السبت 4 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«البـِشْرة»

8 فبراير 2010 20:33
ذكرني طقس هذه الأيام، بموقف طريف، حدث قبل سنين طويلة، كانت دار الظبي كعروس متوجة بتاج الارتواء، بعد أن اغتسلت، وانتشت بسقيا أمطار الرحمة، جرت على أثرها الوديان والشعاب، واعشوشبت القيعان، وانتعشت المزارع، مزدانة بالأخضر، يومها خرجت الناس فرِحة زرافات إلى برّها الساحر الأخاذ، بحثاً عن نبات الفقع، أو الكمأ. كانت الدعوة لأصدقاء لنا من «آل بالخيل»، سكنة منطقة رماح الطيبين، الواقعة على طريق أبوظبي العين، خرجت العوائل، وأهالي المنطقة هناك، طلباً للفقع، وصلنا عند المنطقة المجاورة للمزارع، ذهلنا لمشهد اصطفاف السيارات، والناس على جانبي الطريق، مخترقين أسواراً من «الشبك»، وحزاماً ضخماً من أشجار السدر، والسمر، والغاف، وغيرها من الأشجار، كانت الصورة أشبه بموسم جني لمحصول الشاي في مرتفعات سيريلانكا! تراجعنا فور رؤيتنا تلك المجاميع الغفيرة، وارتأينا البحث في منطقة أخرى. فمن المتعارف عليه عند البدو، وأبناء القبائل، في مثل تلك المناسبات، والمواسم، تلقيط الفقع، وجني النخب الأول من ثمار الرطب، خصوصاً الأنواع المنتخبة، والمزروع منها في البيوت، عادةَ ما يتم إهداء بما يُعرف بـ «البِـشْرة» للشيوخ أولاً، ومن ثم للوجهاء من أعيان البلاد، والجيران، والأصحاب، والأقارب. فتوزيعها يعتبر من العادات الأصيلة، والطقوس الاجتماعية الجميلة، التي يحرص عليها أهالي تلك المناطق، وأهالي المنطقة الغربية عموماً، ويواظبون عليها حتى الآن، لما لها من أثر طيب في توطيد أواصر المحبة في ما بينهم، وكدليل على علو قدر، ومكانة الشخص في نفس الآخر، بالإضافة إلى تدعيم التواصل الإنساني النبيل، الذي يتصف به أبناء البادية. توجهنا نحن الصغار، بلا رجل حكيم، ولا عليم، ولا فهيم يقودنا، أو خبير في تلقيط الفقع. سرنا، وفي القلب نيّة، وكما تقول العرب:»النيّة مطيّة»، وعليها، هِمنا على وجوهنا بلا هِدى، ليستقر بنا المآل عند المنطقة المحاذية لمحطة توليد الطاقة الكهربائية في»الطويلة»! انتشرنا في تلك البقعة البراح، وبدأنا عملية البحث، وكأننا فريق آثار كوري مراهق، فطريقة تنقيبنا، كانت أقرب منها إلى نبش القبور، أو حفر الخنادق، ولعجزنا، لم نوفر لا المفكات، ولا «السكاريب»، حتى تكشفت لنا التمديدات المطمورة لمحطة الكهرباء! ولو أنّ الكهرباء انقطعت في تلك الساعة عن الإمارة، فلن نعفي أنفسنا من المسؤولية! عدا جهلنا لنبتة «الرقروق»، التي تدل على وجود الكمأ في المكان بسهولة، ليكون حصادنا بضع حبات من نبات «العريون»، وحبة فقع أحملها في جيبي، هي صيدي الثمين. باغتنا الظلام فأقفلنا عائدين، وفي طريقنا خطفنا على الجمعية، لشراء كيلو كمأ سعودي، نفرّح به أنفسنا بعد هذا العناء، وما أن وصلنا إلى البيت حتى شرعت في غسل «البـِشْرة» التي في جيبي، لأكتشف بأنها لم تكن سوى «بعْرة».. أعزكم الله!! فاطمه اللامي Esmeralda8844@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©