من فقه الدين والدنيا تربية الأبناء

أحمد محمود: تربية الأبناء من القضايا التي أولاها الاسلام عناية خاصة فاذا تربى الابناء تربية سليمة وفق منهج الكتاب والسُنة صاروا شبابا صالحين لانفسهم ولمجتمعاتهم• ويقول الدكتور محمد المسير -استاذ العقيدة بكلية اصول الدين جامعة الأزهر- إن لكل مرحلة عمرية اسما في اللغة فالانسان في بطن امه جنين وبعد الميلاد الى البلوغ طفل وصبي ومن الفطام الى تسع سنين غلام ومن البلوغ الى ثلاثين عاما يسمى شابا وفتى ومن الثلاثين الى الاربعين يسمى كهلا وما بعد الاربعين يسمى شيخا ولكل مرحلة هدي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرحلة الطفولة ارتبط التكليف الشرعي فيها بالعقل والبلوغ ولا الزام ولا مسؤولية على من فقد عقله ولا على من هو دون البلوغ وقد جاء في صحيح الحديث ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال ''رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق''• ومن الهدي النبوي ان يشارك الاطفال في الصلاة والصيام وسائر العبادات ليشبوا على تقوى الله فقد قال صلى الله عليه وسلم ''مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم ابناء عشر ''• ويشير د• المسير الى ان الامر بالصلاة يتضمن عدة اشارات الى جوانب مهمة وهي الطهارة والنظافة حيث تسبقان الصلاة ولا تصح بدونهما وكذلك الايمان والفضائل حيث يرغب الطفل الى الله ويقف على قيم الاخلاق والتدين• ومن الاشارات ايضا صقل الشخصية الاجتماعية حيث يشارك الطفل في صلاة الجمع والجماعات ويتعرف على الناس في المساجد• ومن فقه الصلاة ان صفوف الصبية تلي صفوف الرجال وتسبق صفوف النساء في المسجد وقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم الى فضيلة اداء نوافل الصلاة في البيت حتى ينشأ المرء فتلازمه صورة الصلاة وهيئاتها ولذا قال ''صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة''• وقال إنه متى كان الصبي على فقه بالاحكام وحُسن قراءة القرآن جاز أن يؤم الناس للصلاة وفي صحيح البخاري ان عمرو بن سلمة كان يؤم قومه وهو ابن سبع سنين وصحة امامة الصبي مطلقة عند الحسن البصري والشافعي واسحق وكرهها مالك والثوري وعن ابي حنيفة واحمد روايتان والمشهور عنهما الاجازة في النوافل دون الفرائض• وصيام الطفل موقوف على مدى تحمله فإن استطاع الصوم ولو مع يسير مشقة فلا بأس وهو من ادب التربية الاسلامية والتوجيه النبوي حتى يستشعر الطفل معاني الولاء لله ورسوله ويتعود تحمل المشاق• وعن مشروعية صيام يوم عاشوراء للاطفال حدثت واقعة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ترويها الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: ارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداه عاشوراء الى قرى الانصار: من كان اصبح صائما فليتم صومه ومن كان اصبح مفطرا فليتم بقية يومه فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم صبياننا الصغار ما شاء الله ونذهب الى المسجد فنجعل لهم اللعبة في العهن فاذا بكى احدهم للطعام اعطيناها اياه حتى يكون عن الافطار• ويقول د• المسير: والسياحة بالطفل في موسم الحج وذهابه مع ولي امره لاداء المناسك امر محبب وله فضل ومنزلة ويترك آثارا طيبة في عقل الطفل وسلوكه ففي صحيح الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه قال: رفعت امرأة صبيا لها فقالت يا رسول الله الهذا حج؟ قال نعم ولك اجر• والحج للصبي تمرين وتعويد وتربية وقد اختلف الفقهاء والائمة في احكام الحج للصبي وما يترتب عليه من فدية وهدي فابوحنيفة يمنع ذلك كله ويقول لا شيء على الصبي اثناء ادائه للنسك ان قدم او أخر وان فعل أو ترك بينما جمهور العلماء يقولون تجري على الصبي احكام الحج وما يترتب عليها والصغير إن كان غير مميز احرم عنه وليه وإن كان مميزا علمه وليه• ويدعو د المسير الآباء والأمهات الى ان يراعو الله في تربية وتوجيه اطفالهم الى الفضائل والابتعاد عن الرذائل ذلك ان الطفل في حاجة الى النصيحة الرقيقة والمعاملة المهذبة فقد كان للطفل المسلم نصيب في وصايا الرسول عليه الصلاة والسلام ونصائحه فقد أكل النبي صلى الله عليه وسلم مع الطفل في اناء واحد وعلمه ادب الطعام ففي الصحيح ان عمر بن ابي سلمة قال كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ''اي في كفالته'' وكانت يدي تطيش في الصحفة ''اي الاناء الذي فيه الطعام'' فقال لي الرسول صلى الله عليه وسلم ''يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك'' وهكذا أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلام وعلمه في رفق ولين وحنان• ويقول د• المسير انه يستحب القاء السلام على الاطفال وتعويدهم على القاء السلام والرد عليهم حتى يتعلموا البشاشة وحُسن اللقاء وحدث انس رضي الله عنه انه كان يمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بصبيان فسلم عليهم• وذات يوم اردف النبي عليه الصلاة والسلام خلفه ابن عباس وكان غلاما لم يتجاوز العاشرة من عمره ثم سار به مليا ثم التفت اليه فقال ''يا غلام اني اعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك ''الحديث''• ويؤكد د• المسير ان البيت هو المدرسة الاولى للطفل يتعلم فيه آداب السلوك وقيم الحياة ومبادىء الدين وكلما بني البيت على تقوى من الله كان اكثر استقرارا واسعد لاهله واكرم لبنيه، كما ان البيت المسلم يسمع منه القرآن ويتعلم فيه الاطفال القرآن والفضائل ويحافظ اهله على التلاوة والعمل الصالح ولذا اخرج مسلم في صحيحه بسنده عن ابي موسى الاشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ''مثل البيت الذي يذكر الله تعالى فيه والبيت الذي لا يذكر الله تعالى فيه مثل الحي والميت'' فلابد ان يتربى اطفالنا على القرآن حفظا وتجويدا•