الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ذكاء

ذكاء
1 سبتمبر 2014 18:17
كانت لي شقيقة تعمل في مجال تصميم المناهج وطرق التدريس، وفي صباي أجرت عليَّ حشداً من اختبارات الذكاء وسرعة التعلم. إلخ. ضمن أبحاثها. يرحمها الله. بعد عدة اختبارات مرهقة تعلمت أنني لست أكثر غباء من الآخرين. . نفس مستوى الذكاء المعتاد لدى بائع الصحف والبواب وكاتب المسلسلات وشرطي المرور . إلخ. إلا أن البواب وبائع الصحف والتاجر يملكون نوعاً خاصاً من الذكاء، أفضل أن أطلق عليه لفظة (النصاحة) العامية، وهي تلك الخاصية الساحرة التي تتيح له أن يغالي في السعر ويخدعك وأنت المتعلم، وتتيح له أن يكوم المال وأن يبني عدة عمارات، فتبحث أنت عن شخص ذي نفوذ يقنعه بأن يعطيك شقة فيها. لنفس السبب سئمت كل الاختبارات من طراز «حاول تقسيم المربع بثلاثة أعواد ثقاب لتحصل على 18 مثلثاً متساوية الأضلاع» أو «اجعل الرجل يعبر النهر بالنمر والماعز بحيث لا ينفرد النمر بالماعز أو القط». أو «ماذا سيقول الرجل قبل شنقه أو كيف تعرف رجل قبيلة الكذابين». و«قطاران ينطلق الأول من المدينة أ إلى المدينة ب وينطلق الثاني من المدينة ب . فمتى يلتقيان علماً بأن سرعة الأول 170 كلم في الساعة؟؟». هناك كذلك اختبارات معقدة من طراز «البيت الأول فيه فتاة تحب الأحمر وتقرأ كافكا . الثاني فيه فتاة لا تقرأ لكنها تحب الأصفر . إلخ . وعلى الأرجح سوف يزف لك اللغز نبأ أنه لم يحله سوى اينشتاين. المنتديات تعج باختبارات مماثلة، وعندي كتاب سوفييتي قديم يضم كل هذه النوادر اسمه (الرياضيات المسلية). الفكرة هي إنني تعبت فعلاً ولم أعد أستطيع أن أرغم نفسي لحظة واحدة على التفكير في أمور كهذه. وعندما أنجح فيها فأنا لا أسعد بذلك. لقد سئمت ألعاب ثورندايك هذه واختبار السرعة التي يستطيع بها حيوان الراكون تحريك الرافعة وفتح القفص، أو الطريقة التي يستطيع بها القرد الوصول للخطاف والحصول على الموز. لقد حللت كثيراً من هذه الاختبارات في صباي كما قلت لك. أقابل الكثير من اختبارات ثورندايك هذه كلما ابتعت جهازاً جديداً خاصة إذا كان صينياً والتعليمات تضللك أكثر مما تفيدك. لا أريد هذا النوع من الذكاء، كما لا أريد النوع الآخر من الذكاء المتعلق بحل الكلمات المتقاطعة . أنا لا أعرف طول نهر الأمازون ولا أريد أن أعرف، فإذا وقعت في موقف نادر . مثلاً أقع في يد سفاح يهددني بقطع عنقي بالسيف، ويقول بلهجة مرعبة: - «ما طول نهر الأمازون أيها الوغد؟!. أجب!» وقتها سيكون مهماً أن أعرف طول هذا النهر. سوف أطلب منه أن يمنحني لحظات من الحياة لأبحث عن أقرب جهاز كمبيوتر وأفتح الويكيبديا. لو قلت لي إنه لا يوجد سفاح ينتظرك حتى تفتح الويكيبيديا قبل ذبحك، فلسوف أقول لك: يا سلام!. وهل هناك سفاح يذبحك لو لم تعرف طول الأمازون؟ ثقافة الكلمات المتقاطعة منتشرة جداً، وقد علمتنا المدارس أنها الثقافة الوحيدة، ثم جاءت البرامج التلفزيونية لتقنعنا أنها طريقة الحصول على المليون كذلك. حضرت دورة عن علم النفس السلوكي في كلية التربية، وكان هناك أستاذ يحدثنا عن الشخص الغبي الذي يتمسك بحرفية الكلمات. ثم أشار إلى أحد الجالسين وسأله بطريقة عابرة: «هل يمكنك غلق الباب؟». هز الجالس رأسه وقال في ثقة: «نعم . يمكنني غلقه». ضحك الأستاذ في انتصار وقال: «هل رأيتم؟. سؤالي معناه هو: أرجوك أن تغلق الباب. لكنه تمسك بالمعنى الحرفي!». كتمنا أنفاسنا ولم نخبره أن هذا الغبي هو الأول على دفعته، وعبقري رياضيات مشهود له بالذكاء. وتذكرت على الفور كيف تورط أينشتاين في حسابات معقدة مع المحصل في الحافلة، حتى قال له المحصل: «مشكلتك هي جهلك المطبق بالرياضيات!!». وكيف جلس نيوتن قرب المدفأة شاعراً بالبرد فطلب من الخادم أن ينزع المدفأة من الجدار ويضعها جواره. قال الخادم في دهشة: «ولم لا تحرك مقعدك لتجلس جوارها يا سيدي؟». تلك هي المسألة . هذا ليس غباء وإلا لكان أينشتاين ونيوتن غبيين . واختبارات أعواد الثقاب وحل الكلمات المتقاطعة ليست ذكاء. ما أريده هو عنصر (النصاحة) الذي أفتقر له بشدة. وهذا شيء لن تتعلمه ما لم تقض بضعة أعوام مع عم صالح البواب تتعلم منه وتتشرب حكمته في الحياة. لا أعتقد أن العمر يسمح لي بحلم كهذا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©