الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في الضَّعف البشري

16 فبراير 2008 02:19
الضَّعف البشري من صفات الإنسان الكامل، فالإنسان الذي لا تعتريه لحظات ضعف، أو ليست به نقاط ضعف، يُعد خارجاً عن الطبيعة السوية للبشر· وهذا الضَّعف لا يقلل أبداً من قدرة الإنسان على التواصل مع المجتمع المحيط به، ولا من قدرته على الإبداع طالما هذا الضَّعف في حدود معينة، ولم يسيطر على الإنسان بشكل كامل، بحيث يشعر أنه كائن ضعيف أو مهزوم· لو تأملنا في التاريخ، لوجدنا نماذج عديدة لأشخاص قد تركوا بصمات قوية في حياة شعوبهم، برغم وجود هذا الضَّعف الإنساني بشكل واضح لديهم، وملازمة هذا الضَّعف لهم حتى الممات، فنجد مثلاً أن أبا العلاء المعري، وهو صاحب أشهر إعاقة في تاريخ العرب (العمى)، قد بلغ آفاقاً عالية في الشِّعر، وكان ببصيرته يستطيع أن يرى ما لا يراه الملايين من المُبصرين، ونجد أن نابليون بونابرت، القائد الأشهر في تاريخ العسكرية العالمية، كان يخر راكعاً ذليلاً أمام معشوقته ''جوزفين''، وكان يعلم بأمر خيانتها له، وكان عاجزاً أن يتعامل مع هذا الأمر، وهو الذي كان يتحكَّم في أكبر الجيوش في العالم، وكانت تخرُّ له العروش· كما أن هناك اثنين من رؤساء الولايات المتحدة الأميركية، وهي الدولة الأقوى في التاريخ، يتسمان بالضَّعف البشري ظاهراً، ومع ذلك، لم يكن هذا الضَّعف عائقاً أمام وصولهما لمنصب الرئاسة وتحقيقهما إنجازات هائلة، وهما الرئيس فرانكلين روزفلت الذي كان مقعداً وكان يحكم البلاد من على كرسي متحرك، والرئيس بل كلينتون وهو من أكثر رجال العالم وسامة وجاذبية، وبرغم وسامته المفرطة، وثقافته الواسعة، وتبوؤه لرئاسة أعظم دولة في التاريخ، لم يكن يستطيع التحكم في نفسه أمام أي امرأة جميلة وكأنه مراهق لم يتخط العشرين· ومن هنا وعندما يريد فيلسوف مثل فريدريك نيتشه 1844- 1900 أن يتغافل عن حتمية وجود الضَّعف الإنساني لدى البشر، فهو يتعامى عن مُسَلَّمَة من مُسَلَّمَات الوجود، وعندما يدعو ويبشر بفلسفة القوة، وبضرورة وجود الإنسان الكامل، ويقول: ''إن الحياة هي القوة، وإن القوة هي خير مطلق، وأن الضَّعف هو شر مطلق''، فهو إنما يخرج بذلك عن جادة العقل والمنطق، وتكون دعوته الفلسفية مليئة بكثير من أوجه القصور· لعل أكثر ما يكشف ضعف مذهب نيتشة، هو الخراب الذي حلَّ بألمانيا على يد هتلر، الذي تماهت أفكاره تماماً مع أفكار نيتشة، وأراد أن يُعمِل الفلسفة النيتشوية على أرض الواقع، فانتهى به المطاف إلى حرب عالمية حصدت أرواح ملايين البشر، وانتهت بهزيمة ألمانيا، ومن ثم انتحاره!· Ahmed_alsadawye@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©