السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لوحات المستشرقين في خدمة الفن الإسلامي

لوحات المستشرقين في خدمة الفن الإسلامي
29 أغسطس 2014 20:15
منذ القرن السابع عشر الميلادي أصبح الشرق الإسلامي ميداناً خصباً لما يعرف بالدراسات الاستشراقية، وراحت هذه الدراسات تنتقل من الطابع الاستكشافي إلى الميادين السياسية والأكاديمية من القرن الثامن عشر لتشكل اليوم أحد المصادر المهمة في دراسة أحوال الشرق في بداية العصور الحديثة. بعيداً عن الدوافع الاستعمارية أو التبشيرية التي يرى بعض الدارسين أنها كانت المحرك الرئيسي لموجات المستشرقين التي زارت بلاد الشرق الإسلامي، فإن اللوحات التي رسمها الفنانون الأوروبيون لمناظر الحياة اليومية في بلادنا تعد مصدراً مهماً للحصول على معلومات موثقة عن الفن والعمارة الإسلامية، ولا سيما في المدن العربية التي استقبلت هؤلاء الفنانين خلال سنوات القرن التاسع عشر على وجه الخصوص. ونظراً لاهتمام الرسامين وخصوصاً القادمين من بريطانيا وفرنسا بتصوير ملامح الحياة الاجتماعية فقد ترك هؤلاء ميراثاً كبيراً من اللوحات ذات الطابع التوثيقي للشوارع والأسواق، بل وللحياة الاجتماعية داخل البيوت ويعتمد بعض الباحثين المحدثين على هذه اللوحات لدراسة حالة العمائر الأثرية في بداية العصر الحديث، وكذلك لدراسة الملابس والأدوات التي كانت تستخدم آنذاك، وهو ما يجعل من لوحات المستشرقين مجالاً خصباً لدراسة بعض أوجه الفنون الإسلامية المعمارية والتطبيقية على حد سواء. مجموعات فنية وجرت محاولات لتجمـيع كافـة لوحات الاستشراق الموزعة بين عدد كبير من المتاحف العالمية والمجموعات الفنية الخاصة وخرجت أول عشرة مجلدات منها للنور في نهاية القرن الماضي، وقد حوت رسوماً مميزة لأشهر الفنانين الاستشراقيين من أمثال الإنجليزي دافيد روبرتس والفرنسي تيفاني فضلاً عن رسامين آخرين من ألمانيا والنمسا والولايات المتحدة الأميركية وإيطاليا. وتكشف المناظر الداخلية التي رسمت لقاعات في بعض المنازل عن حرص الفنانين الأوروبيين ليس فقط على النقل الدقيق للأنشطة الاجتماعية كتناول الطعام وممارسة ألعاب التسلية والتدخين والرقص، بل وأيضاً للتفاصيل الفنية الدقيقة لما كانت تحتويه جدران القاعات من زخارف وما يوجد بها من أدوات الاستخدام اليومي ناهيك عن المفروشات، وأيضاً الملابس وأغطية الرأس الخاصة بكل فئة اجتماعية سواء من الرجال أو النساء. ومن الفنانين الإيطاليين الذين اشتهروا في مجال التصوير الاستشراقي وعملوا بشكل مخطط لخدمة الدراسات الأكاديمية لمدارس الاستشراق الأوروبي الرسام جوليو روساتي، الذي ولد بروما العام 1857م وتوفي العام 1917م، وقد زار مصر عدة مرات في العقد الأخير من القرن التاسع عشر ليرسم عدة لوحات مفعمة بالتفاصيل الفنية. أغطية الرأس من هذه اللوحات اثنتان لباعة السجاد والمفاوضات الطويلة التي تجري بينه وبين المشترين ويبدو فيهما أن التاجر كان يعتمر تقليدياً غطاء رأس أحمر اللون ينتهي بذؤابة سوداء وحوله عمامة بيضاء وقد حرص جوليو على التمييز بين الأشخاص في الصورتين طبقاً لأغطية الرأس والملابس، ففي الصورة التي تبين ملامح سوق به حوانيت مغطاة بأسقف مائلة يبدو تاجر السجاد، وتاجر آخر يجلس أمام حانوته، وقد اعتمر كل منهما ذات العمامة تماماً مثل التاجر بالصورة الثانية الذي يعرض بضاعته على قارعة الطريق أما الزبائن، فمنهم من يرتدي الطربوش الأحمر الخاص بأرباب الوظائف الديوانية مع سروال أبيض وقميص قصير من ذات اللون، ومنهم مثلما نرى في الصورة داخل السوق من يرتدي زي الأعراب، وهو عبارة عن ثوب أبيض واسع الأكمام وفوقه عباءة من لون أصفر باهت قد يربط الجزء الذي يغطي الرأس منها بعقال ومنهم من يرتدي ما يشبه البرنس المغربي، وفي ذلك إشارة واضحة لتباين الاختلافات بين أصول البدو في مصر، وهو أمر تؤكده الدراسات التاريخية، حيث كان هناك تمييز واضح على سبيل المثال بين عرب الحويطات في شرق الدلتا وبين عرب هوارة ذوي الأصول المغربية بصعيد مصر. أما السجاد الذي يعرضه التجار، فتبدو عليه مسحة إيرانية واضحة من خلال الزخارف سواء المرسومة على أرضيات بيضاء أو حمراء والعناصر النباتية التي تزدان بها. وهذا الإيطالي يبدي حرصاً شديداً على رسم السجاد والمفروشات أيضاً في لوحاته المختلفة مثلما نرى في لوحتين بهما مناظر للعب بالنرد أو الطاولة، ففيهما تكتسي الأرائك بذات القطع الحمراء ذات الحواف الزرقاء، بينما تبدو في الأرضيات أنواع مختلفة من السجاد منها ما هو تركي الصناعة بزخارف هندسية ونباتية محورة وفي كل الحالات كانت هناك قطع من السجاد أو المفروشات تغطي الجدران وفي بعضها رسوم نباتية محورة أو زخارف هندسية الطابع، وتكشف مثل هذه الصور عن ملامح مهمة في تأثيث قاعات منازل الطبقة المتوسطة بالمدن، حيث الحرص على استخدام الأرائك، وكذلك السجاد الذي كان يفرش تقليدياً على الأرضيات أو تزدان به الجدران. السجادة الحمراء ومن أكثر صور جوليو روساتي اهتماماً بالتفاصيل الفنية للقاعات لوحة تمثل راقصة تقف على سجادة حمراء أمام أصحاب منزل، وهي توضح عناية أهل البيت باستخدام السجاد في فرش الأرضيات، فضلاً عن أقمشة مزخرفة تعلق لتزيين الجدران أو كستائر فوق المداخل المعقودة وباللوحة رسم دقيق لزخارف الجدران المؤلفة من فسيفساء رخامية تتخذ هيئة الأطباق النجمية وبلاطات خزفية عثمانية الطراز تضم رسوم أشجار السرو بشكل متكرر. ولا تخلو اللوحة من معلومات أساسية عن الآلات الموسيقية التي كانت تصاحب الراقصات، وهي تتألف من الطبلة الإيقاعية والدف وأخيراً المزمار أو الناي. ويستفاد من صور المستشرقين أن المناضد المنشورية الشكل كانت شائعة الاستخدام فنراها في لوحة الراقصة لجوليو روساتي، وكذلك في لوحة لاستراحة التدخين والحلوى بريشة كارل هاج «1893م»، وهي متشابهة تماماً، وتكاد تماثل قطعة فريدة من هذا النوع من المناضد يحتفظ بها متحف فيكتوريا وألبرت بلندن وكلها من صناعة عثمانية من الخشب الذي يحمل أحياناً بلاطات خزفية، ونرى ذات المنضدة أيضا في لوحة للرسام لودفيج دويتش توضح قراءة شيخ عجوز لخطاب عن أخبار بلاد السودان أما تاجر من غرب أفريقيا يجلس على أريكة ومن خلفه زخارف جدارية من الفسيفساء الرخامية التي نراها في منازل القاهرة القديمة مثل بيت السحيمي وبيت الكريتلية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©