الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كظم الغيظ والعفو عند المقدرة دعوة لنشر السلام ونزع الأحقاد

كظم الغيظ والعفو عند المقدرة دعوة لنشر السلام ونزع الأحقاد
10 أغسطس 2011 22:47
امتاز ديننا الحنيف بنشر السلام والمحبة والوئام، والعمل على نزع الغل والأحقاد من قلوب الأنام، ووجه المسلمين إلى تصفية نفوسهم من الكره والضغائن، وحث أتباعه على أن يلتزموا دائماً منهج المسامحة والعفو والصفح عمن أساء إليهم، وجعل الإسلام هذا المنهج هو الأحب إلى الله تعالى، وأن من يقابل الإساءة بالإحسان يصبح بإحسانه حبيبا للرحمن، يقول الله تعالى: “ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”. كما أن الإنسان لا يحب أن يعاقبه الله على ذ نب أو خطأ ارتكبه في حقه تعالى، ويرجوه ويدعوه أن يعفو عنه وان يغفر له ويسامحه، فكذلك يوجهنا المولى تبارك وتعالى أن نكون دائما مع من أخطأ في حقنا أو أساء ألينا، يقول الله تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). ولقد أوضح الله تعالى لنا أن من أهم أسباب نيلنا لمغفرته وعفوه أن ننفق على المحتاجين، وأن نكظم غيظنا عمن أغضبنا، وأن نعفو عن الناس، بل يريدنا أن نرقى إلى مستوى أعظم، وأن نسمو بأخلاقنا إلى الأعلى والأكرم، فحثنا على أن نحسن إلى من أساء إلينا، وان نقابل الجحود بالامتنان، والنكران بالعرفان، والحرمان بالإحسان، يقول الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). ويقول سبحانه أيضاً: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ). ولقد أعد الله تعالى للمسامحين والعافين عن الناس نعما كثيرة وعزاً كبيراً ورفعة وعلوا، وذلك جزاء صبرهم وتحملهم وترويضهم لأنفسهم التي تميل إلى التشفي وتحب الانتقام، فنقلوها إلى العفو والإكرام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كظم غيظاً وهو يقدر على أن ينفذه دعاه الله على رؤس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور شاء”، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام. ومن عظيم أخلاق رسولنا صلى الله عليه وسلم أنه ما أمر بأمر ولا طلب من أمته شيئاً إلا وبادر هو بتطبيقه على نفسه، ليكون لنا في ذلك أسوة عملية وقدوة كاملة، فكان عليه الصلاة والسلام أول من طبق مبدأ العفو العام والمسامحة الشاملة، وذلك يوم أن دخل مكة فاتحاً منتصراً قوياً قادراً على الانتقام، فجمع أهلها الذين أذاقوه مع أصحابه شتى أنواع العذاب وكذبوه وأخرجوه، فظن البعض أن الانتقام العادل قد حان حينه، والقصاص قد آن أوانه. فوقف نبينا وقال لهم: (ما تظنون أني فاعل بكم؟) قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم. فقال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء). فكانت النتيجة التي حققها العفو والمسامحة أكبر وأعظم من الانتقام، وكان جزاء هذا التصرف النبيل والخلق العظيم الذي لم يشهد التاريخ له مثيل، أن دخلت مكة كلها وكثير من القبائل في الإسلام رغبة وطوعاً ومحبة. ولقد علمنا الإسلام أن العفو من شيم الكرام ومن صفات العقلاء، أصحاب التربية السليمة والبيئة المستقيمة والشخصية السوية والقلوب الصافية النقية الخالية من الأحقاد وحب الانتقام، وأن هذه الصفات الطيبة الكريمة سترفع صاحبها إلى أعلى المقامات، وتبلغه رفيع الدرجات عند الله تعالى أولاً ثم عند الناس، وستنشر صيته الطيب وذكره الحسن على السنة الخلق وستجعل محبته في قلوبهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من سره أن يشرف له البنيان وترفع له الدرجات فليعف عمن ظلمه وليعظ من حرمه ويصل من قطعه”. إن هذه الأخلاق والشيم والمكارم تقوى وتزداد بالتعلم والتعود والتمرس حتى تصبح في وقت من الأوقات عادة وسجية، ويلتزم بها المسلم على أنها عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى ومنهجاً يتعامل به مع الجميع، القريب والبعيد ومع الصديق أو الغريب، وتتأكد هذه القيم من التسامح والعفو مع الأسرة من الزوجة والأولاد الذين هم أحوج الناس إلى سعة صدره وصبره وتحمله وعفوه ومسامحته، وذلك لما تحفل به الحياة اليومية داخل الأسرة من أخطاء وهفوات وزلات تحتاج إلى غض الطرف والتجاوز وعدم التشدد عند كل كلمة أو حركة أو تصرف، لأن الغلظة والتعالي على أفراد الأسرة ومحاسبتهم ومعاقبتهم دائماً قد تجعل من هذا الرجل جباراً لا يسامح ولا يرحم. إن التزام المسلمين خاصة وأبناء المجتمع عامة بهذا المنهج الرباني والسلوك النبوي في العفو والمسامحة، يؤسس لمجتمع متحاب متآلف متضامن، تنتشر فيه معاني السلام مع النفس والسلام مع الغير، وتترسخ فيه قيم الاستقرار والطمأنينة الاجتماعية والنفسية، وتنتزع من بين أبنائه سلبيات الأحقاد والعنف وحب الانتقام. وما أحوجنا اليوم ونحن في شهر رمضان شهر العفو والغفران، والعتق من النيران، أن نعيش هذه الأخلاق الكريمة والمشاعر النبيلة، وإننا بعفونا عن بعضنا ومسامحتنا لبعضنا نحقق بذلك صوماً صحيحاً مقبولاً بإذن الله تعالى، فقد أوصانا حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أن لا نرد الإساءة وخاصة في رمضان فقال عليه الصلاة والسلام: “وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ”. هشام يحيى خليفة
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©