الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كورسيكا.. وحدود النزعة الانفصالية

11 ديسمبر 2017 23:07
فاز القوميون في جزيرة كورسيكا الفرنسية بأغلبية في الانتخابات المحلية، أمس الأول، وهو ما قد يُمهّد الطريق أمام مزيد من هوامش الحكم المحلي. والجزيرة الواقعة في البحر المتوسط، وكانت مهداً لميلاد نابليون بونابارت، هي أحد 18 إقليماً إدارياً في فرنسا. وعلى مدار قرون، شهد الإقليم ميولاً انفصالية محدودة وفي بعض الأحيان عنيفة. وفي ظل مناخ الانقسامات الذي يعتري الاتحاد الأوروبي، فاز ائتلاف من المرشحين القوميين بـ56.5 في المئة من الأصوات، ومن الممكن أن تثير هذه النتيجة موجة جديدة من النزعة المناهضة لباريس على تلك الجزيرة الجبلية ذات المناظر الطبيعية الخلابة. وعلى رغم أن التصويت في كورسيكا لم يكن استفتاء على الانفصال، إلا أن نتائجه من المرجح أن تعزز الحملة المطالبة بمزيد من السلطة المحلية. وهي بذلك تتفق مع المناخ العام في أوروبا الذي يشهد ميلاً متزايداً نحو نزعات الانفصال، حيث اكتسبت الحركات الانفصالية المحلية زخماً كبيراً في عدد من الدول. وفي أكتوبر على سبيل المثال، دعمت أغلبية الناخبين في إقليم كتالونيا الانفصال عن إسبانيا في استفتاء مثير للجدل، واعتبرته الحكومة الإسبانية غير قانوني. وفي يونيو 2016، صوتت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي «البريكسيت»، ويتحدث القادة الأسكتلنديون مرة أخرى في الوقت الراهن عن احتمال مغادرة بريطانيا. ولكن كورسيكا ليست كاتالونيا، التي تعتبر أثرى منطقة وأكثرها إنتاجاً اقتصادياً في إسبانيا. فالجزيرة لا تزال تعتمد بشكل كبير على التمويل من الحكومة الفرنسية، وقد أكد قادة حركة «من أجل كورسيكا» الوطنية مراراً وتكراراً، خلال حملتهم الانتخابية، على أن هدفهم المباشر هو مزيد من «التحرر» وليس الانفصال. بيد أن اللواء القومي حمله «جيليس سيموني»، الذي يطالب بـ«حكم ذاتي»، و«جان- جاي تالاموني»، المؤيد للانفصال. وجاءت النتيجة بمثابة ضربة لحكومة الوسط في باريس برئاسة إيمانويل ماكرون، الذي فاز حزبه بأغلبية مطلقة في البرلمان الفرنسي عقب انتخابه الكاسح في مايو الماضي. وسيتعين على ماكرون الآن أن يقرر ما إذا كان سيأخذ في الحسبان المطالب بمزيد من «الحكم الذاتي» للجزيرة، أو البقاء في مسار نظام الحكم المركزي بشكل كبير في فرنسا. وحتى الآن، لم يبد ماركون ومجلس وزرائه رغبة، أو اهتماماً، بالتعامل مع الانفصاليين الكورسيكيين. وبعد نتائج انتخابات الأحد الماضي، أصدر حزب «الجمهورية إلى الأمام»، الذي يتزعمه ماكرون بياناً أكد فيه على أن الانفصال ليس خياراً يمكن طرحه أصلاً بأي شكل. وأشار البيان إلى أن مشروع «سيموني» و«تالاموني» طموح بالنسبة لكورسيكا، وليست له علاقة بالانفصال، مضيفاً: «إننا نعترف بهذين القائدين». وشدّد في الوقت ذاته على أن «الحوار البناء وحده من شأنه أن يعزز السبل الاقتصادية والأساس المتحرر بيئياً واجتماعياً لكورسيكا وسكانها». وقد أفاد «سيموني» و«تالاموني» بأنهما يرغبان في الحصول على اعتراف رسمي باللغة الكورسيكية، إضافة إلى وضع خاص للإقامة في كورسيكا، على نحو يمكن المسؤولين المحليين، نظريّاً، من محاربة المضاربة العقارية، التي يلقون باللوم فيها على المستثمرين الأجانب. ويرغبون في أن تمنح فرنسا العفو لعدد من المحكومين الذين يعتبرونهم سجناء سياسيين. وعلى مدار عقود، هدّد مسلحون السلطات الفرنسية والبنية التحتية في الجزيرة. وفجّرت «جبهة تحرير كورسيكا» القومية عدداً من المواقع في جنوب فرنسا، وفي الجزيرة، خلال الفترة من منتصف سبعينيات القرن الماضي وحتى عام 2014، عندما تخلت الحركة اسمياً عن نشاطها المسلح. وبالنسبة لكثيرين في باريس، تعتبر الذكرى المريرة هي اغتيال «كلاود إريجانك» في «أجاكسيو»، مركز الإقليم عام 1998، وكان «إريجانك» هو الممثل الأعلى للحكومة الفرنسية في الجزيرة. وتمت إدانة «إيفان كولونا»، القومي الكورسيكي، بارتكاب الجريمة، ويقضي حالياً عقوبة السجن مدى الحياة في «تولون» بجنوب فرنسا. *باحث متخصص في التاريخ الفرنسي يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©