الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شعوب تواقة للحرية

12 أغسطس 2011 23:18
في الواقع لابد من الإقرار بأن بعض مجتمعاتنا، وطالما أنها تعيش في قلب الفشل والحطام المادي والمعنوي منذ عقود، فإنه لم يعد يهمها أن تكابد وتعاني وتدفع المزيد من التكاليف وفواتير الإصلاح والتغيير، وتتحمل الكثير من الأعباء والأثمان الباهظة من دمها ودموعها ومستقبلها للتخلص من أنظمة سلطوية. هذه النظم العنيفة أصبحت تتمثل في أذهان شعوبها بصور شتى من سلوكيات الشيطنة والأبلسة، سترحل من دون أدنى شك، وسنتذكرها فقط من زاوية الاعتبار والمواعظ والدروس والعبر التاريخية بأن نعلم أبناءنا ثقافة المحبة والتسامح والحرية التي لم تعرف تلك النظم طريقاً إليها بالرغم من كونها (أي الحرية) إحدى الشعارات واللافتات والعناوين العريضة التي رفعتها تلك النظم واشتغلت عليها طويلاً، فأنتجت بدلاً عنها الكبت وكم الأفواه وسحق الناس، وبناء مئات السجون والمعتقلات، مع عشرات آلاف القتلى والضحايا ومئات آلاف المفقودين والمشردين والمنفيين والمهجرين، إضافة إلى هدر كبير وإفساد عريض في الثروات والموارد الطبيعية التي هي ملك الناس جميعاًَ وليست ملك مسجل لهذه الفئة أو تلك الزمرة. ونحن نجد أن هؤلاء الناس -في مختلف أنحاء وطننا العربي الكبير- الراغبين بحدوث التغيير والساعين إليه والمشاركين بقوة فيه، والمنتفضين ضد نظمهم المستبدة يقدمون لنا -من جهة- صوراً حية واقعية أصيلة عن هذه طاقة مختزنة في تلك المجتمعات والتي كنا نشك حتى وقت قريب بوجودها وظهورها وانبثاقها بعد تغييب قسري طويل. ومن جهة أخرى نجدهم يمارسون أرقى أنواع الحراك السلمي الحضاري التواق لمعانقة قيم الحرية والكرامة والديمقراطية، والمتطلع لبناء دولة القانون والمؤسسات المدنية. من هنا اعتقادنا الجازم بأن النصر سيكون من نصيب هذه الشعوب المغلوبة على أمرها، لأنها وبمنطق التاريخ تطالب بالعدالة وإحقاق قيم الحق والحريات والمساواة، وهي تتوق للديمقراطية والحياة المدنية الحرة، وأساس هذه الديمقراطية هو سيادة الشعب ومن ورائها سيادة الدولة واستقلالها أو استقلال قرارها الوطني. كما أن ما جرى في تلك البلدان المغلقة لم يعد مقبولاً، ولم يعد بمقدور تلك المجتمعات أن تتحمل أكثر التكاليف المدمرة من حياتها ومستقبلها ومن أمنها واستقرارها.. بالرغم من أن تلك المجتمعات مستعدة حتى اللحظة للتضحية بالمزيد المزيد ودفع الغالي والرخيص للخلاص من عهود الظلم والتوحش الذي أذيقت فيه الأمرّين من صنوف القتل والقهر والعذاب، وبدء عهد الحريات والمدنية والديمقراطية في بلدانها. ولهذا وبما أن تطورات العلم وانتشار العولمة الإعلامية وتوسع شبكات التواصل الاجتماعي بين الناس قد فتح المجال أمام الإنسان للاطلاع الحي المباشر والسريع على كل شيء، والوقوف الواعي المتأمل أمام كل الأحداث والتغيرات بتفاصيلها ودقائق أمورها، فقد رأى الناس ما حدث في تجارب الشعوب الأخرى (الغربية والشرقية على حد سواء) من تطورات مذهلة انعكست إيجاباً على مستوى معيشة تلك الشعوب، ودخلها العالي المرتفع، وعلى مستوى تنميتها الاقتصادية التي سجلت أرقام نمو عالية، وعلى مستوى حرياتها الكاملة، وحياتها السياسية القائمة على الفرد الحر والتداول السلمي للسلطة، وإشاعة أجواء السلام المجتمعي، والتسابق في خدمة الصالح العام.. وهكذا توصل كثير من الناس في عالمنا العربي إلى قناعة عملية راسخة بأن السبب في معاناتهم وفقرهم وتخلفهم وتقهقرهم هو وجود تلك النخب والطبقات ومراكز القوى، وبقاء حكامهم ومن ورائهم وجود هذا العدد الكبير من قوى واسعة الصلاحيات والمحمية بالقوانين والأنظمة الممسكة بتلابيب دولهم من الأعلى إلى الأسفل، مما منعها -ويمنعها باستمرار- عن التطور والنمو وتلبية متطلبات واحتياجات شعوبها السياسية وغير السياسية، ومواكبة تطورات الحياة المعاصرة، ويمنع الناس من أخذ حقوقهم ومكتسباتهم في العيش الحر الآمن الكريم.. نبيل علي صالح - كاتب سوري ينشر بالتعاون مع مشروع منبر الحرية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©