الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

إبداع مؤجل

8 نوفمبر 2010 23:31
أكثر الحالمين بالتقاعد من الوظيفة هم المبدعون الأصيلون، الذين يعتقدون أن وظيفتهم الأصلية هي العيش لوجه الإبداع، الإخلاص للحرف واللون والفكرة والحركة وخشبة المسرح والطين والصلصال، ويبقى يراودهم الحلم حتى سن التقاعد الوظيفي الفعلي، وتبقى مشاريعهم مؤجلة، يعيشون بفكرة تعشش في أرواحهم أنهم لم ينتجوا الأجمل بعد، لم يقولوا كلمتهم، ولم يملؤوا مساحاتهم، لم يعيشوا الهواجس كما ينبغي، ولم يتحرشوا بالأفكار التي تناوشهم باستمرار، لم يتماهوا بأعمالهم حق التماهي، فإذا جاءت لحظة التفرغ يخرج لهم الفراغ لسانه من وجه أثقلته الأيام هازئا مشفقا. الفكرة قديمة جديدة، والحالم يبقى حالما، والآخر لم يحاول حتى النظر في كينونة المبدع، ولم يحاول لملمة الشظايا والحمم الصادرة عنه، رغم رؤيته لها، وربما إدراكه لها، وتحقيق الفكرة لو يعلمون بسيط جدا، وغير مكلف، ولا يشكل عبئا على المؤسسة الخاصة أو الرسمية، بل إن العائد أكبر مما يتخيلون، العائد رموز حضارية وثقافية، علامة إبداعية تسجل باسم المكان الأصيل، شأنها شأن العلامات السياحية والاقتصادية والتجارية. الوطن العربي ليس استثناء، المبدع في العالم يواجه هذه المشكلة مع فارق جوهري يتمثل في أن مؤسسات ودور النشر العاملة في العالم المتحضر تقوم بعملها بإخلاص وإتقان ومصداقية وشرف، فدور النشر ليست وسطاء طباعة، ولكنها تحمل وزر نشر الكتاب وتوزيعه في الأماكن التي يمكن الوصول إليها، فهي صناعة في المقام الأول، صناعة النشر، وصناعة المبدع، وتقديم نجوم بين فترة وأخرى للمجتمع وحركة الإبداع، فينعكس هذا كله على إيقاع حياة المبدع اليومي، ولكننا في وطننا العربي نخلط بين صناعة الطباعة وصناعة النشر، وهي معضلة تعوق وصول الإبداع إلى مبتغاه وصاحبه، القارئ والمتلقي، أي تقوم دور النشر بعملية، ربما دون سوء نية، حجب الإبداع عن مريديه وأصحابه، ويتحججون بالإمكانيات وشحها، وبقلة القراء، وبالأمية المتفشية، وغلاء المواد الأساسية، وهي أعذار لا معنى لها وغير مبررة، ولا تعكس سوى ضحالة مفهوم عمل الناشر. المؤسسة الحكومية في الوطن العربي مطالبة بأمرين رئيسيين: الأول أن تحقق حلم المبدع فتمنحه المكانة التي يستحقها، وترسم صورته الحقيقية في الإعلام، وتعطيه أولوية في ترتيب القيم، فلا تدعه يفكر إلا في الإنتاج، والأمر الثاني إنشاء مؤسسات ضخمة للنشر والطباعة والتوزيع، تتمتع بحرية كبيرة، وموضوعية أكبر، يعمل فيها أصحاب الفكر المستنير، الذي لا يصادر ما يختلف معه من أجناس إبداعية، وإطلاق حملة اجتماعية كتلك التي يطلقونها لنشر الوعي بالصحة العامة، فصحة الإبداع توازي في أهميتها صحة الجسد، والمبدع ليس أقل أهمية من لاعب كرة القدم.. ولا يمكن المفاضلة بين العقل والقدم، مع الاحترام الشديد للكرة. akhattib@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©