الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كازانيكرا ·· أبطاله من المشردين

كازانيكرا ·· أبطاله من المشردين
26 فبراير 2009 00:08
استأثرت مدينة الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية للمغرب باهتمام صناع السينما المغربية والعالمية فكانت المادة الرئيسية للكثير من الأفلام أشهرها الفيلم العالمي ''كازا بلانكا'' وآخرها فيلم ''كازانيكرا'' للمؤلف والمخرج المغربي نور الدين لمخاري· هذا المخرج الذي كان يحلم في صباه بزيارة الدار البيضاء وكانت أمه تعده وتغريه بالسفر إليها إذا نجح في دراسته، وما لبث أن تغيرت نظرته عن هذه المدينة التي كان يعتبرها في الأمس القريب رمز الحضارة والانفتاح والتطور، وتحولت إلى نظرة سوداوية يعكسها اسم الفيلم الذي حوّل مدينة الدار البيضاء الى ''المدينة السوداء'' وهي ترجمة للمصطلح الإسباني ''كازانيكرا''· وحاز الفيلم الذي بدأ عرضه مؤخرا إعجاب النقاد والسينمائيين، خصوصا أنه شكل نقطة تحول كبير في التعاطي مع مدينة الدار البيضاء، حيث خلع المخرج لخماري عن هذه المدينة العملاقة عباءتها الرومانسية، وقدمها بصورة حقيقية تعكس واقع المجتمع الحالي لمدينة تعد ثالث أكبر مدن شمال افريقيا وتضم ما يقارب 6 ملايين نسمة، وكمثيلاتها في المدن العملاقة هناك الجانب المضيء المبهر وهناك الجانب المظلم القاتم، وهو ما حاول الفيلم التركيز عليه والتنبيه إلى ما يمكن أن يؤدي إليه الفقر والتفاوت الطبقي والصراع من أجل البقاء· ورغم أن المخرج حاول إعطاء صورة قاتمة للدار البيضاء واجتهد في الكشف عن الوجه الآخر لهذه المدينة الحبلى بمختلف المتناقضات، إلا أنه سعى في نفس الوقت إلى إنقاذ المدينة من خلال دق ناقوس الخطر الذي يهدد جمالها ومعمارها التاريخي العريق، وكأن قسوته عليها جاءت من باب حرصه عليها وحبه لها· بطلان حقيقيان رغم أن الفيلم صنف على انه فيلم قاسٍ وعنيف، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يصبح محط نقاش في الشارع المغربي بعد أن استغنى المخرج نور الدين لخماري عن الممثلين المحترفين واستعان بأشخاص حقيقيين بحث عنهم في المدينة وأجرى لهم عدة اختبارات، وفي الأخير اختار بطلي فيلمه من بين آلاف المشرّدين الذين يعيشون في شوارع الدار البيضاء لينقلوا صورة شخصيات تعيش على الهامش الاجتماعي ويجسدوا واقعهم ومعاناتهم اليومية بصدق وتلقائية أكثر من أي ممثل· ونجح المخرج في إدارة الممثلين الهواة وقدم عملا متقنا ومحكم الصنع، وترك الفيلم صدى إيجابيا في الشارع المغربي، على الرغم من أنه قدم قصة مفعمة بالعنف والفوضى والخروقات الاجتماعية، واعتمد المخرج على الوصف المرئي لينقل لنا حالة هذه المدينة ليلا وما يحدث فيها نتيجة التهميش التي تعيشه الطبقة الفقيرة واستغلال أصحاب المال لهذه الفئة من المجتمع المتعطشة للثراء· وسلط المخرج الضوء على المشاكل التي يعاني منها الشباب المغربي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة مثل ارتفاع الأسعار وانتشار البطالة والفقر والتشرد والانحراف وارتفاع نسبة العنف والجريمة كما تناول حلم الشباب العاطلين عن العمل في الهجرة إلى أوروبا لتحسين ظروفهم المعيشية· ويحكي فيلم ''كازانيكرا'' قصة صديقين فقيرين طموحين وسيمين ومغامرين، عادل وكريم، اللذين يحاولان بمختلف الطرق كسب المال لمساعدة أسرتيهما، والخروج من واقعهما المظلم، الأمر الذي سيدفع بهما إلى ركوب مغامرات محفوفة بالمخاطر· ومن أجل الخروج من واقع البطالة والتشرد والانحراف والعنف، يحاول كريم الحصول على عمل يعيل به أسرته بعد أن أصبح والده عاجزا عن العمل، فيلجأ الى توظيف أطفال يبيعون السجائر في الشوارع ومحطات السفر لكسب قوته اليومي، بينما يعيش عادل على أمل تحقيق حلمه بالهجرة الى السويد للحصول على وظيفة والارتباط بحسناء أوروبية· جائزة للمشردين شارك في العمل مجموعة من الفنانين المغاربة من بينهم محمد بن ابراهيم وحسن الصقلي وفاطمة هراندي وإدريس الروخ الذي شارك في فيلم ''بابل'' مع المخرج أليخاندرو جوزاليس، وبطولة براد بيت وكيت بلانشيت· كما وظف المخرج مجموعة من الوجوه الجديدة من الأطفال والشباب وأسند دور البطولة لشابين اختارهما من بين المتشردين الموجودين في شوارع الدار البيضاء هما عمر لطفي وأنس الباز، واستطاع هذان الممثلان بأدائهما التلقائي المقنع الفوز بجائزة التشخيص في الدورة الأخيرة لمهرجان دبي السينمائي في مسابقة المهر الذهبي للإبداع السينمائي العربي، كما حصل عمر لطفي على جائزة أحسن ممثل في مهرجان السينما المغربية بطنجة· وحصل الفيلم على ثلاث جوائز أخرى في مهرجان السينما المغربية، وهي جائزة ثاني أحسن دور رجالي قدمت للفنان الكوميدي المغربي محمد بن ابراهيم وجائزة الصوت لأوكوستوس كولور، وجائزة النقاد والصحفيين بطنجة· واستغرق تصوير الفيلم سنتين ونصف وهو من إنتاج شركة سيكما والمركز السينمائي المغربي والقناة الثانية المغربية، وبلغت ميزانيته 13 مليون درهم· وتطرق الفيلم إلى أجواء مدن الصفيح وإلى المدينة التي تحولت في نظر أبنائها من الدار البيضاء الى الدار السوداء، وقدم نور الدين لمخاري سينما واقعية جديدة على المشهد السينمائي المغربي، مليئة بالحركة والطاقة، وخرج من النمطية المتحكمة في الأفلام المغربية، كما أبدع في توظيف الكاميرا لنقل الصورة حقيقية بشكلها ومضمونها، وهو ما أجمع عليه النقاد وأشادوا بالفيلم وبأداء البطلين اللذين خاضا تجربة التمثيل لأول مرة· وقوبل الفيلم بانتقاد عنيف بسبب توصيفه للهامش الاجتماعي وكأنه لا ينتج إلا المتسكعين والمدمنين وبائعي سجائر التقسيط والعنف الزوجي، وتوظيفه لغة سينمائية معتمة وألفاظ عنيفة كثفت الحس السوداوي، واتهم بعض النقاد المخرج بتعمد هذا الأسلوب من أجل تحقيق ربح تجاري وجذب الجمهور الى قاعات العرض بفيلم قوي وعنيف وجريء بأحداثه وحواره، مشحون بألفاظ الشتم والتهديد والوعيد، وصاخب بالحركة والإيقاع السريع، كما انتقد البعض إصرار المخرج على التعامل مع ممثلين هواة وغير معروفين· ورغم ذلك، يبقى فيلم ''كازانيكرا'' واحدا من أجمل الأفلام المغربية وأهمها، سيؤسس لمرحلة سينمائية جديدة تطبعها الأفلام القوية والصادمة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©