الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاعتدال في الطعام عبادة وحماية من الأمراض

الاعتدال في الطعام عبادة وحماية من الأمراض
11 أغسطس 2011 22:15
حثَّ الإسلام على الانتفاع بما خلق الله لعباده من الطيبات بغية التعرف على نعمه وعطاياه، والتي من أظهرها أنواع الطعام المختلفة، كما أباح التمتع والتلذذ بطيبات ما أحل من الرزق، وفي نفس الوقت تؤكد آيات القرآن الكريم على عدم التبذير والإسراف في تناول الطعام، وعلى سلوك منهج التوسط والاعتدال. (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا) «سورة البقرة، الآية 168»، ومع هذا قرر الله عز وجل قاعدة صحية عريضة حين قال في كتابه العزيز: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) «سورة الأعراف - الآية 31»، ويقول أحد العلماء إن الله جمع الطب كله في نصف تلك الآية. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير مخيلة ولاسرف فإن الله يحب أن يرى نعمته على عبده» - أخرجه البخاري-. وجعل الله في غريزة الإنسان ميلا للطعام، وقضت حكمته أن يرافق هذا الميل لذة لتمتع الإنسان بطعامه، فليست اللذة والتمتع في الطعام والشرب هي الغاية، فالذين يعيشون من أجل التلذذ بالطعام والشراب شبههم الله سبحانه بالأنعام، وهي صفة من صفات الكافرين، قال تعالى: (والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم) «سورة محمد - الآية 12». والقرآن الكريم عندما أشار إلى الطيب من الطعام، وحرم الخبيث منه، سهل على الإنسان الحصول على ما يلزمه من حاجات الغذاء من دون نقص، كما جعله في حماية من أمراض الخبائث وما ينتج عنها من ويلات يعاني منها البشر. دعوة ومقصد الاعتدال في الطعام والشراب هو المقصد الذي ذهبت الآية الكريمة: (وكلوا وشربوا ولا تسرفوا)، ففي هذه الآية دعوة للإنسان إلى الطعام والشراب، ثم يأتي التحذير مباشرة عن الإفراط في ذلك. ولقد كان الاعتدال واقعاً في حياة الرسول صلى عليه وسلم وحياة صحابته، فلم تقتصر توجيهاته على عدم الإفراط في الطعام، بل حذر أيضاً من التقتير، ومنع أقواماً من الصوم أياماً متتاليات بلا إفطار أي صوم الوصال. وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم مواعيداً للطعام بقوله: «نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع» لأن الطعام يستغرق بين ثلاث لأربع ساعات لكي يهضم وتصبح المعدة جاهزة لاستقبال الوجبة التالية، وقد ذكر ابن القيم في كتابه الطب النبوي أن أفضل الغذاء ما كان كثير النفع قوي التأثير، خفيفاً على المعدة، سريع الهضم. ودلت دراسات العلم الحديث على أن السمنة الناجمة عن الإفراط في تناول الطعام من أخطر أمراض العصر، إذ ينشأ عنها العديد من الأمراض التي تهدد حياة الإنسان وتعرضه للهلاك مثل أمراض السكري وارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين والنقرس. إن الإسراف في تناول الطعام يصيب الإنسان بالكسل والخمول والأمعاء بالتعفن والقلب بالإرهاق، لذلك شرع الله تعالى الصيام لفوائد كثيرة منها إصلاح التجاوز في الأكل وإرجاع الوزن الذي زاد على حده الطبيعي. القناعة على أن الدقة في بيان الاعتدال في الطعام والشرب تظهر جلية في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول: «ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه»، فالبطن من أعظم المهلكات، وسبب كثير من الآفات والأمراض القلبية والبدنية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء». يقول النووي: ومقصود الحديث التقليل من الدنيا، والحث على الزهد فيها والقناعة، مع أن قلة الأكل من محاسن أخلاق الرجل. ويلخص ابن القيم رحمه الله هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الطعام والشراب، ويستخلصه من الأحاديث الصحيحة، فيقول في «زاد المعاد»، وكذلك كان هديه صلى الله عليه وسلم وسيرته في الطعام، لا يرد موجوداً، ولا يتكلف مفقوداً، فما قرب إليه شيء من الطيبات إلا أكله، إلا أن تعافه نفسه، فيتركه من غير تحريم، وما عاب طعاما قط، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه، كما ترك أكل الضب لما لم يعتده، ولم يحرمه على الأمة، وأكل الحلوى والعسل، وكان يحبهما، وأكل لحم الجزور، والضأن والدجاج ولحم الحبارى وحمار الوحش والأرنب، وطعام البحر، وأكل الشواء والرطب والتمر، ولم يكن يرد طيبا، ولا يتكلفه، بل كان هديه أكل ما تيسر، فإن أعوزه صبر حتى إنه ليربِط على بطنه الحجر من الجوع، ويرى الهلال والهلال والهلال ولا يوقد في بيته نار». لا للإسراف يذكر كتاب «عالج نفسك بالغذاء» أن الأكل وظيفة طبيعية، علينا أن نقوم بها، ومن واجبنا أن نستمتع بها، والواقع أنه كلما زاد استمتاعنا بالأكل أصبح هضم الطعام أسرع وأيسر، ولكنه إذا أعقب المتعة ضيق أو توعك كان ذلك دليلاً على أننا فعلنا شيئاً خاطئاً». الشبع يورث البلادة ذكر العلماء فوائد الاعتدال في الطعام وعدم الإسراف، ومنها، صفاء القلب وإيقاد القريحة وإنفاذ البصيرة، فإن الشبع يورث البلادة ويعمي القلب، ولهذا جاء في الحكمة: من أجاع بطنه عظمت فكرته وفطن قلبه. والإسراف قد يكون بالتهام كمية كبيرة من الطعام، وهو ضار بالجهاز الهضمي، ويسبب التخمة وعسر الهضم، ويوسع المعدة، ويعرض الإنسان للإصابة بالجراثيم، والمعدة الممتلئة بالطعام أكثر عرضة للتمزق. فكثرة الأكل تؤدي إلى بلادة في التفكير، والميل إلى النوم، وقد قال لقمان الحكيم «يا بني، إذا امتلأت المعدة، نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة».
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©