الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غياب رابين... بداية أفول اليسار الإسرائيلي

7 نوفمبر 2010 20:33
يبدو أن اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحاق رابين، قبيل 15 عاماً، في أوج حركة السلام الإسرائيلية قد دشن بداية تراجع بطيء وطويل لليسار الإسرائيلي الذي بات يتهدده اليوم احتمال الدخول في عالم النسيان. ففي العام 1995 وقع رابين على اتفاق أوسلو الذي اعتُبر إحدى الخطوات المهمة نحو تحقيق السلام وإنهاء الصراع المديد بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن التوقيع كان أيضاً العامل الحاسم الذي ألهم قاتل رابين، وفيما كان حزب العمل الذي تزعمه رئيس الوزراء المغتال، قوة حقيقية في المشهد السياسي الإسرائيلي بعدد مقاعد وصل 44 مقعداً، وهو أكثر من ثلث عدد مقاعد الكنيست، أصبح لا يمتلك اليوم أكثر من 13 مقعداً، بل إن استطلاعات الرأي ترشحه لخسارة ثلاثة مقاعد إضافية في حال جرت انتخابات اليوم. ومع أن التعثر الحالي الذي تشهده العملية السلمية بالإضافة إلى سيطرة القوميين المتطرفين والأحزاب الدينية على الحكومة، قد يحشد القوى الإسرائيلية وراء اليسار وحزب العمل، فضلاً عن باقي الأحزاب اليسارية المؤيدة للسلام، يبقى أن القوى السياسية التي أمضت العقود الثلاثة الماضية تدفع في اتجاه سلام نهائي تفتقد إلى قائد كاريزمي، علاوة عن فشلها في تبديد التصور بأنهم مجرد سذج يهرولون وراء سراب السلام. ولعل ما يفاقم الوضع بالنسبة لحزب العمل واليسار الإسرائيلي عموماً هو الأزمة الأيديولوجية التي يتخبط فيها، فتركة اليسار التي ورثها من عقد التسعينيات والمتمثلة أساساً في اتفاقات أسلو، ينظر إليها معظم الإسرائيليين على أنها عملية فاشلة، كما أن برنامجهم المميز والمتجسد في حل الدولتين بات اليوم مطلب الجميع بعدما تبناه نتنياهو، وإن كان تحت الضغط الأميركي المستمر. وبالإضافة إلى الأزمة الأيديولوجية، تنتصب مشكلة الفراغ في القيادة، لاسيما بعد تآكل شعبية زعيم حزب العمل، إيهود باراك، بسبب متوالية من الفضائح والتنازلات عمقتها مشاركته في حكومة نتنياهو الائتلافية. وقد آلت جهوده الرامية إلى إظهار نفسه كقوة موازنة للجناح اليميني المتشدد في الحكومة بالفشل بعدما رفضت الحكومة المطالب الأميركية بتمديد تجميد النشاط الاستيطاني، ما أدى إلى تعليق المفاوضات المباشرة والدخول مجدداً في مرحلة من الركود. وعن هذا التراجع لليسار الإسرائيلي، يقول "روفين هازان"، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية بالقدس، "لنكن صادقين إذا كان أحدهم ناخباً تقليدياً لليسار فلا يوجد اليوم ما يغريه للتحرك وحشد الرأي العام لإنعاش اليسار بسبب انعدام الأهداف المحركة للناخبين". بل إنه في ذات اليوم الذي خُلدت فيه ذكرى اغتيال رابين والمصادف للرابع من شهر نوفمبر الجاري، دخل باراك في صراع مع زملاء له في الحزب يبدو أنهم يرغبون في التخلص منه والصعود بدلاً منه إلى زعامة الحزب. واللافت أن حزب العمل كان القوة السياسية التي مهدت الطريق لقيام دولة إسرائيل وظلت في الحكم طيلة الثلاثين عاماً التي أعقبت قيام إسرائيل. وعندما جاء حزب الليكود اليميني إلى السلطة في عام 1977 ارتبط اسم حزب العمل بعملية السلام الإسرائيلية العربية، وقد تزعم حزب العمل عملية السلام في أوسلو خلال التسعينيات، لكنه تعرض لانتقادات الشارع الإسرائيلي بعد فشل قمة كامب ديفيد للسلام عام 2000 ما أدى إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية ثانية كانت أكثر عنفاً وشراسة. ومنذ ذلك الوقت يصارع حزب العمل، ومعه حزب ميرتز الصغير، لاسترجاع عافيته والعودة بقوة إلى الساحة الإسرائيلية. فقد تراجع حزب العمل منذ ذلك الوقت إلى مجموعة متجانسة تمثل الطبقة الوسطى المنحدرة من دول أوروبية وتتركز تقريباً في مدينة تل أبيب الليبرالية دون مشاركة اليهود العرب من العمال، أو الإسرائيليين العرب، أو حتى اليهود الروس، لكن مع ذلك يحسب لليسار أن أجندته القائمة على حل الدولتين أصبحت جزءاً من الخطاب السياسي المنتشر على نطاق واسع في إسرائيل، بل باتت جزءاً من أجندة السياسيين المحسوبين على اليمين مثل إقرارهم بضرورة تقديم تنازلات في الضفة الغربية للفلسطينيين. وقد كان شارون أول من انسحب من غزة بشكل أحادي وأنشأ بعدئذ حزب الوسط "كاديما"، وفي هذا السياق يقول "نوآم شيزاف"، صاحب مدونة سياسية في إسرائيل، "عندما يتحدث الجميع في إسرائيل عن حل الدولتين ولو لإرضاء العالم لم يعد أمام اليسار من جديد ليقدمه، فلم تعد هناك فوارق أيديولوجية بين باراك ونتنياهو". لكن ذلك لا يعني أن اليسار اختفى تماماً من الساحة بل يرصد العديد من المراقبين تحركات على مستوى القاعدة مثل المظاهرات الأسبوعية التي تشهدها القدس الشرقية من قبل منظمات يسارية تحتج على ممارسات المستوطنين الذين يسعون إلى إخراج عائلات فلسطينية من بيوتهم بحي الشيخ جراح بالقدس، كما ظهرت تحركات اليسار في المظاهرات التي خرج فيها آلاف الإسرائيليين في شهر أكتوبر الماضي احتجاجاً على قانون الولاء لغير اليهود. ومن بين الذين انتقدوا السياسات الإسرائيلية الرسمية "جادي توب"، أحد ناشطي اليسار الذي يعبر عن موقفه قائلاً: "ليس غياب السلام الذي يركز عليه اليوم الخطاب السياسي في إسرائيل هو السبب الذي سيقضي على الدولة، بل الاحتلال، لأنه يقوض شرعيتنا على المستوى الدولي، كما يجرنا -إن آجلاً أو عاجلاً- إلى حل الدولة ثنائية القومية"، مضيفاً: "علينا التوقف عن رهن إنهاء الاحتلال بالسلام وجعل هذا الأخير شرطاً له، فالطريق الأمثل هو إقامة الدولتين ثم بعد ذلك يأتي السلام". جوشوا ميتنيك - تل أبيب ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبورج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©