الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«برلين 69» عودة إلى موضوعة الصدام الحضاري

«برلين 69» عودة إلى موضوعة الصدام الحضاري
27 أغسطس 2014 23:30
«برلين 69» الصادرة قبل أيام عن منشورات دار الثقافة الجديدة في القاهرة في 251 صفحة من القطع المتوسط، هي العمل الثامن عشر للروائي صنع الله إبراهيم (مواليد عام 1937)، وهي رواية ساخرة جريئة مثيرة للجدل، مثل كاتبها الإشكالي مع كل رأي أو منجز إبداعي يصدره، خاصة بعد رفضه تسلّم جائزة الرواية العربية عام 2003 التي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة في مصر، والرواية كالعادة تغمز في قناة الواقع المصري، وتنضم في فكرتها وروحها إلى روايات المؤلف التي تدور أحداثها في أماكن مختلفة من العالم، فعلى الصعيد السياسي، تتماهى مع مرحلة الانقسام التي كانت تعيشها ألمانيا عام 69، كما كانت مصر آنذاك تعيش ذروة حرب الاستنزاف بعد عامين من هزيمة عام 67، والآثار الخطيرة التي تركتها على المناحي كافة في المجتمع والحياة المصرية، وهي على وشك أن تفقد زعيمها جمال عبد الناصر، وعلى الصعيد الاجتماعي والإنساني، فتناقش الرواية بجرأة عالية طموحات الشباب المصري في الهجرة، والركض وراء أحلام زائفة، والحياة الحرّة المنطلقة بلا قيود (ليس من الصعب معرفة ما كان يدور في أذهان الشباب المصريين الذين ابتلعتهم مياه البحر المتوسط طوال سنوات التسعينيات، من القرن الماضي، والعشر الأول من القرن الجديد، أثناء محاولة التسلل إلى البلاد الأخرى، فلن يتعدى الحلم بالعمل والسكن والحياة الكريمة، لكن الأمر لم يكن كذلك في عام 69، رغم الآثار الخطيرة التي تركها العدوان الإسرائيلي قبل عامين)، وهو ما حدث مع بطل الرواية الذي حزم حقائبه من القاهرة، في رحلة إلى برلين، هدفها الرئيس الحصول على النساء الحسناوات الشقراوات، وهو ما عمل عليه خياله طوال الرحلة. وفي برلين، يتعرض بطل الرواية لمواقف صادمة مختلفة، حتى يستقر قي شقة مفروشة، وتقابله في السكن ابنة صاحب الشقة «روزي» التي تملك كل مواصفات الجمال التي حلم بها طوال عمره، ويبهرنا صنع الله في استخدامه البارع لتكنيك الحلم الواعي والخيال الحر، فهذه الشقراء، قد أصبحت مركز تفكيره، إنه يتخيلها في كل لحظة، وكيف تتسلل إلى شقته، تبادله الحب والعاطفة. نعم فتيات أوروبا سهلات، وشديدات الإعجاب بالشباب العربي من ذوي البشرة السمراء، كما أخبره أصدقاء عاشوا في تلك البلاد. وفجأة تحضر روزي، بكل بهائها وجمالها وفتنتها، لا لكي تحقق ما في خيالاته، بل لتقول له: أبي يطلب منك الرحيل ومغادرة الشقة، وأنا لست معجبة بشخصك. ومن أجواء الرواية وما تحفل به من حوارات، هذا الديالوج الذي يختصر عمق الرواية وفكرها: «قالت روزي: الناس في عصرنا تعساء لأنهم فقدوا إيمانهم بالدّين. ثم تطلعت إلى قدميها البارزتين من حذاء صندل عقدته برباط دار حول مقدمة ساقها في دورات حلزونية، وكانت أظافرها مصبوغة بلون أحمر قان، قلت: الشيوعيون أيضاً كانوا أكثر سعادة منذ عشرين سنة أو أكثر عندما كانت الشيوعية كالدّين. ثم حدثتها عن صلاة عيد الأضحى، والنشوة التي أشعر بها عندما أسمع ترانيم آلاف المصلين في الفجر: الله أكبر كبيرا. . ». في «برلين 69»، نعيش كل متناقضات الصدام الحضاري بين ثقافتي الشرق والغرب، كما أننا لسنا بصدد سرد وقائع روائية على الطريقة التقليدية، فالواقعية عند صنع الله، ليست مجرد سرد للواقع، ولكنها ذهاب بغير عودة في دهاليز النفس البشرية في سلاسة وليونة شديدة. لقد عاش صنع الله في الظل، مثل شخصياته التي لا تراها إلا متماهية مع قضية أو فكرة جدلية، يكتب ويتأمل فيما يحدث من حوله بكل شفافية، من تغيرات في هذا الواقع المرير المؤسسي الذي أنتج لنا صيغة روائية حداثية، تكشف كم في حياتنا من كذب وخداع وتزييف وأحلام ضائعة وأقنعة تسترها أضاليل الإعلام والسياسة وشعاراتها المحطمة لكرامة الفرد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©