الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإمام النسائي تعرض للضرب من الجهلاء

الإمام النسائي تعرض للضرب من الجهلاء
11 أغسطس 2011 22:14
الإمام النسائي أحد الأئمة الأعلام الذين خدموا الإسلام، بالعكوف على دراسة الحديث وتدريسه وكشف كنوزه وأسراره والتأليف فيه، واحتل مكانة عالية حتى عدوه على رأس مجددي المئة الثالثة، ولكن خصومه اتهموه بالتشدد والانحراف المذهبي، ونكلوا به واستخدموا القوة والعنف للإجهاز عليه وإسكاته، وانتصر له الكثيرون من أهل العلم وعدوه من الشهداء الأبرار الذين راحوا ضحية الجهل والتعصب والغلو. ويقول الدكتور عبد الرحمن عميرة - الأستاذ بجامعة الأزهر - ولد أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر النسائي، بمدينة نسا من أعمال خراسان - بين إيران وأفغانستان - في سنة 215هـ، وطلب العلم في صغره، وشغف بحب الحديث وطلبه سماعاًَ ورواية، فارتحل إلى قتيبة المحدث الشهير في سنة 230هـ، ولازمه وأقام عنده عاماً كاملاً بمدينة بغلان وسمع مروياته كلها، وأراد أن يواصل تحصيله العلمي وطلب الحديث والأخذ عن العلماء الثقات، فارتحل إلى بلاد خراسان والحجاز ومصر والعراق والجزيرة والشام والثغور، ومن شيوخه الذين أخذ عنهم وتتلمذ عليهم إسحاق بن راهويه وهشام بن عمار ويروي عن رفقائه، واستقر في أواخر أمره بمصر، وذاع صيته لكثرة علمه وفضله وسعة معرفته بعلوم الشريعة ورواية الحديث النبوي، ووفد إليه طلاب العلم من مختلف البقاع لسماعه وتلقى العلم عنه. صفاته كان النسائي شيخاً مهيباً، مليح الوجه، حسن الشيبة، وضيئاً كأن في وجهه قنديلاً مضاء، مقتصداً في لباسه، وآية من آيات الرحمن في الحفظ والفهم والإتقان والاجتهاد في العبادة ونشر العلم والسنة، وأثنى عليه العلماء واقروا بإمامته وريادته، وصفه السيوطي بأنه: «مجدد المئة الثالثة»، وقال عنه الحافظ أبو علي النيسابوري: «أبو عبد الرحمن النسائي الإمام في الحديث بلا مدافعة». وذكره الإمام الدارقطني بأنه: «مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره»، وقال محمد بن المظفر الحافظ: «سمعت مشايخنا بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار، وأنه خرج إلى الفداء مع أمير مصر، فوصف من شهامته وإقامته السنن المأثورة في فداء المسلمين، واحترازه عن مجالس السلطان الذي خرج معه»، وقال أبوبكر بن الحداد الفقيه: «رضيت بالنسائي حجة بيني وبين الله تعالى». وقال عنه أبو سعيد بن يونس: «كان أبو عبد الرحمن النسائي إماماً حافظاً ثبتاً، وذكر مأمون المصري المحدث أنه لما خرج إلى طرسوس مع النسائي، فاجتمع جماعة من الأئمة منهم عبد الله بن أحمد بن حنبل، ومحمد بن إبراهيم، وأبو الآذان، وأبو بكر الأنماطي، فتشاوروا من ينتقي لهم على الشيوخ، فأجمعوا على أبي عبدالرحمن النسائي، وكتبوا كلهم بانتخابه. مصنفاته قال ابن الأثير إنه كان شافعياً، له مناسك على المذهب الشافعي، وكان ورعاً متحرياً، شديد التحري والضبط لرواياته حتى أنه قد أتى أحد رواة الحديث المشهورين وهو «الحارث بن مسكين» وكان الحارث خائفاً من أمور تتعلق بالسلطان، فخاف من النسائي أن يكون عيناً عليه، فمنعه من دخول بيته، فكان النسائي يجيء فيقعد خلف الباب ويسمع، وكان بعدها إذا روى الحديث عن الحارث لا يقول: حدثنا الحارث، إنما يقال: قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، من شدة تحريه وصدقه وضبطه لألفاظ الرواية، وحدث عنه أبو بشر الدولابي وأبو جعفر الطحاوي وأبو علي النيسابوري وغيرهم. خلف الإمام النسائي الكثير من المصنفات النافعة في الحديث وعلومه، وكان واحداً من أصحاب السنن الأربعة الكبار، وتميزت مؤلفاته بالإتقان وحسن التأليف ونقد الرجال، وأهم مصنفاته «السنن»، و«الخصائص»، و«فضائل الصحابة»، و«المناسك»، و«مسند علي»، و«الكنى»، و«عمل يوم وليلة»، و«التفسير»، و«الضعفاء». وكان النسائي من أكبر أئمة الحديث والفقه في عصره، ومن النقاد المتبصرين المتوسعين الذين ختم بهم عهد المتقدمين، وحاز قصب السبق في أهل عصره. وبدأت محنته عندما بلغت شهرته الآفاق، وعلا شأنه وتقلد أعلى المكانات العلمية، وعينه أمير مصر قاضياً على عموم البلاد، وخرج معه للجهاد والفداء، وعندها حسده الأقران وبعض الفقهاء الحاقدين عليه، وبدأو إشاعة الأقاويل حوله والتشنيع عليه، وهو ما أزعجه وضاقت به نفسه فقرر الخروج إلى فلسطين، وذكر الإمام الدارقطني أنه: «كان أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعرفهم بالصحيح من السقيم من الآثار، وأعرفهم بالرجال، فلما بلغ هذا المبلغ، حسدوه، فخرج إلى الرملة بفلسطين، وذلك في أواخر سنة 302 هـ. وخرج النسائي إلى الشام وعزم على نشر العلم النافع، ورد ما غالى فيه أهلها على أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - فلما وصل إلى الرملة بفلسطين، عقد مجلساً للحديث بجامعها الكبير، وقيل بدمشق، وأخذ في رواية الأحاديث في فضل علي - رضي الله عنه - وآل البيت وفي باقي الصحابة، وكانت بلاد الشام معقل الأسرة الأموية وقاعدة ملك بني أمية، فلما أخذ النسائي في رواية أحاديث فضل الصحابة، طلبوا منه أن يروي حديثاً في فضل معاوية - رضي الله عنه - فامتنع النسائي من ذلك، لأنه لم يخرج حديثاً في فضل معاوية، ومروياته كلها ليس فيها حديث واحد في ذلك، فألحوا عليه، فرفض بشدة، فألحوا عليه أكثر ووبخوه وشتموه، ورد عليهم قائلاً: «أي شيء أخرج، حديث اللهم: لا تشبع بطنه». وفي رواية قال: «ألا يرضى معاوية أن يخرج رأساً برأس حتى يُفضل»، وهو حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وكذلك أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده، فأخذهم التعصب واستحكم عليهم الغلو، وظنوا أنه من الروافض، ولم يعرفوا قدره ومكانته العلمية، فقام عليه الدهماء والسوقة بكل جهل وتعصب، ونكلوا به كأنه واحد من اللصوص أو المجرمين، وأخذوا يضربونه بكل عنف، وفي أماكن قاتلة من جسده، وكان الإمام وقتها، قد جاوز الخامسة والثمانين من العمر، فلم يحتمل هذا الضرب المبرح، فخر مغشياً عليه. ثم أخرجوه من المسجد بكل قسوة وعنف، فلما أفاق قال لمن معه: «احملوني إلى مكة كي أموت بها»، ولكن القدر كان أسرع من مراده وبغيته، فمات في 13 صفر سنة 303 هـ، ودفن ببيت المقدس، وقيل إنه توفي بمكة.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©