السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حِدَاد الرواية العربيّة

حِدَاد الرواية العربيّة
25 فبراير 2009 23:58
الطّيّب صالح أحَدُ أكبرِ الروائيّين العرب، إن لم يكن أكبرَهم على وجه الإطلاق· وإذا كان الواحد من هؤلاء الروائيين كتب، من حيث الكميّة، أكثرَ منه فإنّ العِبرة قد لا تكون بذلك، وإنما تكون بالنوعيّة، وقوّة التّأثير، وسَعَة الانتشار، وكثرة المعجَبين· وذلك هو ما يقال عن الصديق الطيب صالح ''رحمه اللّه''· إنّ الرواية العربيّة في حِداد، وحُقّ لها أن تَحُدَّ على الطّيب صالح حِداداً، وأن تقيم له مأتماً وعويلاً، وأن تَبكيَه حتّى تَنْفَدَ دموعُها· فلقد ذهب صاحب ''موسم الهجرة إلى الشمال''، ولقد مضى إلى الأبد، ولكنّه كأنّه لم يمضِ، لأنّ مَن يترك وراءه مثل هذا العمل الإنسانيّ العظيم الذي تُرجم إلى أكثرَ من ثلاثين لغةً لا يجوز لأحدٍ أن يَعُدَّه في الأموات· عرفت الطيب صالح لأوّل مرة منذ زهاء اثني عشر عاماً حيث التقيت به في إحْدى العواصم العربيّة المشرقيّة، وقد غمرتْني سعادة عارمة بلقائه فقلت له: أأنا أمامَ صاحب ''موسم الهجرة إلى الشمال''، حقّاً وفِعلاً؟ فقال مبتسماً بصوته الجهوريّ الفصيحِ النبراتِ: نعم! ومنذ تلك المناسبة كنّا نلتقي في الندوات والمهرجانات العربيّة، هنا وهناك، فكان الحديث يمضي بيننا في شؤون من السياسة والفكر والأدب والحياة· ولا أقول جديداً إذا ذكّرت بأنّ ''موسم الهجرة إلى الشمال'' هي التي صنعت مكانة الطيب صالح، وكأنّها غمرتْ كلّ ما كتبه بعدها فطغَتْ عليه، فهي التي بوّأتْه المكانة العالميّة، وهي التي مكّنت في السِّمْعِ الأدبيّ، ومن ثَم فهي التي يجب أن تجعل الأدب العربيّ المعاصر يزدهي، ويختال، ويرْتَئدُ، ويتَرَهْيَأُ أمام أيّ أدبٍ إنسانيّ رفيع!··· فليس الطيب صالح أقلّ من ألبير كامي، ولا مِن هيمنجواي، ولا من غيرهما··· ونحن نعجب، من نصٍّ روائيّ تُرجم إلى معظم اللّغات الإنسانيّة ثمّ لا ينال به صاحبه جائزة نوبل التي كأنّها مخصَّصة للكتّاب ''الخَواجة'' وحدهم! وكأنّ الأدب العربيّ كُتب عليه أن لا يتوَّجَ تارة أخرى، بعد تتويج نجيب محفوظ··· وكأنّ القائمين على تلك الجائزة لا يلتفتون إلى الكتابات العربيّة، شعريِّها وسرْدِيِّها، إلاّ مرّة واحدةً في القرن أو أكثر منه زمناً· وإنّنا نرى أنّ رواية الطيب صالح قد تكون أسبقَ كلِّ النصوص الروائيّةِ العربيّة إلى الانتشار خارج العالم العربيّ، كما أنّنا لا نعرف، نصّاً روائيّاً عربيّاً لقيَ من الرواج والعناية من الباحثين في الجامعات العربيّة، والمؤسسات الأكاديميّة، مشرقاً ومغرباً، ما لقِيَ هذا النص المذهل الذي قُدِّمَت عنه عشراتُ البحوث، إن لا أقُلِ الْمِئات··· فظلّ السهلَ الممتنعَ من الكتابات الروائيّة تنقطع دونه أقلام الروائيّين! فكيف، إذن، يموت الطيب صالح قبل أن يتوَّج بتاجٍ هو حقُّه، وهو نيلُ جائزة نوبل؟ أم ماذا يراد من كاتبٍ لكي يتوَّجَ بهذا اللقب أكثر مما قدّمه الطيب صالح إلى الأدب الإنسانيّ؟ أم كان عليه أن يتّخذَ موقفاً سياسيّاً مهيناً لكي ينال ذلك؟!··· وبعد، فلا مات مَن ترك موسم الهجرة إلى الشمال !
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©