سأبدأ بلحن السطر الأخير، الذي خذلني منذ البداية، فلم أدري ما يجب أن أكتب قبل أن أفتِّش في وبين جيوب ذاكرتي عن الكثير من الصور التي باغتتني فجأة منذ رحلتِ يا جدتي..
رحيلكِ الأبدي كان كالصفعة التي أفاقتني. ألبوم صورٍ مرَّ أمام عيني، صور باهتة، لا تحمل إلا رائحة الحنين التي التصقت في أنفي وجسدي، الشوق الذي يجرني نحو الكفن ذاك، جعلني أنسَّل حتى من نفسي، حاولتُ البكاء فكان صمتي أبلغ، اغتالني هذا الفقد فلم أستطع محو خيبتي واختناق فقدي لكِ، مؤلم أن أحاول أن أكتب حرفاً فأعجز، فغيابك كان يفوقني، ويقزِّمني أمام نفسي، يجعلني عاجزة حتى عن مسح دمعة خانت كبرياء والدي، هذا الفقد اغتال الجميع، وأنهك مشاعرنا، جعلنا عرضة للبكاء والحزن، هتك أجسادنا، فما كان بمقدرتنا، سوى أن ننهض ونبتسم لنروي يومنا بدعاءٍ وترتيل، نخفف عن آلامنا، بأنَّ الله أرحم لها منَّا، أنَّه الذي يحبها قبل أن تولد، وبعد أن ولدت، وشبَّت وشابت، وبعد أن شاخت، وبقيت لأيامٍ كثيرة في سريرها دون حراك.
الجبين الطاهر كان يقطِّر عوداً حين قبلتُّها، جالت عيني باحثة عن يديها، عن تجاعيد وجهها، فلم أجد سوى بياضاً يلفها، وابتسامة عميقة سكنت روحي، وأنزلت في نفسي السكينة، وجدتُ الجميع يبكي، فما بكيت، كنتُ أظنني ضعيفة أمام تلك المواقف، ولكنَّي كنتُ قوية فوق ما تصورت، فدمعتي نزلت حين رحلت، ومسحتها بسرعة قبل أن يلحظها أحد، وبقيتُ أدعو طويلاً، علَّ دعائي يصل إلى أطراف السماء، ويعود لي في حلمٍ جميل، يبشرني أنَّها في نعيم مستأنسة.
جدتي سأخبئك في ثنايا قلبي وأجدكِ كل ليل بين ثنيات صوتي حين أدعو الله بكل خشوع أن يرحمكِ ويرزقكِ الفردوس بإذنه، اليوم شعرتُ بالظمأ ولم أرتو، وشعرتُ بالبرد ولم يحتويني حضن أحد، تمنيتُ أن تعودي لثانية، لأقبل ناحيتك، وأطلب حضنك، وأبكي هناك متأسفة على الأيام التي قضيتها بعيداً عنكِ.
عدد اليوم
