الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدعاء بالتدمير والإهلاك.. اعتداء وتجاوز

الدعاء بالتدمير والإهلاك.. اعتداء وتجاوز
28 أغسطس 2014 22:14
انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة الاعتداء في الدعاء داخل المساجد فأصبح هناك من يدعو على من يخالفه في الرأي من فوق المنبر، بل إن بعض البسطاء يتحدثون كثيراً عقب الصلاة عن الدعاء على هذا أو ذاك من المسلمين، وغيرهم لأنه ظلمه أو أنه يخالفه في آرائه. وأوضح العلماء أنه يجوز الدعاء على المحاربين من الكفار وغيرهم إن أوقعوا ظلماً بالمسلمين، كما حدث في بعض البلدان، ولا يتعدى هذا الدعاء لعموم الشعوب لأن منهم المقر والمعترض بل يدعي لهم بالهداية ومنهم من يكون مسلماً، فلماذا ندعو عليه بالهلاك والدمار؟ عن ماهية الاعتداء في الدعاء يقول الدكتور إسماعيل الدفتار - عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: اتفق الفقهاء القدامى والمحدثون على أن الاعتداء في الدعاء يكون على عدة صور أولها أن يسأل العبد ربه سبحانه وتعالى ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات أو يسأل ما لا يفعله الله مثل أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب ويسأله بأن يطلعه على غيبه أو أن يجعله من المعصومين أو يهب له ولدا من غير زوجة فكل ذلك اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله ويرى البعض من العلماء أن الاعتداء يكون أيضاً برفع الصوت أيضاً في الدعاء وقد قال تعالى في القرآن الكريم: (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)، وعلى هذا فمن العدوان أن يدعوه غير متضرع وبأن يدعو دعاء المستغني عن ربه وهذا من أعظم الاعتداء لمنافاته لدعاء الذليل فمن لم يسأل مسألة مسكين متضرع خائف فهو معتد وكذلك. ويضيف: والدعاء على الكفار بشكل عام حرمه بعض العلماء فأجازوا الدعاء على من يكيدون للإسلام على ألا تتجاوز ألفاظ الدعاء الجمل والكلمات القليلة لا أن نخصص كل دعائنا في صلاتنا بهلاك غير المسلمين فمن المعلوم أن الله قد قضى وقدر بقاء الكفار إلى أن تقوم الساعة، فالذي يدعو باستئصالهم يخالف ما علم بالخبر الصحيح من بقائهم إلى أن تقوم الساعة، ولهذا جاء في دعاء عمر رضي الله عنه في القنوت «اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك» فلم يدع بالتدمير والاستئصال والإهلاك لهم جميعاً والبعض منا قد يتحجج بدعاء الصحابي الجليل خبيب رضي الله عنه على الذين صلبوه من الكفار، ولكن دعاء خبيب رضي الله عنه كان على الذين قاموا بصلبه وقتله، حيث قال: اللهم احصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تبق منهم أحداً، فدعاء خبيب كان على طائفة معينة من الكفار وهذا لا إشكال فيه. دين الرحمة المهداة ويقول الشيخ محمود عاشور - وكيل الأزهر الأسبق: لابد أن نعي جيداً أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم رسالة قائمة ومستمرة إلى يوم الدين، وكذلك تميزت رسالة الإسلام، بالإضافة إلى عموميتها أنها شريعة الرحمة والتسامح لهذا اختلفت تعاليم وأدعية النبي عن أدعية الأنبياء من قبله ولنا في المقارنة بين دعاء سيدنا نوح عليه السلام ودعاء النبي، العبرة والعظة في ذلك فسيدنا نوح عليه السلام دعا على قومه بالمحق التام، والاجتثاث الكلي قائلاً: (. . . رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا)، «سورة نوح الآيتين 26 - 27»، ويبدو أن نبي الله نوح توصل إلى هذه النتيجة من خلال تجربته أو خبرته الطويلة التي استغرقت 950 سنة، فقد تبين له على هذا المدى الزمني الطويل انه كلما نشأ جيل جديد نشأ على الكفر والضلال «ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً»، لكن نبينا صلى الله عليه وسلم رفض الاجتثاث الشامل للمشركين، حيث قال في أعقاب ما تعرض له في الطائف من غلمانها عندما دعا الله تعالى بدعائه الشهير: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك»، ويقول النبي عقب هذا الدعاء: «فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني الله إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين«جبلان عظيمان بمكة»، فقال النبي: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً. ويقول: لنا أن نتذكر ما حدث في اللحظة التي شج فيها المشركون وجهه الشريف، وكسروا رباعيته ففي هذه اللحظة التي يسيل فيها دمه الزكي، قال: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ومن هنا يفهم أن الاعتداء في الدعاء مرفوض وإن كانت الشريعة تبيح بان يكون الدعاء على المشركين الظلمة المعتدين، وهذا يشمل كل ظالم معتد، أمس واليوم وغداً، فالدعاء سبب من أسباب رفع الظلم، وهو سبب متاح لكل إنسان سواء كان مسلماً أو غير مسلم، فهو من الدعاء الاضطراري الذي يستجيب الله فيه للمسلم وغير المسلم. ليس من الإسلام ويقول الدكتور الأحمدي أبو النور - وزير الأوقاف المصري الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: أن الدعاء بالهلاك على غير المسلمين بشكل عام ليس من الإسلام في شيء، بل إنه يخالف كل أصول الإسلام وقواعده كما كان هدي النبيِّ صلى الله عليه وسلم الهداية، لذلك كان دعاؤه صلى الله عليه وسلم: «اللهمَّ اهدِ قومي فإنَّهم لا يعلمون»، فدعا لهم بالهداية ولم يدع عليهم وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رفض أن يدعو على المشركين يوم العقبة، وعن جابر رضي الله عنه أنه قال: «قالوا: يا رسول الله أحرقَتْنا نبال ثقيفٍ فادع الله عليهم فقال: «اللهمَّ اهد ثقيفاً» لذلك قال العلماء، لا يجوز الدعاء على شخصٍ بعينه أو لعنه إلا إذا بدر منه الإيذاء الخاصُّ بالمسلمين، والأولى أن يدعو له بالهداية وإذا كان قد ثبت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قد دعا على المشركين كما دعا لهم، كما روى عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه حين قال‏:‏ لمَّا كان يوم الأحزاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا‏ً،‏ شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس»، فليس في ذلك تناقض وقد قال العلماء: إنَّ الدعاء للمشركين بالهداية هو الأساس، أمَّا الدعاء عليهم فلا يكون دعاءً عاماً، وإنَّما على من أضرَّ بالمسلمين وحاربهم، وهذا ما يثبته فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول الإمام القرطبي في «ولا يجرمنَّكم شنآن قوم. . »، فهذه الآية الكريمة تدل على أن كفر الكافر لا يمنع من العدل عليه، وأن يقتصر بهم على المستحقِّ من القتال والاسترقاق. الدعاء على الكفار مخالف للسنن أوضح الدكتور الأحمدي أبو النور - وزير الأوقاف المصري الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر أن الدعاء بهلاك الكفار عامة مخالف للسنن الكونية القدرية، فهو كالدعاء بأن يهلك الله الشيطان، بينما المشروع هو الاستعاذة منه لا الدعاء عليه بالهلاك فقد يخرج الله من أصلاب الملحدين موحدين، وهو ذات السبب الذي امتنع لأجله النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء على قريش وثقيف بالهلاك بعامة، وهكذا فإن الدعاء على عموم الكفار نوع من الاعتداء في الدعاء ولا يجوز، ولكن على الجانب الآخر لابد أن نعي أن الدعاء يجوز على الظالم بقدر ظلمه، ولو كان هذا الظالم مسلماً. الداعية يحتاج إلى دراسة الحديث أوضح الدكتور أحمد عمر هاشم، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، وعضو هيئة كبار العلماء أن الداعية لا يستطيع أن يواجه الناس دون أن يدرس الحديث النبوي، ويعرف مصطلح الحديث، ويستطيع أن يميز بين الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ثم يعرف معنى العقيدة وأصول الفقه ليس فقط من واقع الكتب، ولكن من واقعها الاجتماعي والنفسي والسلوكي لأن الناس تفصل بين العقيدة والواقع، وهذا خطأ فلا بد أن يدرس العقيدة ومردوداتها وأثارها الاجتماعية والسلوكية والتربوية والسياسية في الفرد والمجتمع، كما يجب تبصير الدعاة في العالم الإسلامي بكل ما يحيط بنا من مؤامرات هدفها النيل من هذا الدين الحنيف، مع العلم أن تبصير الدعاة بذلك الأمر يعد خطوة إلى الأمام تؤهلهم لمواجهة تلك التحديات، التي تتعرض لها الأمة الإسلامية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©