الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نص مجاني وممثلون من غير أجور لفضح اعتداءات إسرائيل

نص مجاني وممثلون من غير أجور لفضح اعتداءات إسرائيل
26 فبراير 2009 00:05
هذه أغرب مسرحية كتبت وعرضت منذ سنوات· فمدة عرضها لا تتجاوز ثماني دقائق على مسرح ''رويال كورت'' في لندن، والنص أقرب إلى القصيدة التي تهجو وتذكر وتدفع المشاهد إلى التفكير بالمسلمات· المؤلفة المسرحية كاريل تشيرشل كتبت نصها على عجل وتبرعت به من غير أجر، بل ووضعته على الموقع الإلكتروني للمسرح لمن يريد الاستعانة به في أي مكان في العالم· الممثلون الثمانية أيضاً مثلوا النص مجاناً وكذلك فعل مدير المسرح والمخرج الشاب دومنيك كوك· وكان الدخول إلى المسرحية مجاناً، على ان تنتهي العروض بالتبرع لمنظمة ''ام اي بي'' الطبية لمساعدة الفلسطينيين· وهكذا اثبت المسرح أنه أسرع الوسائط الفنية الأخرى في التعبير عن قضايا العالم الآنية· كتبت كاريل تشيرشل نصها على شكل سبعة مقاطع ''مشفرة'' إن جاز التعبير، تحيل إلى تاريخ الدولة الإسرائيلية والأكاذيب التي قامت عليها في إقناع شعبها بأحقيته بالأرض التي احتلها وطرد سكانها العرب، تحت ادعاء أنها كانت أرضاً بلا شعب· يفترض كل مقطع من مقاطع المسرحية حكاية أسرة إسرائيلية مكونة من عدة أفراد، من الآباء والأجداد إلى الأعمام والخالات الخ·· يجتمعون في كل مشهد ليناقشوا مقترحات الخطاب الذي يجب توصيله لطفلتهم الصغيرة حول تاريخ إسرائيل وقيامها على أرض أخرى، ومن هم الشعب الذي كان يعيش على هذه الأرض، وكيف يجب أن تنظر للآخر تماماً، هل هو عدو يريد رميها وأهلها بالبحر، أم أنهم هم الذي سيفعلون ذلك بالعرب، إلى آخره من تداعيات تصل إلى العدوان الأخير على غزة، كما نفهم من السياق ومن غير ذكرها بالاسم، كأنما ليكون النص مفتوحاً لاحتواء أي اعتداءات قادمة من إسرائيل ضد الفلسطينيين· تفضح المسرحية القصيرة جداً ''سبعة أطفال يهود ـ مسرحية لغزة'' كيف تتورط عوائلهم في الكذبة الكبرى· وتكشف عن تشوش المجتمع الإسرائيلي، حد التناقض، حيال الصورة التي يجب أن يقدم من خلالها تاريخه القريب، والانقسام العميق في الخطاب التاريخي الرسمي الموجة للأجيال الجديدة· المقاطع مكثفة وتحيل إلى مجمل الخطاب الصهيوني من دون تسميته بالاسم، معتمدة على ذاكرة الجمهور ومتابعته لقضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني· تفترض المؤلفة في كل مقطع/ مشهد، أن مخرج النص سيتصرف في عدد الأشخاص المتحدثين وتوزيع المقولات على ألسنتهم· من ناحيته، استغل المخرج ''دومينيك كوك'' المساحة المربعة لخشبة المسرح ليضع طاولة وبعض الكراسي، فقط، وتركت الجدران عارية تماماً، مما ساعد المتفرج على التركيز على ما يقال ويحدث أمامه· في كل مقطع/ مشهد، يتوزع الحوار على الممثلين الذين يفترض أنهم من عائلة الطفلة محل القلق· أفراد الأسرة من مختلف الأعمار: كبار في السن، متوسطي العمر، وشباب، كلهم بالغون ويدركون حقيقة ما يتفوهون به· خلا النص من دون أي ظهور للأطفال· قدمت المقاطع ببساطة إخراجية تتسق وبساطة النص· يفصل بين المشاهد عتمة واضاءة سريعة، بينما يقف الممثلون الذين انتهت مشاهدهم، لصق واحد من الجدران الثلاثة بانتظار أدوارهم في المشاهد اللاحقة، وفي تلك الأثناء يستبدلون ستراتهم، أو أي قطع ثياب، بأخرى تدلل على شخصيات جديدة في المقاطع اللاحقة· أثارت المسرحية جدلاً في الصحف البريطانية حول ما إذا كانت كتابة وإخراج النص بهذه السرعة في أعقاب الحرب على غزة، كانت استجابة أسرع مما يحتمل المسرح عادة· بينما اعتبر البعض الآخر الحدث نوعاً من البروباغندا الإعلامية المضادة التي لا تخدم المسرح· وفي المقابل، هناك من رحب بالتجربة، ومن هؤلاء الناقد المسرحي دومينيك كافنديش الذي كتب مقالاً في صحيفة ''ذا ديلي تلغراف''، دحض فيه الرأيين السابقين، بالقول إنه إذا لم يكن المسرح تحديداً هو الذي يتصدى للأحداث المعاصرة، سواء كانت أزمة الشرق الأوسط أو انهيار الاقتصاد العالمي، فانه سيكون مجرد واسطة مهمشة وضعيفة· وقال إن بإمكان المسرح أن يحفر عميقاً في مانشيتات الأخبار اليومية ويستخلص منها ما يمكن قوله· فإذا كانت النشرات التلفزيونية قد اطلعتنا على بشاعة الاعتداء الإسرائيلي على غزة، فإن المسرحية ذكرتنا بأن الأطفال هم دوماً أولى ضحايا أي حرب· ويرى المخرج دومنيك كوك وهو المدير الفني لمسرح ''رويال كورت'' في الوقت نفسه، أن الرأي الذي كان يرى في السباق ضرورة ابتعاد المسرح عن الخوض في القضايا السياسية المباشرة، تغير في السنوات الأخيرة نحو مزيد من الاندماج في هذ القضايا· أخيراً فإنه من الأمور التي خدمت مسرحية ''سبعة أطفال يهود''، تقديم العرض اليومي في مسرح ''رويال كورت'' مباشرة بعد انتهاء عرض مسرحية ''الحجر'' للكاتب الألماني ماريوس فون ماينبيرغ، التي تتحدث عن الأطفال الألمان بصفتهم ضحايا تضارب المعلومات حول ماضي بلادهم وحاضره، خصوصاً في ما يتعلق باضطهاد اليهود من قبل هتلر ونظامه النازي الذي أقام لهم المحرقة· إنها المصادفة الطيبة التي جعلت من العرضين وجهين لذات المضمون، يكون فيه أحد الأطراف ضحية في مرة، وجلاداً في مرة أخرى، وكأن التاريخ لا يعلم البشر أي دروس·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©