الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مغاربة يحولون قصوراً أثرية إلى فنادق ألف ليلة وليلة تستقطب السياح

مغاربة يحولون قصوراً أثرية إلى فنادق ألف ليلة وليلة تستقطب السياح
8 فبراير 2010 20:49
سجلت مبيعات القصور والمنازل العتيقة في المغرب أرقاماً قياسية بفضل إقبال المستثمرين العقاريين عليها لتحويلها إلى دور ضيافة وفنادق سياحية مع المحافظة على شكلها وطابعها المعماري حيث يخيّل لزائرها أنه داخل متحف فخم أو منزل كبير من منازل القرن الثامن عشر، يوفر أجواء هادئة ورومانسية تمتزج فيها الأصالة والمعاصرة. تعتبر المنازل القديمة والقصور أو «الرياضات» كما يطلق عليها المغاربة تراثاً معمارياً مميزاً يجمع بين معايير ومميزات المعمار التقليدي المغربي، كما أنها شهدت أحداثاً تاريخية هامة لأن قاطني هذه «الرياضات» كانوا من أشهر العوائل بالمغرب فأفرادها شاركوا في السياسة والحكم واجتمع في قصورهم أشهر السياسيين والفنانين وأبناء العائلات الميسورة. كما ساهم ثراء وتاريخ هذه العائلات المرموقة في بقاء هذه القصور شامخة سنوات عديدة لأنها كانت قادرة على بناء الرياض على أسس متينة وتزيينه وتأثيثه بأجمل تحف الصناعة التقليدية المغربية، ويدل الاسم الذي أطلقه المغاربة على هذه المنازل الكبيرة «الرياض» على هندسته الداخلية فكلمة الرياض تعني الحديقة الفسيحة الجميلة، لذلك تم تخصيص جزء كبير من مساحة هذه القصور لبناء الحديقة الأمامية والخلفية والأحواض الجانبية. تراث معماري قبل تحويل هذه المنازل التقليدية الفاخرة إلى دور للضيافة وظفت بعض هذه القصور في عدة أغراض حيث كانت مقراً لمصالح الحكم ثم ورشة للصناعة التقليدية ثم متحفاً، ما يضفي عليها أهمية استثنائية تزيد من مكانتها التاريخية وخصوصية تراثها المعماري الغني والحافل. وتدل الخصوصيات المعمارية والهندسية لهذه القصور على تنوع الآلات المعتمدة في بنائها وتزيينها فهذه الأنسجة العمرانية العتيقة شيدت على أنقاض قصور قديمة وأعيد بناؤها خلال القرنين الماضيين، وهي شبيهة بالقصور التقليدية الأندلسية وتشكل نموذجاً للعمارة الإسلامية المغربية، وقد عرفت هذه البنايات ترميمات وإصلاحات كبرى على يد ملاكها الأصليين من سلاطين وكبار التجار والعلماء ثم توارثتها الأجيال وحافظت على تراثها المعماري ومكانتها المتميزة. ويتكون الرياض من حديقة فسيحة ذات طراز أندلسي تتوسطها بناية تاريخية تم بناؤها وتهيئتها بشكل يسمح لعائلة كبيرة مكونة من عدة أجيال بالسكن فيها واستقبال زوار للإقامة معهم، ويضم الرياض داراً صغيرة يطلق عليها اسم «الدويرية» مخصصة للضيوف والزوار، إضافة إلى الدار الرئيسية التي يتوسطها بهو وفضاء مفتوح مزين بنافورة في الوسط ومحاط بثلاث قاعات كبيرة لاستقبال الزوار وإقامة الحفلات إضافة إلى الطابق العلوي بقاعاته الأربع الكبرى. أما الحديقة فتتكون من أحواض بها مجموعة من الأشجار المثمرة وتتوسطها نافورة وصهريج مستطيل الشكل وفي جهة الجنوبية للحديقة أحواض مائية وزخارف من الخزف المغربي. وتتميز غرف الرياض بطبيعة خاصة وتتمازج مكوناتها المعمارية من أعمدة رخامية وسقوف خشبية وحيطان الخزف التقليدي لتضفي رونقاً خاصاً على هذه البناية الجميلة، فالحمامات مزينة بالجبس والفسيفساء والأبواب الخشبية منقوشة برسومات جميلة أما السقوف ردهة الاستقبال فتم تزيينها بزخارف الخشب والجبس. وفيما يتعلق بالأثاث والديكور يزين الرياض المغربي ببقايا أثرية غنية ومتنوعة تتكون من مجموعات هامة من التحف وقطع الانتيك والكتب التراثية والساعات الحائطية القديمة والنقود العتيقة والحلي والأواني الفاخرة والسيوف والبنادق والآلات الموسيقية والنصب التذكارية. وتم تأثيث الرياض بشكل يزاوج بين الأصالة والمعاصرة فأرضية الغرف مغطاة بمفروشات «الزرابي التقليدية» وبعض منتجات الصناعة التقليدية، أما الأرائك والأسرة فهي حديثة الصنع لكن مظهرها يوحي بأنها من إنتاج عصور الخلافة الإسلامية. وكل هذه العناصر والإبداعات والتحف الفنية التي تجسد فن العمارة المغربية بأبهى حلة، تضفي على الرياض المغربي فخامة لا مثيل لها، ما يدفع السياح إلى التخلي عن الإقامة في الفنادق وتعويضها بالإقامة في الرياض حيث يستمتع بعد جولاته اليومية في أسواق المدينة بأجواء قصور سلاطين الأساطير وليالي ألف ليلة وليلة. غلاء الأسعار مع تضاعف أسعار العقار في المغرب وتزايد إقبال المستثمرين المغاربة والأجانب على اقتناء هذه الفضاءات، أصبحت «الرياضات» العتيقة بمدن مراكش وفاس ومكناس نادرة وغالية، وتحولت من محطات معمارية وثقافية هامة في تاريخ المغرب، إلى مناطق جذب عقاري تحظى باهتمام كبير من المستثمرين. وقال سعيد بنيس، مهندس معماري وخبير بترميم هذا النوع من العقارات، إن الأجانب يقبلون على اقتناء الرياض المغربي وتحويله إلى دار للضيافة واستغلال الموروث الحضاري والمعماري لهذه الفضاءات العتيقة لجذب السياح الذين يفضلون هذه الأماكن الكلاسيكية على الفنادق الفخمة، وأضاف أن «المستثمرين العقاريين من أوروبا كانوا أول من غامر باقتناء هذه الفضاءات وترميمها وتحويلها إلى فنادق لأنهم يدركون أهميتها التاريخية والثقافية عند السياح، وبفضل نجاح مشاريع استغلال هذه القصور في السياحة تضاعف الإقبال على اقتناء الرياضات مما تسبب في تنافس المستثمرين المغاربة والأجانب على اقتنائها وارتفاع أسعارها بشكل خيالي». وأوضح بنيس أن أغلب هذه القصور تكون في حالة مزرية نظراً لعدم اعتناء أصحابها بها، ما يتطلب من المالك الجديد القيام بعمليات ترميم عديدة تحافظ على ملامح الرياض وشكله المعماري التقليدي وجمالية عمارته، وفي نفس الوقت إدخال تعديلات عليه لتوفير جميع وسائل الراحة والاستمتاع للسياح لحثهم على الاستغناء على الفنادق والشقق المفروشة والإقامة بالرياض. وأشار إلى أن ما يهدد هذه الرياضات هو عمليات الترميم الجذرية التي تطرأ عليها والتحولات التي تؤدي إلى تغيير ملامحها وشكلها المعماري التقليدي مما يهدد جمالها وأصالتها وتفردها. ودعا إلى الحفاظ على هذا التراث الإنساني والاستثمار في هذه الفضاءات بشكل يحافظ على العمارة المغربية ويحترم معايير وضوابط المعمار التقليدي الخاص بالمدينة القديمة في المغرب.
المصدر: الرباط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©