الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد بن يعروف عشق البحر وانتصر على أخطاره

محمد بن يعروف عشق البحر وانتصر على أخطاره
12 أغسطس 2011 22:17
يعد محمد بن علي بن يعروف أحد رجال دبا الذين عملوا على تطوير أنفسهم ولذلك كانت له زيارات للصين في فترة من حياته، حيث كان يتعاقد مع الصينيين لجلب الأسلاك التي كانت تصنع منها القراقير، ولكنه توقف بعد ذلك حين وجد أن المنافسة ازدادت وأصبح الرزق أقل مما كان عليه بالنسبة لسوق القراقير، وحاليا توقف محمد عن كثير من النشاطات، بعد أن أصبح غير قادر على ممارستها ولكنه يحب الذهاب إلى الميناء وإلى سوق السمك، ويحب كل ما له علاقة بالماضي. دبا الحصن تلك البلدة التي تستلقي على ضفاف الخليج، وتتكئ على سلسلة من الجبال المحيطة بها، تحتضن المزارع التي طالما كانت من أجمل البساتين التي كان المصطافون من مختلف أرجاء الإمارات يتلهفون لقضاء صيف رائع بها، فهي من أجمل المقايض حيث يقيض الأهالي من مختلف الإمارات للاستمتاع ببيئتيه الجبلية والبحرية، ولا تزال دبا تلك البلدة الجميلة الساحلية ذات المزارع والبساتين الكثيرة المليئة بالخيرات، ورغم أنها لم تعد كما كانت إلا أنها زاخرة بالخير. و?محمد بن علي بن يعروف النقبي من عشيرة يعروف وقبيلة النقبيين، وهو من سكان دبا الأصليين، وكان سكان دبا قلة ولذلك كان الفرد منهم يمتلك الكثير من الأراضي في المنطقة الزراعية الحالية، ومعظم سكان دبا ينتقلون لمنطقة المزارع كل صيف وتسمى منطقة الشهري، في عملية تسمى الحوال وباللهجة المحلية يقول الرجل «بنتحول إلى النخل». فضل الوالد كان والد محمد هو علي بن يعروف، رحمة الله عليه، المطوع الذي كان يعلم البنات والبنين القراءة وتلاوة وحفظ القرآن، ولذلك كان يحظى بمكانة جليلة بين سكان دبا والمناطق المحيطة بها، وكانت مهنته الأصلية القلافة وهي صناعة السفن والزوارق والشواحيف، وعندما أصبح محمد يعي ما يحدث حوله كطفل، وجد نفسه يذهب يوميا إلى مزرعة والده ليعتني بالزرع أو يزرع. والده علمه وأحسن تربيته ولذلك اعتاد على العمل صباحا، وفي المساء كان يحرص على أن يعلمهم الكتابة والقرآن على ضوء المصباح الزيتي الفنر، وخلال تلك الفترة اشترى والده مزرعة أخرى كانت تسمى بيبيان، والمال الذي اشترى به المزرعة من النقود التي جمعها في زمن الغوص وكانت تبلغ خمسة آلاف روبية، ثم من نقود صنع السفن ولذلك اشترى في البداية نصف المزرعة، وكان النصف الثاني تعود ملكيته للراحل سلطان العويس رحمة الله عليه الأديب والشاعر الإماراتي المعروف. تلك المزرعة بها الخير الكثير حيث كانت تطرح سنويا ما يعادل 50 إلى 70 جرابا من التمور، والجراب يحمل نحو 25 إلى 50 كيلوجراما، فكان والد محمد رحمة الله عليه يبيع من تلك التمور ويحتفظ بجزء منها لأهله، وحتى الأهالي الذين اعتمدوا على مهنة قطع الحطب أو التحطيب كان يبادلهم الحطب بالتمور أحيانا، حتى استطاع تكوين ثروة.?ويعد الزواج المبكر عند أهل الإمارات خاصة وفي دول الخليج عامة سنة القصد منها التحصين والعفة، ولذلك تزوج محمد وعمره لا يتجاوز الاثني عشر عاما، لأن الأهالي عندما يشعرون بمظاهر الرجولة على أبنائهم يزوجونهم، كي يضمنوا لهم الاستقرار والتفرغ للأسرة والعمل، وتم اختيار خديجة بنت الشيخ علي بن أحمد بن غازيين زوجة لمحمد. إلى ذلك، يقول محمد عن والد زوجته إنه كان قاضيا وشيخ دين ورع، وهو من أعيان دبا وقد أصبحت تلك الفتاة أم عياله وشريكة الدرب الطويل، التي صبرت على غيابه وحفظت له بيته وعياله، ولا يزال يتذكر أن أهل البحرين والكويت كانوا يأتون في سفنهم إلى دبا لشراء الحطب، وفي تلك السنوات وذلك العمر الصغير بدأ محمد في العمل في البحر. رزق الأعماق أصبح محمد يكره الابتعاد عن البحر، ويشعر بالضعف والوهن إن لم يركب زورقه ويدخل إلى الأعماق، فكان يخرج في رحلات تسمى عاملة أو للضغاية، وهذه التسمية تطلق على رحلات صيد سمك السردين الصغير الذي يسمى محليا العومة، وبعد فترة قصيرة استطاع محمد أن يكسب ثقة أهل دبا فانضم للعمل معه ستين شخصا من أهل دبا، وتستخدم العومة لصنع الجاشع بعد تجفيفها في الشمس على حرارة الرمال وتقليبها حتى تجف. والجاشع هو مسحوق السردين، ويقوم الأهالي أحيانا بطبخ العومة كمرق، وفي الماضي كان كل 100 منَ من الجاشع يباع بـ 35 روبية هندية، وكمية المن تعادل أربعة كيلوجرامات من الجاشع، ولكن أخذ سعرها يزداد حتى أصبحت بـ 10 دراهم، ويلجأ الرجال إلى وضعه على هيئة أكوام كبيرة تسمى فلل، فكان بعد تجفيفه يغطى حتى يأتي الشاري ليشتريه ويشحنه في السفن لتصديره إلى سلطنة عمان قديما ليستعمل كسماد للمزارع، وأيضا للبحرين وإلى كرمب في سيريلانكا حيث يستعمل كوجبة ثمينة. بعد أن توقف محمد عن رحلات الضغاية في عام 1964، توجه للصيد بالألياخ، وهي نوع من أنواع الشباك التي تستخدم لصيد السمك فكان يصيد بها القباب، ويتذكر محمد صديقا يكبره بأعوام كثيرة الذي كان من أشد المنافسين له في البحر، وهو خليفة أحمد جابر في عام 2007 كان يبلغ من العمر ما يزيد عن 120 عاما عندما توفي قبل حوالي خمسة أعوام. وكان خليفة من الرجال الذين يصطادون الجاشع، وأيضا كان هناك عبدالله راشد السلامي رحمة الله عليه، وهو من الأصدقاء المخلصين وممن عملوا معه في البحر، ولا يزال محمد يملك محملا وهو نوع من أنواع السفن الخشبية القديمة وقد أطلق عليه اسم عقاب، وعمل عليه لمدة 12 عاما، كما قام محمد بصنع قارب خاص له من «الفيبر جلاس» يعمل عليه عمال من الجنسيات الأخرى وذلك منذ سنوات بعيدة، وحين يتحدث عن الصيد تنفرج أساريره وكأنه يعيش تلك اللحظات. مواقف صعبة هناك من يصيد بالقراقير الهامور والحمرا والسكل والشعري، ويتم صيد القباب بالليخ ويحب أهالي دبا معظم الأسماك عامة، ولكنهم يفضلون النقرور والقباب والكوفر، وأيضا الشعري والجرفا والخباط، ويعتبر محمد من أول مؤسسي أسلوب البيع بالمزاد في دبا، ثم جاء بعد ذلك حسن بن جرش ودخل بعد ذلك آخرون، وحاليا يدخل محمد المزاد ليشتري ويقوم بشرائه لصالح مصنع في إحدى إمارات الدولة يقوم بتصديره إلى الخارج. و?لا يطيق محمد فراق البحر ولذلك حين انتقل معظم أهالي دبا إلى بيوت جديدة في مناطق أخرى بعيدة نوعا ما عن البحر، لم يغادر محمد ذلك البيت المطل مباشرة على ميناء دبا الصغير منذ زمن بعيد، وهو متعلق أيضا بمسجد قديم وصغير بجانب المنزل، وبذلك يعتبر محمد أن أهم الأشياء في حياته قد توافرت حوله، إلا أن مسؤولي إمارة الشارقة كما يقول محمد يهتمون بتوفير البيئات المناسبة للأسر التي عاشت بقرب البحر، ولكن بن يعروف كانت له أسباب أيضا تجعله يكره البحر في الوقت ذاته، ومنها الأهوال التي واجهته وواجهت غيره من إخوانه الصيادين في دبا، وموت الكثيرين في وسطه أو في أعماقه نتيجة عدة عوامل أهمها وجودهم في البحر. ومن ذكريات محمد أنه خرج ذات يوم ومعه ثلاثة من البحارة وكانت الدنيا مظلمة، فلا هي من أجواء المطر ولا الغبار ولا الرياح، بعد مرور ساعتين على مغادرة ميناء دبا طلب من أحد البحارة أن يستلم الدفة كي يصلي، ولم يعاين البوصلة حتى يتأكد من الاتجاه، ولم يشعروا أنهم انحرفوا عن مسارهم نحو إيران، وعندما وصلوا قريبا من البر ساروا لمسافات طويلة، وجدوا رجالا يجلسون على أحد الموانئ. طلبوا منهم المساعدة فقال لهم أحد الرجال إن كنتم قد ضللتم الطريق فإن أقرب ميناء لكم هو ميناء خورفكان ويبعد عن هنا مسيرة 10 ساعات، ولم يستجب الرجال في ذلك الميناء لنداءات محمد، حيث حذروه من التوقف لتعبئة الخزان بالبترول ولم يقبلوا ببيع إحدى بوصلاتهم له، ولكن قدموا له خدمة توجيهه بالإشارة إلى الخط الذي يجب أن يسير عليه، وسار محمد في ذلك الاتجاه من الساعة الثانية عشر ليلا حتى الساعة السادسة صباحا حيث شاهد إحدى البواخر تمر بجانبهم، فتيقن أنه في الاتجاه الصحيح. ويشير إلى أن وجود الباخرة يدل على أنه في المياه الإقليمية لدولة الإمارات وفي دبا كانت البلدة في حالة من القلق لغياب الرجال، ويقول محمد إن البحث عنه كان جاريا، وقد انفق أهله ستة آلاف درهم ثمنا لوقود القوارب التي طلبوا من أصحابها الخروج للبحث عنه، وهي 12 زورقا، وعند وصوله وجد كل أهالي دبا يقفون بجانب الميناء لاستقباله. هجوم «ذيبة» يتذكر محمد بن يعروف أنه ذات شتاء خرج ومعه صديقه أحمد مراد في رحلة صيد، وبعد أن فارقا البلد بساعتين ونصف توقفا للصيد، وبعد فترة من الزمن جاءت لهم سمكة قرش من النوع الذي يسمى ذيبة، وهي من النوع الذي يستطيع أن يقف مستقيما كي يلتقم بحارا من داخل سفينة صغيرة، وكان محمد وأحمد يستخدمان المجاديف، فانقضت الذيبة وخطفت مجداف أحمد، وربما كانت تتوقع أن تخطف المجداف ويسقط البحار في البحر. والجو كان شديد البرودة فجلس الاثنين داخل السفينة يطلان برأسيهما على تلك الذيبة التي بقيت تحوم حولهما، ومن شدة البرد تجمدت كفوف محمد على الدفة، ولم يستطع أن يفك أصابعه عنها، حتى قام مرافقه بفك تلك الأصابع التي جمدت من الصقيع والذعر، واستمر الحال على ماهو عليه حتى تم إنقاذهما وتلك بعض من المواقف التي يتعرض لها كل من يدخل إلى البحر.
المصدر: دبا الحصن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©