الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المشرك ضرب مثلاً ونسي خلقه حول إحياء العظام الرميم

28 أغسطس 2014 20:10
جاء أبيّ بن خلف إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وفي يده عظم رميم وهو يفتته ويذريه في الهواء، وهو يقول يا محمد، أتزعم أن الله يبعث هذا؟ فقال: «نعم يميتك الله تعالى ثم يبعثك ثم يحشرك إلى النار»، فأنزل الله سبحانه وتعالى: (أَوَ لَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ *أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ *قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)، «سورة يس: الآيات 77-79». وعن ابن عباس، أن العاص بن وائل أخذ عظماً من البطحاء ففته بيده، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيحيي الله هذا بعد ما أرم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم يميتك الله ثم يحييك ثم يدخلك جهنم»، ونزلت الآيات من آخر «سورة يس». قال ابن كثير، وعلى كل تقدير سواء كانت هذه الآيات قد نزلت في أبي بن خلف، أو في العاص بن وائل، أو فيهما، فهي عامة في كل من أنكر البعث. وقال تعالى: «أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين» أي أولم يستدل من أنكر البعث بالبدء على الإعادة، فإن الله ابتدأ خلق الإنسان من سلالة من ماء مهين، فخلقه من شيء حقير ضعيف مهين، كما قال سبحانه: (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ *فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ *إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ)، «المرسلات الآيات: 20 - 22». القدرة العظيمة فقد استبعد السائل المنكر إعادة الله تعالى ذي القدرة العظيمة التي خلقت السماوات والأرض، للأجساد والعظام الرميمة، ونسي نفسه، وأن الله خلقه من العدم، فعلم من نفسه ما هو أعظم مما استبعده وأنكره وجحده، ولهذا قال تعالى: «قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم»، أي يعلم العظام في سائر أقطار الأرض وأرجائها، أين ذهبت وأين تفرقت وتمزقت. وقال أثير الدين الأندلسي في التفسير الكبير المسمى البحر المحيط، قبح تعالى إنكار الكفرة البعث، حيث قرر أن عنصره الذي خلق منه هو نطفة ماء مهين خارج من مخرج النجاسة، أفضى به مهانة أصله إلى أن يخاصم البارئ تعالى ويقول من يحيي الميت بعدما رمّ؟ مع علمه أنه منشأ من موات، وقائل ذلك العاصي بن وائل، أو أمية بن خلف، أو أبي بن خلف، وأقوال أصحها أنه أبي بن خلف، كما رواه ابن وهب عن مالك، وقاله ابن إسحاق وغيره، والقول أنه أمية قاله مجاهد وقتادة ويحتمل أن كلا منهم واقع ذلك منه. وقد كان لأبيّ مع الرسول مراجعات، جاء بالعظم الرميم بمكة، ففتته في وجهه الكريم وقال من يحيى هذا يا محمد؟ فقال: «الله يحييه ويميتك ويحييك ويدخلك جهنم»، ثم نزلت الآية، ووهم من نسب إلى ابن عباس أن الذي جاء بالعظم هو عبد الله بن أبي بن سلول، لأن السورة والآية مكية بإجماع، ولأن عبد الله بن أبيّ لم يهاجر قط هذه المهاجرة. المكابرة وقد ضرب ذاك المكذب مثلًا، ونسي خلقه ونشأته من النطفة، فذهل عنها وترك ذكرها على طريق اللدد والمكابرة والاستبعاد لما لا يستبعد، وإنكار قدرة الله على إحياء الموتى. وقال الزمخشري، والرميم اسم لما بلي من العظام كالرمة والرفاة، وقال الطاهر ابن عاشور في التحرير والتنوير، لما أبطلت شبه المشركين في إشراكهم بعبادة الله وإحالتهم قدرته على البعث وتكذيبهم محمداً صلى الله عليه وسلم، في إنبائه بذلك إبطالاً كلياً، عطف الكلام إلى جانب تسفيه أقوال جزئية لزعماء المكذبين بالبعث توبيخاً لهم على وقاحتهم وكفرهم بنعمة ربهم وهم رجال من أهل مكة أحسب أنهم كانوا يموهون الدلائل ويزينون الجدل للناس ويأتون لهم بأقوال إقناعية جارية على وفق أفهام العامة، فقيل أريد «بالإنسان» أبي بن خلف، وقيل أريد به العاص بن وائل، وقيل أبو جهل، وفي ذلك روايات بأسانيد، ولعل ذلك تكرر مرات تولى كل واحد من هؤلاء بعضها. والمراد بـ«خصيم» في تلك الآية أنه شديد الشكيمة بعد أن كان أصله نطفة، إن ذلك الإنسان خلق ليعبد الله، ويعلم ما يليق به، فإذا لم يجر على ذلك، فكأنه فاجأ بما لم يكن مترقباً منه مع إفادة أن الخصومة في شؤون الإلهية كانت بما بادر به حين عقل، و«الخصيم» على وزن فعيل، مبالغة في معنى مفاعل، أي شديد الخصام. وأمر الله النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يقول له يحييها الذي أنشأها، وهذا أمر بجواب على طريقة الأسلوب الحكيم بحمل استفهام القائل على خلاف مراده لأنه لما قال من يحيي العظام وهي رميم لم يكن قاصداً تطلب تعيين المحيي، وإنما أراد الاستحالة، فقيل له يحييها الذي أنشأها أول مرة، فلذلك بني الجواب على فعل الإحياء مسنداً للمحيي، ويحييها لأنه أنشأها أول مرة فهو قادر على إنشائها ثاني مرة. (القاهرة - الاتحاد)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©