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله)، “البخاري”. - الاستقرار النفسي: فالإنسان إذا عمل وامتهن مهنة يتذوق الأثر من وجوده ويدرك قيمة من قيم وجوده في المساهمة بمسؤولية الخلافة في إعمار الأرض وذلك بعدما يحقق له توازناً نفسياً من وجهين الأول: وجود الغاية الدافعة للعمل وهو ما يعني أن حياته ليست عبثية، الثاني: شعوره بحاجة المجتمع له وهو ما يعطيه نوعاً من الأمان والثقة في التعامل مع الناس. - الأمن الأسري: العمل يساهم في بناء الشخصية المتوازنة من وجوه عدة منها: شعور الأسرة بالأمان لوجود عمل يعيلهم والثاني: اكتساب الخلطة والدربة والاحتكاك مع الآخرين فتتزين أحوال العامل بالنضج والتروي كلما رسخت أقدامه في ميدان العمل مما ينعكس على أسرته. وثالثاً: أن الفراغ وخلو الرجل من العمل يولد المشاكل بسبب الفراغ حيث يتحول الرجل إلى رقيب على صنيع زوجته وأولاده من قبيل الممارسة الإدارية له مما يؤجج الخلافات ويولد المشاكل. د. عمر شاكر الكبيسي
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©