الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تركيا وخطر الاستقطاب الشعبي

10 أغسطس 2013 21:57
يحاول النظام السياسي التركي البروز بصيغة مركبة تجمع بين السياسة القوية المدعومة بجيش فعال ونخبة تتألف من خليط من المثقفين البيروقراطيين في أغلب الأحوال وأغلبية مسلمة محافظة. ويراهن النظام على هذه التركيبة باعتبارها تمثل نموذجاً يُحتذى في منطقة الشرق الأوسط. إلا أن التظاهرات التي اندلعت مؤخراً ضد حكومة رجب طيب أردوغان أقامت الدليل على أن الديموقراطية في تركيا أكثر هشاشة وانطواء على الخداع مما كان يظن معظم المعلقين. ولكن، وبالرغم من الأحداث الأخيرة، بقيت الكثير من الدروس المهمة التي يمكن لبقية دول المنطقة وخاصة مصر استقاؤها من التاريخ التركي. وتعكس المتاعب التي واجهتها الديموقراطية التركية خلال السنوات السبعين الماضية، والطريق المسدود الذي نتج عن المواقف المتصلبة للحكومة تجاه المتظاهرين في الأحداث الأخيرة، نوعاً من الاستقطاب ذي الجذور العميقة في المجتمع. وشهد هذا الاستقطاب الكثير من التطور والتجذّر على مدى عقود من الزمان. وغالباً ما كان يُستغلّ من طرف الأحزاب المنافسة أو الأشخاص ذوي النفوذ عندما يدركون بأنه يمكن أن يخدم أغراضهم السياسية. والاستقطاب في تركيا، شأنه شأن نظيره في مصر، غالباً ما يبدو وكأنه متلوّن بصبغة خارجية مثلما هي حال الاشتباكات التي تحدث بين الليبراليين والنُخب الاجتماعية من جهة، والتقليديين والكتل الدينية من جهة أخرى. وهذا التشبيه يمثل جزءاً من الحقيقة، ولكنه ينطوي على الكثير من التضليل. وذلك لأن الصراع الحقيقي القائم في البلدين يجب النظر إليه على أساس أنه ذو جذور سياسية واجتماعية، وهو يمثل الناتج النهائي لظاهرة عدم المساواة الاقتصادية. ويكمن سبب ذلك في أن الفرص الاقتصادية لا تتوفر للناس بشكل متساوٍ، وخاصة في البدايات الأولى لانطلاق العملية التنموية. وغالباً ما تكون تلك الفرص متاحة لأولئك الذين يتمتعون بالسلطة السياسية أو الذين يتبوؤون المراتب المتميزة في المجتمع. وعلى أن خطوط الصدوع التي تمتد، غالباً ما تفتح خليجاً عميقاً يفصل بين «الذين يمتلكون» و»الذين لا يمتلكون». وغالباً ما يتخذ الاستقطاب الناتج عن هذه الظاهرة عدة أشكال. وفي مصر وتركيا، يُواجه أمثال هؤلاء الذين يعدون بالملايين ويعيشون في أطراف المدن أو الأرياف، الإهمال التام. وهذه الجماعات هي التي تتشكل منها قواعد الأحزاب والحركات الإسلامية. وتكمن المشكلة الأساسية التي تواجه الديموقراطية في هذه المجتمعات، وخاصة في تركيا ومصر، في البحث عن طريقة لإشراك هذه الفئات عند ابتداع نظام سياسي واقتصادي فعال. وهذا بالضبط ما فشلت فيه تركيا مرات عدّة خلال تاريخها، كما أن مصر ربما تكون قد تلقّت بدورها مثل هذه الدروس. وكما هي الحال في مصر، فلقد كان التحول إلى ديموقراطية التعددية الحزبية في تركيا يشكل عملية مؤلمة. وبدأت تركيا تلك المرحلة عام 1946 عندما تم تأسيس «الحزب الديموقراطي» بزعامة عدنان مندريس الذي نادى بإسقاط سلطة العسكر والنخب البيروقراطية وتبنى التوجّه نحو تحقيق مصالح الجماهير. وما لبثت التجارب الأخرى لإقامة التعددية الحزبية أن أُجهضت على يدي مصطفى كمال أتاتورك، ثم على أيدي القيادات العسكرية من بعده. ففي 27 مايو 1960 استفاقت تركيا على وقع انقلاب عسكري مدعوم بشكل كبير من البيروقراطيين والنخب المثقفة. وجاء في البيانات العسكرية التي رافقت الانقلاب أن العسكر أنقذوا الديموقراطية من ممارسات الحزب الديموقراطي ورئيسه عدنان مندريس. وسرعان ما اتضح بعد ذلك أن انتزاع القوة من الجماهير أضرّ كثيراً بمستقبل الديموقراطية والسياسة في تركيا. وسارعت السلطة العسكرية إلى شنق ثلاثة من كبار قادة الحزب الديموقراطي من بينهم رئيسه عدنان مندريس. وعمد العسكر إلى تكرار عملية التدخل في المسيرة السياسية لتركيا ثلاث مرات خلال السنوات الأربعين التي انقضت بعد انقلاب عام 1960 ما أدى إلى تعميق الاستقطاب في المجتمع بين النُخب وبقية الجماهير. واليوم، ما زلنا نسمع صدى هذا الاستقطاب. فلقد ووجهت التظاهرات السلمية في طول البلاد وعرضها بالعنف الشديد من رجال الشرطة وبموقف بالغ القسوة من أردوغان وحزبه الحاكم «حزب العدالة والتنمية»، وترافق ذلك مع دعمه المكشوف لمؤيديه ومناصريه. وكان هو واتباعه ينظرون إلى هذه التظاهرات على أنها مجرد محاولة جديدة من النُخب وأتباع العسكر لاستعادة السلطة. وكان من الممكن أن يكون مثل هذا السلوك مفهوماً في شهر أبريل من عام 2007 عندما قام العسكر وبدعم من تلك النُخب والمحكمة الدستورية بمحاولة استبعاد حزب “العدالة والتنمية” من السلطة وحظر نشاطاته تماماً. وحدث أن الحكومة رفضت الاستقالة وترددت المحكمة الدستورية في اتخاذ موقف واضح ما أدى إلى نجاة الحكومة ومعها حزب “العدالة والتنمية” من السقوط. والسؤال المهم الذي يطرح نفسه بقوة: ما الذي كان سيحدث للسياسة التركية لو لم يبادر العسكر بانقلابهم عام 1960؟ ربما كان مندريس ومعه الأعضاء البارزون في الحزب الديموقراطي سيدمرون الاقتصاد أو يقودوا المجتمع إلى حالة من عدم الاستقرار قبل حلول موعد الانتخابات التالية، أو أن يكونوا قد ثبتوا جذورهم الديكتاتورية، إلا أن هذا السيناريو يبدو بعيد الاحتمال. وربما كانوا سيفقدون السلطة في تلك الانتخابات، ليكونوا قد عبدوا بذلك الطريق أمام الديموقراطية الحقيقية في تركيا. دارون قاسم أوغلو وجيمس روبنسون مؤلفا كتاب (The Origin of Power) ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم سي تي إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©