الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الطيّب صالح·· موسم العودة إلى الجنوب

الطيّب صالح·· موسم العودة إلى الجنوب
25 فبراير 2009 23:38
يقول الاديب حارب الظاهري رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات: بذللك الفقد العظيم، ينعى اتحاد كتاب وأدباء الإمارات الأديب والروائي العربي الطيب صالح الذي انتقل إلى رحمة الله، إنها مناسبة أليمة لا شك تذكرنا بالعطاء الأدبي الزاخر والذي قدمه الطيب صالح -رحمه الله- إن ما قدمه من إبداعات روائية يعد ثورة في عالم الرواية العربية والعالمية من خلال روايته ''موسم الهجرة إلى الشمال'' التي ستظل عالقة في أذهان الأجيال العربية المثقفة! بل ستؤرخ العلاقة ما بين الشرق والغرب وستضفي على الواقع الكثير من التعبير المتجدد والمهم مما يحسب للراحل· إن الراحل قدم للمكتبة العربية ما يجعلنا نفخر به، فمن خلال كتابته الروائية اعاد للإبداع العربي بريقه المفقود، مما دعى بالعالم أن يلتفت إلى هذا الإبداع الذي طالما شغل العالم وشغل دور الترجمة التي باتت تترجم للكتاب العرب وباتت الرواية العربية تحضر في الساحة الثقافية العالمية· إن الدلالات تشير إلى أن المبدع العربي حين يجد الفضاء الحر، يصنع من خلال إبداعه الكثير من العطاء الذي على صورة ما قدمه الطيب صالح؛ لذا نتمنى أن يظهر كاتب بحجم الطيب كونه مثالاً للأجيال العربية المبدعة، حيث ظلت تجربته دافعاً للعطاء، فالإبداع الحق لا يتوارى، بل يصبح كالنسيج المتجدد في خضم الحياة· كرامة: تلك الهجرة يقول المخرج والقاص الإماراتي صالح كرامة: عادة ما يأتي الموت ليغيب الأشياء الجميلة ويسلب منا ما نملك ويستبقي لنا الحب والشوق· وإن كانت الهجرة التي ارتضاها الروائي الطيب صالح وغادرها الآن بعد مدة من الزمن، يجعلنا نسأل ماذا تعني تلك الهجرة؟ هل نقول إنها محاولة ترك المكان بمن فيه والوقوف على أماكن غيرها، وكأننا نكتشفها أول مرة، إنها مراوحة دائمة بين الموت والحياة· إن التجربة الحياتية التي رصدها الطيب صالح جاءت من خلال معايشته لقانون الاغتراب، والاستلاب اليومي، فالزمن القار هو القاهر اليومي الذي يلاحق شخوصه· والتراوح المكاني هو الذي نجده في موسم الهجرة لنحدده من خلالها شبح الطفولة والشباب اليافع، منذ زمن نحاول أن نحدد ماهية الروائي بين الحكائية والراصد، وفي اعتقادي أن الطيب صالح رصد الكثير من خلال تجربته اللندنية واستفاق بها على الجنوب البعيد· وتأتي قدرته الروائية من خلال ملامسته للوجع اليومي للإنسان، فجاءت كل محطاته مصبوغة بلون الأبنوس ومياه النيل· مبارك: نخلة عالية ويقول الأديب الإماراتي إبراهيم مبارك: بالتأكيد، إن رحيل الروائي الكبير الطيب صالح أشبه بسقوط نخلة عالية، كانت حاملة لأطيب الثمار، وهي أثمرت طويلاً وكانت وافرة العطاء، والآن يعود صاحب ''موسم الهجرة إلى الشمال'' جنوباً إلى النيل العظيم والسودان العزيز، حيث مسقط رأسه بعد رحلة طويلة جداً هناك في الشمال· نعم انتهى ''موسم الرحلة إلى الشمال''، ولكنها كانت رحلة الإبداع والمعرفة والثقافة والرواية الطويلة، التي حاكها الراحل في أجل صورة لإظهار الأدب العربي وانتشاره في كل الأصقاع، وإذا كان الأديب الكبير الطيب صالح عرف راوياً وأديباً فإن له أيضاً محطات مختلفة في عالم الكتابة والفكر والثقافة، حيث يؤكد الجميع ومن عرفه عن قرب أنه مكتبة متنقلة وكاتب فذ في مجالات أخرى وإداري ومسرحي ومحب للأدب والشعر العربي القديم، وحافظ لأهم القصائد والتراث، حيث يقول الأديب جمال الغيطاني في مقابلة إذاعية له بعد وفاته إنه عرفه عن قرب وأدهشه بقدراته الكبيرة في الحفظ خاصة قصائد شاعره العظيم وشاعر العرب المتنبي· إن هذا المبدع الذي يرحل عن هذه الدنيا الفانية، إنما رحل بعد أن سطر اسمه بأحرف من نور في مجال الرواية والثقافة والأدب· والآن يفتح رحيله لرحلة جديدة للمثقفين للعودة إلى قراءة الطيب صالح من جديد والتنقيب عن كل ما أبدعه تماماً مثل ما يحصل دائماً بأن يقرأ المبدع الكبير مرتين الأولى في حياته وزمنه وأخرى للتأمل والتنقيب عن زوايا أخرى في إبداعه بعد الرحيل؛ لأن القراءة التالية هي البحث فيما وراء الكلمات والسطور وبطريقة مغايرة للقراءة الأولى· حسني: خلطة إنسانية وزير الثقافة المصري الفنان فاروق حسني يقول: خسرت بوفاته صديقاً كبيراً، محباً للعروبة ومؤمناً بها حتى النخاع، ولم يتخل عن روحه وطابعه السوداني، ويمثل الطيب صالح خلطة إنسانية فريدة، فهو سوداني عروبي عاش في بلاد أوروبا معظم حياته، ومع ذلك حين يحكي تسمعه يتكلم لغة عربية صافية وصحيحة تماماً، ويتمتع بعمق ثقافي كبير، وتنوعت معارفة ومداركه، لذا نال التقدير والتكريم من المثقفين العرب، في القاهرة وفي تونس ومعظم دول الخليج فضلاً عن تكريم الخرطوم له، باعتباره الروائي الأبرز في السودان، وهو من أبرز المبدعين عربياً ونال اعتراف وتقدير الدوائر الثقافية في الغرب، خاصة بعد أن ترجمت روايته ''موسم الهجرة إلى الشمال'' إلى الانجليزية والفرنسية والألمانية وغيرها· ويضيف وزير الثقافة المصري: كنت أحرص على أن ألقاه كلما جاء إلى القاهرة ونجلس معاً مدة طويلة بحضور عدد من كبار النقاد والمبدعين وكانت جلساته ممتعة· عصفور: بار بأهله وتحدث المفكر والناقد د· جابر عصفور عن الطيب صالح محتفيا بالجانب الانساني فيه ومتناولا علاقتهما الشخصية التي استمرت سنوات· ويقول: الطيب صديق عزيز جدا، لم يكن يأتي الى مصر إلا والتقيه ولم أكن أذهب إلى لندن إلا وأسعى إليه، كان ودوداً ونبيلاً إلى أقصى حد، في القاهرة كانت له مجموعة من الأصدقاء، وفي مقدمتهم الناقد الراحل رجاء النقاش، وكان يعتبر رجاء توأمه الروحي، وهناك محمود سالم كاتب المغامرات، وكان سالم قد تزامل في الخمسينيات مع الطيب في إذاعة لندن العربية ''b.b.c'' وظلت صلتهما قائمة ولم تنقطع أبداً· يستطرد د· عصفور قائلا: الطيب رجل بار بأهله وخيّر جدا وكان يحرص على زيارة عدد من الاخوة السودانيين المقيمين بالقاهرة وكان يمد لهم يد العون والمساعدة ولم يبخل عليهم ولم يتحدث عن ذلك ابدا، كان يفعل ذلك في سرية تامة، وبمنطق انه واجب عليه لابد ان يقوم به ويؤديه· ويضيف د· عصفور: بشكل شخصي اشعر بالامتنان له، ففي عام 2005 كنت أمين عام المجلس الأعلى المصري للثقافة وكنا قد عقدنا الدورة الثالثة لمؤتمر الرواية العربية وكان الطيب مرشحا للجائزة وكان ينافسه ابراهيم الكوني، وكان ميلي النقدي مع الكوني، لكن اللجنة قررت فوز الطيب، فقلت لهم ''على بركة الله'' واثار بعض الزملاء مشكلة اجرائية بأن لائحة الجائزة تشترط ان يكون الفائز قد اصدر عملا خلال السنوات العشر الاخيرة، ورأى البعض ان الطيب متوقف لكن كانت لدي روايته ''منسي'' التي صدرت قبل عامين، واعلن فوزه فألقى كلمة بالاوبرا المصرية، هزت وجدان الجميع وتحدث عن قيمة الجائزة ومعناها، وضرورة ان يقبل المبدع الجائزة وبذلك رد الاعتبار للجائزة بعد الضجة التي اثارها صنع الله ابراهيم عام 2003 حين رفض الجائزة وسعد المثقفون المصريون والعرب بفوز الطيب· ويستكمل عصفور: كان حسن المعشر مهذبا ودودا إلى اقصى حد، وبه درجة عالية من التواضع، ومحبا وشغوفا بالثقافة العربية والمثقفين العرب من المحيط الى الخليج وتسمع منه حول المتنبي او المعري وطه حسين ويحيي حقي أفضل مما تسمع عنهم من كبار النقاد المتخصصين· بكر: حق الريادة الروائية سلوى بكر تتوقف عند رواية ''موسم الهجرة الى الشمال'' حيث ارتاد الطيب صالح فيها منطقة لم يتم ارتيادها من قبل في الكتابة الادبية العربية، فقد ميز بوضوح بين المستعمِر ـ بكسر الميم والمستعمَر ـ بفتح الميم، وهناك بعض الكتابات العربية ميزت ذلك ولكن في الدراسات الاقتصادية والتاريخية العربية، أما في المجال الادبي والثقافي، فلم يسبق ان انتبه الى ذلك أحد·· هو تناولها بعمق وباحساس انساني رفيع وسبق في ذلك ادوار سعيد، صحيح ان كتاب ادوار ''الاستشراق'' تناول القضية بتوسع شديد، لكن الريادة تبقى للطيب صالح وروايته، حيث اشار إلى تلك الاشكالية الثقافية منذ وقت مبكر· العراقي: موقف نقدي د· عاطف العراقي، استاذ الفلسفة ومهتم بمسألة العلاقة بين الشرق والغرب، يقول: وفاته خسارة كبرى لحياتنا الادبية والفكرية ورغم تواضع الرجل على المستوى الشخصي فإنه من اكبر ادباء العرب قامة وانجازا، وتعد روايته ''موسم الهجرة إلى الشمال'' ملحمة ادبية وثقافية كبرى، رغم اختلافي معه في بعض القضايا مثل هجومه الحاد على الغرب، فالعلاقة بين الشرق والغرب لا تقوم على الصراع ولكننا نتفهم انه كتب روايته على خلفية الاستعمار البريطاني للسودان، والحقبة الاستعمارية في عالمنا العربي· ويضيف د· العراقي: لقد اقمت في السودان فترة واكتشفت انه صور في العديد من اعماله القيم الاجتماعية والثقافية وبعض العادات السودانية، ووقف من بعضها موقفا نقديا واخذ عليه بعض الأخوة السودانيين ذلك، لكنه أديب ومفكر عربي كبير، حمل القضايا والهموم العربية في اعماله ووجدانه· ويطالب د· العراقي بضرورة اصدار طبعة كاملة من اعمال الطيب صالح، لتكون متاحة للمثقفين وللشبان عموما، فهو روائي كبير· الغيطاني: تجربة فريدة الروائي جمال الغيطاني يذهب إلى أن الطيب صالح روائي عربي وإنساني كبير، يقف في مصاف الحاصلين على جائزة نوبل، وروايته ''موسم الهجرة إلى الشمال'' هي درة إبداعية عربية، فضلاً عن أنها تمثل ذروة إنتاجه وعالمه الروائي، حيث قدمت تجربة فريدة وفوق ذلك فهو على المستوى الإنساني كان غاية في الرقة والدماثة· وبعض الكتاب الكبار إبداعياً حين تقترب منهم يمكن أن تكتشف فيهم نقاط ضعف معينة وقد يكون الأمر سيئاً أحياناً، لكنك مع الطيب صالح حين تقترب منه تزداد حباً وإعجاباً بشخصه وثقافته الواسعة· عبدالمجيد: جرأة التناول الروائي ابراهيم عبدالمجيد يؤكد انه هو وابناء جيله تعلموا واستفادوا من رواية ''موسم الهجرة للشمال''· ويقول: شعرنا بفرح كبير ونحن نكتشفها في سنوات الستينات من القرن الماضي، وكانت تمثل لنا الجرأة في التناول وقوة الاسلوب، فضلا عن اعادة طرح قضية الشرق والغرب من جديد، وبفهم اخر غير الذي كان سائدا من قبل في الاعمال الابداعية· ويقول: على الرغم من أن الطيب له عدة أعمال روائية أخرى، مهمة ومتميزة لكن ''موسم الهجرة'' أخذتنا جميعاً أنا وأبناء جيلي، فقد هزت عقولنا وتعلما منها واظن أنها لعبت دوراً في تكويننا· ويضيف إبراهيم: الطيب صالح علامة كبرى في الرواية العربية وعلى الرغم من أنه كان شبه متوقف في السنوات الأخيرة عن الكتابة الروائية لسبب لم نعرفه ولم نتوصل إليه لكنه ظل كاتباً كبيراً وحفر اسمه بين المبدعين الكبار عربياً وعالمياً ولذا فإن حزننا عليه كبير ويبدو أنها سنة الأحزان، كل أسبوع نفقد كاتباً كبيراً تقريباً! شاهين: عبقري الرواية ويقول الناقد العراقي ذياب شاهين عن عبقري الرواية العربية: لا شك أن وفاة الطيب صالح خسارة كبيرة لنا، فهو صاحب أشهر رواية عربية في القرن الماضي ''موسم الهجرة للشمال'' وقد تكون الأهم، وهي الرواية التي عرف بها واشتهر من خلالها، كما أن رواياته الأخرى لا تقل إدهاشاً وحرفنة من الأولى مثل رواية ''عرس الزين'' والذي كنا قد شاهدناه عندما عرض في تلفزيون بغداد في نهاية السبعينات على ما أتذكر، والذي أخرجه المخرج الكويتي خالد الصديق، فضلاً عن ''مريود'' و''ضو البيت'' و''دومة ود حامد'' وكذلك ''منسي''· ليس مستغرباً أن يطلق عليه النقاد لقب ''عبقري الرواية العربية''، فتنقله بين المملكة المتحدة وقطر وفرنسا جعله مطلعاً على كثير من العوالم ومخالطة الكثير من البشر، لذا فما هو ذاتي أصبح لديه مرتبطاً بما هو محلي وتكاد تكون روايته الأولى مرآة تعكس الآخر في المخيال العربي، فضلاً عما يرسم ذلك المخيال أي الغربي لنا من صور أو حقائق بوصفنا آخر معاكس أو مناظر له· وإذ يدخل ما هو سياسي وما هو خاص بالآخر الغربي بوصفه مستعمراً في نسيج النص الروائي لديه، فهو يكشف بصورة قد تكون واقعية أو كشفاً عن واقع العلاقة غير المتوازنة بين المجتمع الشرقي العربي والغرب بصورة عامة· ولا شك أن الطيب صالح يقف في منزلة واحدة مع جبران خليل جبران وطه حسين ونجيب محفوظ والتكرلي وغيرهم من كبار روائيينا وقصاصينا، ورواياته تؤسطر الواقع بوصفه حياة وموتاً، ولكن هذا الموت ليس مجانياً، ولكنه ضمن منظومة من القيم والتقاليد الشرقية والتي تشد إليها الكاتب شداً، فالموت العنيف ''القتل أو الانتحار'' أو الموت الطبيعي يستثمرها الكاتب وتثير في نصوصه حوارات أو أسئلة يلقيها المتلقي بعد حين بعد أن أطلقها أبطاله، وهي أسئلة فكرية حيناً وفلسفية وأنطولوجية في أحيان أخرى· إبراهيم: الاسم الغريب أما الشاعر والمترجم المصري محمد عيد إبراهيم، فيقول: حين بزغ نجم الطيب صالح في الستينات من القرن الماضي، لم يكن أحد يتصور أن هذا الاسم الغريب من هذا البلد الغريب، فلم يكن قد سمع أحد ما عن رواية ما ناهيك عن روائيّ ما في السودان، على رغم ما فيه من ثراء معرفي وأسطوري وزنوجة طاغية على كل مناحي الحياة، مما استفاد بها الغرب في الفن التشكيلي والموسيقى والنحت وخلافه· وكان للناقد المصري الراحل رجاء النقاش الفضل الكبير في تعريف الناس بموهبته الطاغية كما فعل مع محمود درويش، فقد قام بنشر روايته الفذة الأولى ''موسم الهجرة إلى الشمال'' في سلسلة ''روايات الهلال'' وكان لها سمعة شعبية عربيتين فوق العادة، فمن ينشر فيها يأخذ صكّ تحققه ومجده الأدبي· فكان أن التفت لها الغرب، قبل العرب، وتُرجمت إلى عدد من اللغات· لقد أحسّ النقاش بفطنته النقدية أن هناك موهبة حارقة، تعبر عن صراع الحضارات بين الشرق والغرب، بصورة تختلف تماماً عما عبر عنه قبلها توفيق الحكيم وطه حسين وسهيل إدريس وغيرهم، فقد كان متأثراً بفرويد، لكنه أدخله في سياق إبداعي عربي خارق· ولا يغيب شكسبير بظلاله الأدبية من قتل ومصادفات وشك وخيانات، لكن في المقابل نجد ظلال المتمردين العرب مثل أبي نواس وغيره تحل في كلماته، حيث يذهب في الرواية إلى الغرب وفي ذهنه ''سأغزوكم''، مع أنه بعد غزوه النساء لا يجد مفراً من القتل ثم العودة حزيناً مكسوراً إلى ضفاف النيل· وقد اعتبرها الدكتور إدوارد سعيد إحدى المرتكزات في كتابه الاستشراق التي بنى عليها عوالمه النقدية· وقد اختيرت هذه الرواية ضمن أفضل مئة رواية على مستوى العالم عام ·2002 كما نال عن مجمل أعماله جائزة الإبداع الروائي بالقاهرة ·2007 والغريب في الطيب صالح أنه لم يبتذل موهبته وسكت حين وجب السكوت ولم يعد لديه ما يقوله، مع أنه كتب في الرحلات والسيرة والترجمة والأعمدة، كذلك كتب مرة، ما معناه: ''لا يجب على الأديب أن يستسلم لشياطين الأدب فستملك روحه وتقض مضاجعه، فلا يستطيع إلى العيش سبيلاً· عليك أن تكتب ثم تهرب سريعاً إلى الحياة· وقد تعلمت هذا وظللت أعيش، فلم أختنق''· لكن الطيب صالح قد حفر لنفسه اسماً لا يغيب، فبعد ''موسم الهجرة'' التي كرهها بعد أن ظل يُعرّف بها سنيناً، جاءت رواية ''مريود'' و''عرس الزين'' و''ضو البيت''، ومجموعة ''دومة ود حامد''، وسيرة ''منسي''· وهي عدد قليل، لكنها عميقة الأثر، بالغة الدلالة في حياة أديب سيظل كبيراً في سماء الرواية العربية· جمعة: قامة كبيرة الدكتور حسين جمعة رئيس اتحاد الكتاب العرب بدمشق والناقد الأكاديمي المعروف يقول: نحن خسرنا برحيل الطيب صالح قامة أدبية وروائية كبيرة، لكن الموت حق، ونرجو للروائيين من بعده أن يسدوا الثغرة، ويكملوا الطريق· ويرى د· جمعة أن التجربة المميزة للطيب صالح قد وضعته في مقدمة الروائيين العرب، وربما في مقدمة الروائيين العالميين، ولاسيما حين اختيرت روايته ''موسم الهجرة إلى الشمال'' واحدة من أفضل مئة رواية في العالم· ويضيف جمعة: هذه الرواية قرأتها ووقفت عندها مطولاً وتبين لي كيف يعالج الفوارق الاجتماعية والثقافية بين دول الشمال والجنوب، وقد أراد أن يثبت أن الذهنية التي تشكل أبناء دول الجنوب، لا تختلف عن تلك التي تشكل أبناء دول الشمال، وأن ابن دول الجنوب قادر على أن يحلل القضايا المعنوية المجردة بمثل ما يحلل القضايا الحسية المادية· وبمعنى آخر هو أراد أن يقول إن ابن الجنوب لم يعد واقعاً تحت سيطرة الجنس والمادة، مثلما كان يحاول ابن الشمال أن يصوره من خلال ''ألف ليلة وليلة''· أيضاً الطيب صالح ليس متميزاً بهذه النقطة فقط، بل إنه في رواياته الأخرى حاول أن يرجع إلى الطبيعة الأم، ويرسم هذه الطبيعة بكل تفاصيلها، بحيث وضعته أيضاً في مقابل نجيب محفوظ في مصر، فإذا ذكر نجيب محفوظ في مصر، ذكر الطيب صالح في السودان· إخلاصي: الوصية ويقول الروائي والمسرحي السوري المعروف وليد إخلاصي: لقد ترك لنا الطيب صالح ما يشبه الوصية بأن نكون روائيين أو لا نكون، وهو الذي كان بامتياز· ويضيف إخلاصي: لقد أكرمنا الطيب صالح، وكرم الأدب العربي والأدب العالمي بأعماله التي كانت قد تفجرت بروايته ''موسم الهجرة إلى الشمال''، ويذكر إخلاصي: أن ''موسم الهجرة إلى الشمال'' كانت قد نشرت في مجلة ''حوار'' في العام ست وستين من القرن الماضي، وقد فوجئت برئيس تحريرها توفيق صائغ يدعوني لأكتب عنها· وأعترف بأني خفت عدم الارتقاء إلى مستوى الرواية، إلا أنني أقدمت لإحساسي بأن الرواية ستكون الآن ومستقبلاً درة الأعمال الأدبية، وسيكون لي شرف الكتابة عنها· وتمر الأيام في متابعة الطيب صالح، فأسعى إليه في لندن حيث يعمل· كان اللقاء معه في نادي الإذاعة، وكان أبرز مذيعيها، لأكتشف أن ذلك الأسمر السوداني لا تختلف إنسانيته عن بريق عبقريته· وكان لقاء لنا يوم فوزه بجائزة الرواية العربية في القاهرة منذ سنوات قليلة· قبلته امتناناً بما منحه للرواية العربية والعالمية· حميد: خصوصية جمالية ويرى الروائي الدكتور حسن حميد: إن النظر في تجربة الراحل الطيب صالح يؤكد على أمور اجتماعية وأدبية وفنية عدة لعل في طالعها: أولاً أن تجربته الروائية لم تتشكل وتتطور داخل البنية الأدبية العربية، وإنما تشكلت وتطورت من خارجها، ذلك لأن الطيب صالح انصرف مبكراً للعمل في بريطانيا، فراح ينشر أعماله الأدبية في بيروت بهدوء شديد، فلفت الانتباه إلى أعماله التي قدمت الحياة السودانية (حياة الناس) في أول مظهريات التأريخ الاجتماعي أدبياً· ثانياً: المقدرة الأدبية الفذة على استنطاق الطبيعة من جهة، والذات الإنسانية من جهة ثانية، كي تجهر الطبيعة بجمالها وبكوريتها، وكي تجهر الذات الإنسانية بعذاباتها وما تعرضت له من مآس· ثالثاً: رصد التقابلية ما بين الحياة والهواجس والتطلعات في جهتين من جهات العالم، الأولى: جهة الجنوب ممثلة بالسودان بلد الطيب صالح، والثانية: جهة الشمال ممثلة بالمجتمع الإنجليزي، فهذه التقابلية شخصت الندوب التي تركتها حروب الشمال في بلاد الجنوب في جسدين اثنين: جسد الإنسان وجسد الأرض، وفي ذهنيتين اثنتين: الأولى جنوبية أريد لها أن توصف بالتخلف الأبدي، والثانية شمالية أريد لها أن توصف بالتفوق الأبدي المطلق· رابعاً: حظيت تجربة الطيب صالح بخصوصية جمالية ذات بكورية غير مسبوقة، ذلك لأنها لم تماش تقاليد الكتابة الروائية الغربية المعروفة، وإنما هي تجربة أدبية مكتوبة بالحساسية الشعبية، التي تنتسب إلى المدونة الحكائية العربية الأولى ''ألف ليلة وليلة''، لهذا فإن تجربة الطيب صالح الروائية هي التجربة التي تملأ الفراغ الزمني والفني ما بين زمن كتابة ''ألف ليلة وليلة'' قبل نحو ألف عام، وزمن كتابته لروايته ''موسم الهجرة إلى الشمال''· سليمان: طاقة جديدة أما الروائي والناقد نبيل سليمان، فقد رثى الطيب صالح بأسلوبه الخاص، فقال: لقد نفث الطيب صالح في المكان والزمن والبشر طاقة جديدة، ثم سخر من الموت، وجعله نكتة حين رحل؟!· ويضيف سليمان: في نهاية رواية ''عرس الزين'' تستطيعون منذ اليوم أن تقرؤوا قراءة جديدة، وأن تكتبوا قراءتكم، كما فعلت، فإذا بالسطور تغدو: وصلوا الدار الكبيرة، فاستقبلتنا الضجة، وغشيت عيوننا أول وهلة من النور الساطع المنبعث من كبد السماء وكبد البحر، ومن عشرات المصابيح، لا فرق بين ليل أو نهار، وكانت الروايات تغني، والقراءات توقع، والدلاليك تزمجر، وفي الوسط وقفت فتاة اسمها ''موسم الهجرة إلى الشمال'' ترقص، وحولها دائرة عظيمة فيها جمهرة من الكتّاب والكاتبات، وما لا يحصيه عدّ من القراء والقارئات، يصفقون بقلوبهم وعيونهم، ويضربون بأرجلهم، ويحمحمون بحلوقهم· انفلت الطيب صالح، وقفز قفزة عالية في الهواء، فاستقر في وسط الدائرة· ومن رواية ''بندر شاه'' التمع ''ضو البيت'' على وجه الطيب، فكان لا يزال مبللاً بالدموع، وصاح بأعلى صوته، ويده مشهورة بالراقصة الفتانة ''موسم الهجرة إلى الشمال'': أبشروا بالخير·· أبشروا بالخير· وفارت الدنيا، فكأنها تغلي· لقد نفث الطيب صالح في المكان والزمن والبشر طاقة جديدة، وكانت الدائرة تتسع وتضيق، والأصوات تغطس وتطفو، والطبول ترعد وتزمجر، والطيب صالح واقف في مكانه، بقامته الطويلة، وجسمه الممتلئ، فكأنه صاري المركب· ويرى الروائي السوري خليل صويلح أن النص الاستثنائي للطيب صالح سيبقى في واجهة المكتبة الروائية العربية بوصفه وشماً لا يمحى من الذاكرة· داود: من أعلام الرواية ويقول: الروائي السوري أحمد يوسف داود: برحيل الطيب صالح يرحل أحد كبار الروائيين العرب الذين اشتهروا منذ الستينات، وبرحيله نودع علماً من أعلام هذا الجنس الأدبي الرفيع، ونودع أسلوباً خاصاً به ميزه بين أقرانه ومجايليه· ويذكر داود بأن الطيب صالح كان من رواد القصة القصيرة جداً في أواخر الستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي، إذ نشر عدداً من هذه القصص في مجلة ''حوار'' في بيروت، لكنه قال بعد ذلك: إن هذا الأسلوب من الكتابة لا يناسبني، وهو ليس فناً مهماً!· ويتوقف داود عند التزام الطيب صالح بالقضايا الوطنية والقومية ولاسيما القضية الفلسطينية، ويذكر أن الراحل كان عاشقاً للأمة العربية وحضارتها، وأنه كان يعتبر المتنبي إمام الشعر العربي الأكبر، لأنه وصل بالمعاني إلى مداها الأقصى، فكان شعره كله عظيماً· مروة: كان مدهشاً ويقول الأديب إسماعيل مروة: عندما يرحل الطيب صالح ترحل قامة أدبية وفكرية وروائية لم تكتب للسودان وحده، وإنما كتبت للعروبة جمعاء، وحسب الطيب صالح أنه أرخ للرواية العربية لتواصله مع الشمال، وكان أدبه الأنموذج الذي درس طويلاً ولا تزال لحظة الانبهار ماثلة أمام أعيننا، وتوجت لحظة الانبهار بدهشة الرحيل الذي كان الطيب صالح على موعد معه، وكنا أدباً وأمة بأمس الحاجة إليه· رحل الطيب صالح حاملاً معه دليل تفوقه وتفرده وطزاجته، واستطاع أن يحمل هماً عربياً وأرقاً سودانياً ليقول ها نحن بكل أوزارنا وأخطائنا· فاهنأ أيها المبدع لأنك كنت المبدع والمدهش في الإقامة والكتابة والرحيل· الحضور والغياب تقول الإعلامية والشاعرة السعودية ميسون أبو بكر: كانت هجرة الطيب الصالح هذه المرة إلى حيث لا نستطيع أن نقرأه أو نراه أو نتواصل معه حول حرفه الذي كان يأتي على هيئة رواية أو مقال، هجرنا حيث لم نستطع أن نودعه أو نصافحه، كان عبر إلى أرواحنا عبر روايته ''موسم الهجرة إلى الشمال'' والتي وضعت وطنه على خارطة الإبداع ممثلا بهذا الأديب الذي نقلها إلى الآخرين ونقله عشقه لها ليعبر به العالم· منذ زمن ما يقارب العام وأنا أخشى أن صحته ليست على مايرام ، كانت مكالمتي الهاتفية له لأرتب معه مشاركتي في برنامجي الستين دقيقة، بدا متعبا والزمن والسنين التي يحملها حملته الكثير، لكن فكره كان ساطعا ومشرقا ومتقدا لم تؤثر فيه الأيام كما على صوته وملامح جسده· في لندن كان يعيش وكله هنا في شرقنا العربي، هناك كان يشرق بشمسه في ديار يحجب فيها الضباب سطوع الشمس، وكان يؤكد حضوره أيضا لأنه كان مشاركا في عدد من الفعاليات والمناسبات الثقافية التي تصله بالوطن العربي· ويقول الروائي عبدالسلام المودني معبرا عن أسفه وحزنه لرحيل روائي بارز ومؤثر كالطيب الصالح: لاشك أن رحيل كل مبدع عنا هو خسارة كبرى، ورحيل الروائي الكبير الطيب صالح أكبر من خسارة، ذلك أنه واحد من الذين طبعوا الساحة الأدبية العربية بمداد التميز والعبقرية· لكن هل يرحل العظام فعلا؟ من اللائق الحديث عن الحضور في الغياب عند استحضار هؤلاء الكبار الذين أثروا فينا، وخلفوا إرثاً تعجز كواهلنا عن حمله، فأرواحهم تظل حاضرة في كل أعمالهم، وتجاربهم تبقى معيناً لا ينضب عطاؤه، حتى بعد أن يملوا منا ويختاروا تأبط أجسادهم والتيه بين العوالم والحيوات· لغة فريدة وتقول الشاعرة السعودية هاجر شرواني: يعنيني شخصيا أن أقول في العملية الابداعية أول ما يلفت نظري إليها هو اللغة نعم لأنها المادة التي يعتمد عليها الصانع (صانع الابداع) ولغة الطيب صالح من اللغات الفريدة التي أوصلت المتلقي إلى نشوة الإحساس باللغة واهميتها· لغته القصصية فريدة هكذا تبادر إلى ذهني وأنا ألتهم سطور ''موسم الهجرة'' و''عرس الزين'' وغيرها وربما علي أن أخلق أنا الأخرى لغة فريدة تليق بقامة الطيب حتى أقيم وأقرأ إبداعه لأنني كما أسلفت له لغة خاصة تذكرنا بالعظماء وانطباعي عن هذا الابداع أقتنصه من قلمه هو ففي رواية ''موسم الهجرة'' كأنني به يقدم بطاقته الشخصية لكل من يسأل من هو الطيب صالح يقول: ''إنني مختلف··· كنت مثل شيء مكور من المطاط تلقيه في الماء فلا يبتل ترميه على الأرض فيقفز··· أنا مثل عطيل عربي أفريقي''· وهذا يؤيد نظرية أن الكاتب ما هو إلا خطيب بارع يسرد علينا سيرة حياته مع نوع من التظليل والخداع لدرجة تضعنا معه على نفس المسرح· وتضيف شرواني: الحق أن الطيب صالح مثلما اطلق عليه عبقري الرواية العربية وهو صاحب القلم الوسيط الذي ربط بحبره بين الثقافتين العربية والغربية بل وأظهر لنا محاسن الثقافة العربية ولن أتجنى على أحد حين أقول إن الروايات الحديثة لو سارت على نفس القوة التي وسمت الروايات الجميلة من الزمن الجميل لما أحسسنا بهذا الفراغ وهذه المسافة بين ما نقرأ اليوم وما التهمناه بالأمس· وفي شهادتها تقول الكاتبة والشاعرة منى ظاهر: إنّ الكاتب السوداني العربي الطيّب صالح باطلاعه الواسع على القضايا المعيشيّة، وتنقلاته المهنية والأكاديمية بين بريطانيا وفرنسا والسودان والخليج العربي، وبتجربته الغنية المنعجنة بروايات تتمحور حول موضوعات الاستعمار والسياسة والجنس والمجتمع العربي، قد أثرى العمق الحقيقي لإبداعنا، هو أحد رواد الرواية الحديثة والذي ترك بصماته المهمة في جسد خريطة الإبداع الحقيقي·· وتضيف: ولا بد لي هنا أن ألتفت إلى رواية ''موسم الهجرة إلى الشّمال''، والتي تعتبر من أشهر أعمال الطيب صالح· وكما يذكر محمد عزام في كتابه ''البطل الإشكالي في الرواية العربية المعاصرة'' بأنّها رواية متميّزة من ناحية فنية بسبب اعتمادها على تدمير الأزمنة وعلى المونولوج الداخلي وعلى علاقات منطقية في داخل النص· ويختصر الكاتب السعودي علي مغاوي حديثه عن الطيب الصالح إذ يقول: الطيب صالح استنطق الأنوثة العربية على لسان ''بت مجذوب'' وحدد ملامح الغربة العربية بتداعيات محطات الجسد التي لا توجد هناك بتفاصيل القبيلة· ميكانيزم الرواية واعتبرت الشاعرة أسماء صقر القاسمي رحيل الطيب الصالح كارثة أدبية فجع من خلالها أهل الأدب والفكر العربي، فهو الروائي الذي استطاع أن يترك بنفسه بصمة خاصة في المشهد الروائي العربي ويكفي أن نتذكر هنا روايته ''موسم الهجرة إلى الشمال'' التي اعتبرت بعيون النقاد من بين أهم الروايات العربية التي استطاعت أن تحرك ميكانيزمات الرواية العربية· وتستدرك أسماء صقر القاسمي: لكن الشيء الذي لا يسعني إخفاؤه هو أن مبدعينا ومفكرينا العرب وجب علينا أن نكرمهم ونهتم بهم وهم على قيد الحياة وليس فقط بعد رحيلهم· وتقول الشاعرة فاطمة بوهراكة: مما لا شك فيه أن رحيل مبدع من حجم الروائي الطيب صالح سيترك فراغا واضحا في المشهد الأدبي بصفة عامة والروائي بشكل خاص خاصة أنه قد ساهم في إغناء المكتبة العربية بمجموعة من الروايات الجادة على رأسها ''موسم الهجرة إلى الشمال'' التي شكل من خلالها حوارا متميزا بين الشق العربي والغربي· ولعل تواجده في أهم ملتقيات السعودية في الجنادرية لدليل قاطع على مدى أهمية هذا الرجل في صناعة جيل روائي جديد ورحيله يعد خسارة كبرى للحقل الأدبي العربي· شمس الدين: الكلمة والمعرفة الكاتب والشاعر محمد علي شمس الدين قال: لقد اثر بي موت الروائي الطيب صالح كما اثرت بي قصصه ورواياته منها ''دومة ود حامد''، ''موسم الهجرة إلى الشمال'' و''عرس الزين'' و''نخلة على الجدول'' فوجدت فيه مسألتين، الكلمة والمعرفة، يضاف إلى ذلك قدرته الإبداعية على السرد الروائي وكتابة رواية حديثة مبتكرة، ذلك أن روايته ''موسم الهجرة إلى الشمال'' كانت تمثل تلك السمة بين عالمين عالم الجنوب ويرمز به إلى بلاد الشرق عامة والسودان خاصة وبين الشمال ويرمز به إلى عالم الغرب· ففي هذه الرواية حيل روائية وتقنيات في السرد وتداخل في الأشخاص ووصف حار للميول والنزعات حيث ينتقم فيها ببطلها مصطفى سعيد السوداني الذاهب إلى إنجلترا ليتزوج من بريطانية وينتقم من الاستعمار البريطاني للرجل المسلم الشرقي· أضف أيضاً كلمة على الروائي وهي أنه كان ودوداً ليّن الحواشي وكان قارئاً عظيماً ومحباً للشعر العربي القديم خاصة شعر المتنبي· كبريت: الشفافية والألم المفكر والكاتب رضا كبريت قال: لا شك أن في خسارة الطيب الصالح ألماً من نوع آخر فهو واحد من اولئك الأدباء الذين لطالما نجحوا في التعبير عن واقعهم الذي لا يعني الكثير للبعض، بلغة روائية اتسمت بالشفافية والجرأة والألم، يعبر الطيب صالح بوصفه الأرض والفقر من خلال معاناة مر بها· مع العلم لم تحده هذه المعاناة عن إكمال مشواره الروائي· هو ابن الأرض العنيد في الروح والسرد والوصف والعلاقة· هو المتواضع البسيط الطيب· منهجه خاص في الكتابة من خلال اطلاعه الواسع على الأدب العالمي وثقافته العميقة· هو من صناع الحقيقة من حبر على ورق· ارآه المدخل لطريق الروائيين في الجيل الجديد· لا لن يمر على الأرض وفي يومنا هذا، عبقري كالطيب صالح· جماجيان: تعبير عصري واعتبر الفنان والممثل بيار جماجيان رحيل الطيب صالح خسارة كبيرة للثقافة العربية وقال: تعرفت إليه في آخر زيارة له الى بيروت في منتدى ثقافي بحضور وزير الثقافة يومها غسان سلامة· فكان إنساناً طيباً وصادقاً بنكهته العربية والتعبير العصري وفي الوقت نفسه كان قادراً بجذب كل من رآه بعذوبيته وأخلاقه العالية ليقترب إليه· كان يمتلك صداقات كثيرة في بيروت وهو معروف في الوسط اللبناني بأدبه وكتاباته ورواياته عرفته عن قرب وكان أكثر الحضور يسألونه عن إصداراته وعن الجوائز التي منحت إليه في كافة أقطار العالم، وروايته الشهيرة ''موسم الهجرة إلى الشمال''· في أثناء حديثه إلينا كان يرى الكتابة ملحقاً لحياة الكاتب من ضمن مشاغل أخرى لأن الكاتب والفنان الممثل يعطي أكثر مما يأخذ، والبدل في هذه الاختصاصات معنوي أكثر ما هو مادي· نوبلي ·· بلا جائزة ولد الطيب عام 1929 في قرية ''كرمكول'' ودرس في كلية العلوم بالسودان وتخرج فيها، ثم رحل الى لندن عام 1952 ليعمل بالاذاعة البريطانية وهناك درس العلوم السياسية، ثم عمل بعد ذلك خبيراً بمنظمة اليونسكو في باريس ومنها الى منطقة الخليج حيث عمل مندوباً لليونسكو في الكويت ثم وكيلاً لوزارة الاعلام بالدوحة ومنها إلى باريس ثم لندن وكان يمتلك بيتاً في حي المهندسين في العاصمة المصرية يقضي به شهوراً كل سنة، وفي عام 1996 صادرت حكومة الإنقاذ في الخرطوم روايته ''موسم الهجرة إلى الشمال'' وكان في القاهرة وقتها وغضب الكتّاب من تلك الخطوة، وكان هو يحاول تهدئة الجميع مبدياً عدم دهشته مما جرى، فقط تساءل ''من اين جاء هؤلاء وكيف يصادر عمل بعد ثلاثين عاماً من ظهوره، حتى لو كانت به أخطاء؟!!'' وفي عام 2005 دُعي لزيارة السودان، واتهمه بعض المعارضين بأن لديه ميولاً تجاه السلطة، ولم يكن الرجل في سن تسمح له بشيء مما تقولوا عليه به، فقط دُعي إلى وطنه فاستجاب، وقبل شهور رشحته مؤسسات سودانية لنيل جائزة نوبل، وعلى الرغم من أنه ليس من حق مؤسسات رسمية ترشيح احد لجائزة نوبل، فإن هذه الخطوة كانت تحمل اعتذاراً مجدداً من حكومة السودان للطيب ولفتة تكريم نحوه، لكنه كان قريباً من نوبل لأن ''نادين جورديمر'' الحاصلة على نوبل قالت لمحمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب في مصر أنها رشحت الطيب لنوبل· الطيب صالح عاش معظم سنوات حياته في أوروبا، لكنه كان عصياً على التغريب وظل طوال حياته عروبياً صادقاً وسودانيا حقاً، لم يكتب بالإنجليزية كما فعل البعض، وظل يكتب بالعربية ومفتوناً بالمتنبي وأبي العلاء المعري· وقبل كل هذا وبعده كان إنساناً نبيلاً وكريماً، وهذا ما جعله موضع محبة وتقدير الكثيرين ممن عرفوه ومن قرأوا أعماله· على هامش رحيل نوّارة الثقافة السودانية حكاية موسم الهجرة إلى الشمال؟ شهيرة أحمد ثمة تقليد في قرى شمال السودان (يمكن العثور على ما يشابهه في بلاد الشام أيضاً)، وهو أن تطلق الأسرة على الطفل الذي يعيش بعد أن تفقد الأم حملها أكثر من مرة، لقب الطيب، لأنهم يعتقدون أن ''الطيب'' اسم تحل به البركة إذا كانت الأسرة تفقد مواليدها، وهذا ما فعلته والدة الطيب صالح، من دون أن تنتبه أن هذه ''البركة'' لن تكون قصراً على الأسرة فقط، بل ستمتد إلى الثقافة العربية لتمنحها هذا الصوت الإبداعي الخاص والمتفرد· الطيب صالح ليس بدعة بين المبدعين الذين حالفهم الحظ في عمل ما يبقى خالداً في الذهن، فيغطي على إبداعاتهم الأخرى، وهم شوارد إبداعية نعثر عليها هنا وهناك· في حالات كهذه يرتبط اسم الكاتب بعمله الإبداعي ويسكنه الى الأبد، ويقترن به في علاقة لا تنفصم، وهذا ما حدث مع الطيب صالح، الذي منحته روايته الشهيرة ''موسم الهجرة إلى الشمال'' فضلاً عن الشهرة وذيوع الصيت، لقباً يغبطه ويحسده عليه روائيون كثر وهو ''عبقري الرواية العربية''، وسواء كنا مع هذا أو ضده، سيبقى هذا اللقب علامة فارقة نميز بها الطيب صالح من غيره، ونعرفه به كما نعرفه من لونه واسمه وملامح وجهه· فعلى الرغم من أنه كتب غيرها عدداً من الروايات والقصص القصيرة التي لا تقل عنها فرادة وتميزاً مثل ''عرس الزين'' و''بندر شاه'' ظل الطيب صالح موشوماً بـ ''موسم الهجرة إلى الشمال'' لكن ما هو السرّ الكامن وراء ذلك؟ لاعتبارات ليست كلها إبداعية بالضرورة، خطفت ''الموسم'' البريق، وأحيطت بهالة واسعة من العناية والاشتغال النقديين· فالرواية من أكثر روايات القرن الماضي شهرة، ووضعت حولها الكثير من الدراسات والبحوث، ونالت من التقريظ ما لم تنله رواية أخرى، حتى إنها تحولت لتمارس نوعاً من السطوة الإبداعية التي عانى منها الطيب صالح، كما اعترف هو نفسه ذات مرة، وبات أسيراً لها· فعل المرحلة ويبدو لي أن المرحلة التي ظهرت فيها الرواية (1966) لعبت دوراً في ذلك، وكانت واحداً من هذه الاعتبارات، فقد نشرت في فترة كان أحد انشغالاتها الرئيسة يتمثل في توصيف وتحليل العلاقة بين الغرب والشرق، هذا الموضوع الإشكالي الذي حظي لدى المثقفين العرب والغربيين بأهمية خاصة، وكان المثقف العربي يعيش نوعاً من الصدمة الحضارية، أو التأزم العقلي والانفصام النفسي والتمزق الوجداني بين تقاليد المجتمع العربي المنغلقة التي يحملها على عاتقه، وبين تقاليد الحضارة الغربية المنفتحة التي تصطدم في أحيان كثيرة مع ثوابته الثقافية والحضارية· في هذا المناخ جاءت ''موسم الهجرة إلى الشمال'' لتعالج هذه الإشكالية بجرأة كبيرة (أثارت أحياناً سخط المحافظين) ومتقدمة على أعمال سبقتها (توفيق الحكيم في ''عصفور من الشرق'' أو سهيل إدريس في ''الحي اللاتيني'')· فحظيت باهتمام واسع، نظراً لجرأة الطرح والنظرة التحليلية الثاقبة لهذه العلاقة الإشكالية التي جسدها الطيب صالح عبر بطله ''مصطفى سعيد'' في معالجة رمزية توظف الجنس على نحو تأويلي يجعله معادلاً للصراع الحضاري بين الثقافتين (الغربية والشرقية)· ينضاف إليهما تلك اللوحات التي رسمها للسودان وتقاليده وقريته بتفاصيلها اليومية والحياتية وحمولاتها النفسية والاجتماعية، ودلالالتها الحضارية والروحية، من دون أن ننسى أن الرواية على المستوى الفني قدمت اقتراحها أو مشروعها الروائي الذي يحمل جانباً من علامات التحديث، على المستوى الشكلي والأسلوبي والتقنوي، وأنها حملت خصوصيتها اللغوية على مستوى السرد والحكي، لكل هذه الأسباب وغيرها حصدت ''الموسم'' هذه الأهمية الاستثنائية· الغموض الأفريقي من أفريقيا وأسرارها، ظهرت الرواية في لندن حاملة صور الشرق وغموضه وعوالمه المتمظهرة في البيئة وصورها، وشخوصها، وطقوسها، وتقاليدها التي غالباً ما تبدو للغربيين ''غرائبية'' ناهيك عما منحها الروائي من أسطرة وسحرية آتية من عوالم الطفولة، وبدا أكثر من مرة أنه يكتب ليتصل بذلك الفردوس الضائع الذي فقده وإلى الأبد، فقد ظلت صور الطفولة في ذاكرته تستدعي حنيناً جارفاً لبراءة غائبة ووجوه يخشى أن تذهب هي الأخرى في النسيان وتغرب في بيداء الغربة، وفي هذا يقول: ''كتبت حتى أقيم جسراً بيني وبين بيئة افتقدتها ولن أعود إليها مرة أخرى· وأعتقد أن الشخص الذي يطلق عليه لفظ كاتب أو مبدع يوجد طفل قابع في أعماقه، والإبداع نفسه فيه البحث عن الطفولة الضائعة''· حضور البيئة هذا الحضور الكبير للبيئة ومفرداتها يعزوه الطيب صالح إلى أن قريته ''كانت مختلفة تماماً عن الأمكنة والمدن الأخرى التي عشت فيها، ولاشك أن هذه المنطقة هي التي خلقت عالمي الروائي''· وللقرية أو البيئة الريفية حضور هائل في أعمال الطيب الروائية، لا سيما في موسم الهجرة إلى الشمال، فهي تحضر بكل ما فيها، لتشكل مكاناً روحياً تتدفق صوره حارة طازجة من مختزنات الذاكرة والوجدان؛ رائحة التربة والثمار، اصوات النخل والزرع والطير، حفيف اوراق الشجر حين يداعبها النسيم، ينقلها بكل تفاصيلها وحيويتها، ليس على سبيل اللقطة الفوتوغرافية الميتة بل بكل ما فيها من الحياة المتحركة في البيوت والشوارع والناس، وفي الملابس الشعبية والطقوس والمشروبات والمأكولات والمجالس والطب الشعبي والشعر الذي يوظفه في ثنايا النص ليضع القارئ في لوحة واقعية يرى فيها الألوان والأمزجة ويسمع الأهازيج· من هنا، تعكس أعمال الطيب صالح الروائية، ثراء فكرياً وغنىً في الأبنية والأنساق والعوالم الفنية الآتية من غنى التجربة الحياتية والإنسانية التي يلتقط منها تفاصيل شخوصه وأحداثه، وما فيها من الأصالة والرحابة، والتعبير عن كل ذلك بلغة شاعرية موحية هي أقرب ما تكون إلى الأسلوب السهل الممتنع· فالطيب يمتلك أدواته الفنية، ويتميز بقدرته الفائقة على السرد والحكي لبلورة الفكرة ونسجها في تفاصيل شديدة الخصوصية، وفي بناء متكامل يتداخل في معماره الروائي الواقع بالخيال، والحقيقة بالأسطورة، وتتجاور أحياناً وتندعم أخرى في هذا المعمار الروائي اشكال شتى من التعبير الأدبي لتسهم في إيصال العمل إلى المتلقي، وتضعه في صورة الحياة التي تظهر ثرية، في تداعياتها وأسرارها وأشواقها وجمالياتها المختلفة· جماليات فنية بجانب هذه العوالم المضمونية، ثمة عوالم اللغة التي يتقن الطيب أسرارها، ويلعب بمهارة على مترادفها ومتشابهها ووظائفها النفسية والجمالية، مستخدماً لغة متعددة المستويات، بحيث تحمل خطاباً فكرياً عميقاً في قوالب بسيطة وبعيدة الغور في دلالاتها في الوقت نفسه، كما أن لغته توظف جميع الحواس (السمع، الذوق، الشم، البصر) لكي توصل القارئ إلى حالة يشعر معها أنه يرى الموقف الموصوف ويدركه ويحسه ويشعر بحركاته وسكناته· فالطيب الصالح، لطالما أراد للرواية أن تعبر عن فكره الموسوعي، وأن تحيط بعالمه الفكري وجوانياته وتفرعاته وهواجسه الحضارية والأدبية والسياسية والمجتمعية وحتى صبواته التراثية· فالطيب كاتب صحافي، وسياسي ومؤرخ وحكواتي ومهتم بحقوق الإنسان، وإن غابت هذه الجوانب وراء صورة الروائي الذي ذاع صيته، وهي جوانب لا تقل أهمية وثراء عن صورته الروائية والإنسانية· ثمة درس خفي يمكن أن يخرج به المرء من ''حكاية الشهرة'' الخاصة بهذه الرواية لا علاقة له بعوالمها، بل بالطيب صالح نفسه، وهو التواضع، ففي الوقت الذي يجمع النقاد على اختلاف اتجاهاتهم على أنه غزا العالمية مثلما غزا ''مصطفى سعيد'' بطل روايته أوروبا، نجد أن مثل هذا الإطراء وغيره كثير، لم يكن ليجعل الطيب صالح يتنازل عن الطيبة والتواضع اللتين تميز بهما، ففي الوقت الذي نجد مبدعين أقل منه بكثير يتيهون على الناس خيلاء، ويملأون المجالس صخباً، ويرهقون من يسمعهم بـ ''أناهُم'' المتضخمة، يتحلى هو بتواضع شديد غير مصطنع، يمكن أن يلمسه كل من يتعامل معه، ويعلق على أهمية روايته التي اختيرت ضمن مئة رواية من أهم روايات القرن العشرين: ''ليس لديّ أي إحساس بأهمية ما كتبت، ولا أحس أنني مهم· هذا ليس تواضعاً لكنها الحقيقة· إذا اعتقد الناس أن ما كتبته مهم فهذا شأنهم لكنني قطرة في بحر، قصيدة واحدة للمتنبي تساوي كل ما كتبته وأكثر''· ''النوارة'' هو الاسم الذي يصف به السودانيون الطيب صالح، فهو ''نوارة الثقافة السودانية'' حسب الكاتب عبدالله علي ابراهيم الذي يؤكد على ضرورة إخراج الطيب صالح من دائرة السودان إلى دائرة اوسع وأشمل عند بحثه ودراسة منتجه الفكري والإبداعي· رغم إقامته الطويلة في أوروبا ظل يكتب بالعربية ومفتوناً بالمتنبي وأبي العلاء المعري تمسك بعروبته واستعصى على التغريب حلمي النمنم حين فاز الراحل نجيب محفوظ بجائزة نوبل عام ،1988 غضب بشدة القصاص الراحل يوسف إدريس واعتبر نفسه الأحق بجائزة نوبل، وانها ضلت الطريق إليه لتذهب إلى ''العجوز'' وكان كثيرون يثقون بأن نجيب محفوظ هو الأحق، لكن أمام عاصفة يوسف، كما وصفها رجاء النقاش وقتها، وهياجه الشديد لم يقل أحد ليوسف إنه اذا كان يستحقها فقد تأتيه فيما بعد، وفي كل الأحوال فإن ذلك لا ينفي استحقاق نجيب محفوظ لها، وكتب عدد من النقاد يحاولون تهدئة أو تعزية يوسف إدريس· وحده الطيب صالح واجه يوسف إدريس وقال له الحقيقة، في حضور عدد من الكتاب والنقاد المصريين والعرب، ما زال بعضهم على قيد الحياة· قال له :''أنت يا يوسف تريد ان تنال كل شيء، أن تكون نجماً تنافس نجوم السينما وكاتب مقال تنافس كتاب المقالات من الصحفيين، وقصاصاً تنال نوبل، وهذا لا يمكن·· ليس متاحا لإنسان أن ينال كل هذا وحده''· واحتملها منه د· يوسف ادريس لانهما كانا صديقين قالها الطيب بثقة وبهدوء وانتهى الأمر عند هذا الحد· كلمات الطيب صالح ليوسف ادريس تعكس شخصية وعقلية الرجل، وقد كان يتعامل مع نفسه بذلك الفهم، فقد كتب روايته ''موسم الهجرة الى الشمال'' التي حققت له شهرة وحضوراً إبداعيا كبيراً في المشهد الثقافي العربي، وكتب قبلها وبعدها بعض أعمال، هو في العموم كان مقلاً ولم يكن من هؤلاء الذين يعتبرون الكتابة الروائية مهنة، بمعنى أنه لابد أن يكتب كل يوم وطوال العام، وليس معنى أنه أصدر عملاً متميزاً أن يلح على القراء كل شهور بعمل جديد، حتى لو لم يكن في المستوى نفسه· وفي شهر مارس 2002 حل الطيب صالح ضيفاً على الجامعة الأميركية بالقاهرة ليتحدث إلى طلابها وجمهور من المثقفين والكتاب، وسأله يومها استاذ اميركي كان يقوم بتدريس ''موسم الهجرة'' لطلابه لماذا توقف عن الكتابة الروائية، فرد الرجل بصوته الخفيض والرخيم: ''لانني لم اعد استمتع بتلك الكتابة'' ولم تعجب تلك الإجابة بعض دارسي الأدب من الحضور فراحوا يجادلونه، ويذكرونه بنجيب محفوظ الذي لم يتوقف عن الكتابة، فاعاد الإجابة نفسها تقريباً ''لأن محفوظ يستمتع بتلك الكتابة''· وأياً كان الرأي فقد عبر الرجل عما بداخله، لذا لم يكن يكتب إلا ما يريد أن يكتبه، وفي هذا السياق لا توجد قاعدة حاكمة، كان نجيب محفوظ غزير الإنتاج وكذلك كان عبدالرحمن منيف وغيرهما، لكن يحيى حقي كان قليل الإنتاج كروائي·· المهم أن يستمتع الكاتب بما يكتب· اصدر الطيب رواية ''عرس الزين'' وبعدها أصدر روايتين وكان المفترض أن تصدر رواية ثالثة بعنوان ''بندر شاه'' لكنه لم يصدرها كما أصدر رواية ''دومة ود حامد'' وانطلقت شهرته مع رواية ''موسم الهجرة إلى الشمال'' التي نشرت في بيروت ثم تحمس لها رجاء النقاش وكتب عنها مقالاً بمجلة ''المصور'' وصدرت منها طبعة في روايات الهلال عام 1969 حين كان يتولاها أحمد بهاء الدين ورجاء النقاش، ومع هذه الط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©