رواية الخيال العلمي الأفريقية في ازدهار، وعندما يذكر شيء كهذا فإن الشيء بالشيء يذكر كذلك، فالقارة الأفريقية شهيرة بأدبها وأدبائها الذين رفدوا العالم والإنسانية بكل أشكال الإبداع الكلاسيكي الذي يعود تاريخه إلى مرحلة مبكرة من القرن التاسع عشر والحديث، الشفاهي والمكتوب باللغات المحلية واللغات الإنجليزية والفرنسية ولغات أخرى كالبرتغالية. زخم ثقافي فكري أفريقي حمل هماً إنسانياً وطموحات وأحلام أبناء القارة من شعراء وروائيين ومسرحيين وكتاب، وجاء ليعرفنا إلى التطور الذي يشهده بين مرحلة وأخرى. اكتشاف القارة الأفريقية إبداعياً كأرضية خصبة لرواية الخيال العلمي والتنبؤ بريادتها مستقبلاً تجده شيئاً مواكباً لمجمل هذا التطور الإبداعي، وهو يستند إلى أسس تنقل هذه الرواية إلى مرحلة جديدة من الواقعية بعدما ظلت مرتبطة في أذهاننا بالفانتازيا الخالصة.
يذكر بعض النقاد من المهتمين بالإبداع الروائي الأفريقي أن تطوراً ملحوظاً بات يظهر واضحاً على كتابات عدد من جيل الشباب من مؤلفي رواية الخيال العلمي، وأن هذه الكتابات لم تعد تعتمد على الإطار والمفهوم التقليدي لهذا النوع الأدبي في موضوعاته وتقنياته ووسائل ترويجه، بل تستلهم موضوعاتها بموضوعية مما يدور من حولها من متغيرات وأحداث اجتماعية سياسية فكرية وتكنولوجية، حيث الواقع المرير الذي تعيشه دول منهارة وأشكال الفساد الذي تعاني منه المؤسسات والمافيا التي تنشط عبر وسائل التواصل، وما إلى ذلك من أشكال التكنولوجيا التي تنجح في جعلها تحكم قبضتها على قطاعات عريضة من الشباب المحبطين، تتحول إلى مشروعات إبداعية للنقاش.
والواقع أن تجسيد هذه الرؤى في أعمال روائية يتجلى في أعمال كرواية «السير ببطء» للكاتب النيجيري «نندي أوكورافور» التي يتأمل من خلالها ما يحدث في مدن مثل «لاجوس» من فوضى تأخذ طريقها إلى حياة الناس لتتحول إلى سلوك عام بشع، إسقاط روائي يعبر عنه بالمكان والزمان فقط من خلال إلقاء الضوء على الازدحامات المرورية التي تشهدها المدينة، وهي حالة استثنائية تمتزج فيها لديه الواقعية بالفانتازيا السحرية، وهناك رواية «موكسيلاند» لجنوب الأفريقية «لورين بيكس» التي تقدم من خلالها خريطة جغرافيا اجتماعية تجسد الصورة التي تبدو عليها المدن الكبرى في هذه البلاد، وهي تلخص الواقع المرير الذي خلفه نظام «الأبرثايد» بأسلوب شاعري تميزت به رواية الخيال العلمي لديها على نحو ينقل أدق التفاصيل.
عدد اليوم
