الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الولادة من الخاصرة» دراما تباغت الواقع

«الولادة من الخاصرة» دراما تباغت الواقع
11 أغسطس 2011 22:22
يغوص مسلسل “الولادة من الخاصرة” بعيداً في تربة الواقع المعاش، بمثل ما يتوغل عميقاً في صلب النفس البشرية، الشخصيات التي تشكلت على يدي الكاتب سامر رضوان تبدو في منتهى الواقعية، كذلك تخرج الأحداث التي يتشكل منها العمل طازجة ساخنة حتى لكأنها أخبار يومية تعكس تفاصيل دقيقة في حياة الناس، وترصد حراكهم اللحظوي بدقة يصعب التشكيك في صحتها، وثمة أيضاً عنصر أساسي آخر يساهم مساهمة فعالة في مد العمل بجرعات من الهادفية ومحفزات القبول، مصدره الرؤية الإخراجية المتمكنة التي تميز المخرجة رشا شربتجي، وقد عرفت عنها جرأة فائقة متمازجة مع استبصار حاد في مقاربة القضايا الحرجة. يعرض العمل بالتزامن مع مستجدات حدثية مشابهة على أرض الواقع الذي تمخض عنه، ومن شأن هذه "المصادفة" أن تمنحه الكثير من عوامل التألق، فقد جرت العادة ان تقيم الأعمال الدرامية ما يشبه النصب التذكاري لأحداث مؤثرة شهدتها حاضنتها الإجتماعية، اما أن يسير الحدث الحقيقي على وقع معادله الدرامي في مسارات متوازية ومتزامنة، بحيث يتكامل أحدهما مع الآخر. وبحيث ينطوي المشهد المرئي على ملامح أجوبة لأسئلة مفصلية تضج بها ساحة الحراك السياسي والاجتماعي، فتلك مفارقة نادرة لا تتأتى إلا عبر استيعاب معمق لشروط وآلية انتاج المعضلات الوجودية، وتحيل إلى نسق من القراءة المتمكنة في كتاب الواقع المفتوح، أي إلى ميزة ابداعية، يحق لـ"الولادة من الخاصرة"، وللقيمين عليه، أن يتباهوا بها، بل أن يطمحوا إلى تكريسها كسابقة تحتذى في مجال اللعبة الدرامية. يسير المسلسل وفق ثلاثة محاور متكاملة: جابر (قصي خولي) الذي يتعرض لظلم عائلته ويتهم بسرقة قرض مصرفي كان ينتظر منه ان يغير واقع العائلة، ليتبين لاحقاً أن سارقيه الحقيقين هما شقيقته وخطيبها الذي لا يلبث أن يتخلى عنها. فيكون عليه أن يلجأ إلى إحدى العشوائيات التي تنسحق فيها شخصية المرء، ويصبح مصيره خاضعاً لسلطة الأقوياء من اصحاب النفوذ الملتبس، يعاني جابر من تسلط "أبو مقداد" (فادي صبيح) أحد المتسلحين ببنية جسدية تبرر لهم مشاركة الآخرين، ممن لا يملكون توازناً في القوى معهم، بأقدس ممتلكاتهم، هكذا تصير نجوى (صفاء سلطان) زوجة جابر، اللاجىء الاجتماعي إلى العشوائية، هدفاً منطقياً لنزوات ابو مقداد، الذي يربط مشروعية رغباته بالقدرة على تحقيقها، بعيداً عن كل المعايير القيمية والأخلاقية. أمن غير آمن هناك أيضاً محور المقدم رؤوف، وهو ضابط أمن، يعوزه الأمن النفسي، بفعل انحداره من ملجأ للأيتام، والبديهي أن فاقد الشيء لن يكون بوسعه أن يمنحه للآخرين، فيغدو الرجل مصدر رعب يصدره إلى زوجته السابقة (سلاف فواخرجي) التي رفضت الإنجاب منه، بعدما اكتشفت في سلوكه ما لا يشجع على امداد الكرة الأرضية بكائن آخر يحمل بعض جيناته، وبعض خصائصه السلوكية بالتالي، قرار الزوجة بالإجهاض يجر إلى اللعبة القاتلة أحد الأطباء النسائيين (جهاد عبدو) الذي تتوجه إليه طالبة مساعدته متذرعة بأن حملها جاء خارج مؤسسة الزواج مما يضعها في مواجهة الموت المنقذ للكرامة الاجتماعية الجريحة. وكان لتورط الطبيب الذي جعله عرضة لانتقام الضابط أن فجر مفاجأة غير متوقعة، حيث ترافق سعي زوجته لإنقاذه مع استثمارها لعلاقة عاطفية قديمة ربطتها برؤوف نفسه، استجاب الضابط لتوسلات حبيبته السابقة بالإفراج عن زوجها، لكنه فعل ذلك بعد أن وضع الزوج في أجواء العلاقة التي كانت تربط امرأته بجلاده الحالي، هو لم يكتف بالسرد الشفهي وحده بل أبرز صوراً حميمة كان الظن أنها وجدت طريقها إلى الإتلاف، لكن ضابط الأمن المتيقظ دوماً أكثر حرصاً من ان يتخلى عن وثائق لا بد أن يأتي وقت استثمارها، حتى لو كانت تصدر عن جذور عاطفية. خرج الطبيب من المعتقل الذي يديره رؤوف لحسابه الشخصي، لكن ذلك حصل بالتزامن مع تقويض استقراره الزوجي، ومع تحوله محط استهداف من قبل رجل أمن يمتلك شهية خارقة للتنكيل بكل من تطالهم يداه.. الأشد مضاضة يبقى لدينا المحور الثالث، وهو أشد قسوة من سابقيه، ذلك أن يجسد ظلم ذوي القربى بأبهى صوره: (سلوم حداد) صاحب المصنع الذي يسعى لتكريس سوية عالية من المناقبية في سلوكه اليومي يصطدم مع ابنه الوحيد علام (مكسيم خليل) وهو يجسد نموذج الولد الثري المدلل، أي أنه أحد أولئك الذين يعتقدون ان الدنيا صنعت لأجلهم، وأن بوسعهم اللعب بمصائر من يحيط بهم ولو بدافع الترويح عن النفس، صراع الأب الباحث عن الحكمة والترفع مع ابنه المنغمس في موبقات العصر لم يأت لمصلحة الأول، بل امكن لعلام أن يستحصل على حكم قضائي باسترجاع المصنع الذي اورثه اياه والدته المتوفاة، ورفع الوصاية التي اتيح لوالده ممارستها عليه قبل بلوغه سن الرشد. صراع عبثي هكذا يفتح المسلسل مجموعة من الملفات المتداخلة، وان بدت لوهلة على شيء من التباعد: التسلط الأمني الذي يتخطى كونه مجرد تجاوز للصلاحيات الممنوحة ويصبح تعبيراً عن نقائص نفسية متجذرة، وقد يكون بالغ التعبير هنا ما يطرحه رؤوف في جلسة مع رئيسه وزملائه: "صرنا مثل الناس العاديين"! يقول ذلك بنبرة مستنكرة تعني أنه يرى نفسه فوق أولئك الناس الذين يتقاضى راتبه من تعبهم، بما يعني أنه موظف في خدمتهم. كذلك يسعى العمل بين سطوره لتمرير مقولة في غاية الأهمية مفادها أن الأزمات الإجتماعية لا تقتصر على الأحياء الفقيرة، وإن كانت أكثر علانية فيها، فالمنازل الأرستقراطية أيضاً تعاني مصاعبها، وهي ليست أقل حدة من مثيلاتها في العشوائيات البائسة. وبين ما يمكن استشفافه من سير الاحداث كذلك إشارة إلى عبثية الصراع الدائر فالمنتصر نفسه يبدو مهزوماً لحظة انتظاره، والضحية لا تجد صعوبة في التحول جلاداً بمجرد أن تجد الظروف الملائمة.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©