الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الذات الرومانسية والذات المتشظية

الذات الرومانسية والذات المتشظية
25 فبراير 2009 23:47
تظهر الذات عند ميخائيل نعيمة مرتبطة بما هو أبدي، وبما هو غير مألوف وبالطبيعة البشرية العالمية· وهذه الإلماحات تؤدي في المحصلة إلى مقاومة الشخصي ونفي الذات في نموذج عالمي دائم· ويستفيد نعيمة من جبران ليحدد لنا مفهوم الذات، تلك التي يصوّرها على أساس أنها تتمدّد حتى تلامس الذات العالمية· وهذا ما يذكر أيضا بأنيس الخوري المقدسي الذي يرى بأن ''الشعراء يرتفعون عن المادة الباردة إلى الملأ الأعلى، فيرتوون من منابع الوحي الخفيّة، ويقودون البشر إلى ما هو أسمى من المادة''· إن الذات الرومانسية عند نعيمة وجبران والمقدسي متعالية على الشخصي المؤقت في سبيل الأنا الأبدية، ومقاومة للحياة المادية إلى حياة عالمية روحية تمقت خصوصية الفرد، وتنتقل من الذات النفسية إلى الذات المتعالية· وهذا ما يجعل الذات تتسم بالثبات والتشابه من خطاب إلى آخر، وتقود إلى فكرة الهوية الفردية الموحدة التي تؤلف المعنى، ولذلك فعليها أن تتراجع في النقد لمزيد من الموضوعية· لكن الذات في مفهوم النقد السيرذاتي ليست مؤلفة للمعنى بصورة كلية، وإنما هي في الأصل من نتاج المعنى ومبتدعة بواسطة اللغة والأيدولوجيا، فحضورها لذلك في الخطاب النقدي قد يكون حضورا لا يتناقض مع ما هو موضوعي· وبإجمال فإن الذات في الرومانسية تتناقض مع فكرة الذات في النقد السيرذاتي الذي يرى بأن الذات غير مستقرة وثابتة، وإنما تعيد تشكيل نفسها بصورة دائمة، فهي على النقيض من فكرة الطبيعة الإنسانية الرومانسية التي أصبحت غير مقبولة فيما بعد البنيوية، لأنها غير موحدة ومتشابهة نظرا لاختلاف المجتمعات، وهذا ما جعل مفهوم الذات متغير من خطاب إلى آخر، وخاضعا للنظام الرمزي للغة التي يكتب فيها الفرد· والأدب ينتج بلا توقف ذواتا، ويجعلها معروضة للكل، واضحة للعيان، وبمعنى آخر فإننا نستطيع أن نقول بأن الأدب بصورة لا نهائية يحول الأفراد إلى ذوات، ويمنحها حضورا حقيقيا· والذات هنا ليست مقصورة على قرّاء الأدب، وإنما تشمل المؤلف وشخصياته، ولذلك فهي تقف باستمرار بوصفها نقيضا للموضوع والأشياء الثابتة، وهي ليست مركزا ـ كا يتصور النقاد الرومانسيون ـ وإنما مكانا لحدوث الأشياء، لأنها مشيدة بواسطة الأنظمة العرفية، والهوية الشخصية تظهر من خلال خطاب الثقافة؛ لذلك فإنها ليست مستقلة وموحدة ومنسجمة وصافية، وإنما مشيدة عن طريق اللغة والأيدولوجيا، ومتقلّبة وواقعة في الظل· وهذا ما حدا برولان بارت في مقالة ''موت المؤلف'' إلى أن يشير بصورة ضمنية إلى موت الذات الفردية الثابتة المقدّمة بواسطة الرواية الواقعية والنقد النقد التقليدي، فلا يمكن من وجهة نظر بارت أن تكون الذات مصدرا للخطاب والمعنى·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©