الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المركز الوطني للتأهيل يكافح الإدمان برزمة علاجية شاملة

المركز الوطني للتأهيل يكافح الإدمان برزمة علاجية شاملة
9 نوفمبر 2010 20:31
تأسس المركز الوطني للتأهيل في أبوظبي في عام 2001، وقصده أول مريض مدمن عام 2002. واستقبل إلى اليوم نحو 450 مدمناً مقدماً لهم علاجات أولى في نوعها على مستوى المنطقة لكونه يشمل العلاج إلى جانب المتابعة الطبية والصيدلية والمخبرية، علاجا نفسيا واجتماعيا، كما يسعى إلى متابعة المريض إلى حين دمجه من جديد في بيئته العائلية والمهنية مع توفير الدعم له على مستوى تمكين قدراته. ولا ينتهي العلاج هنا لأن المتابعة تستمر خصوصاً أن بعض المدمنين يمرون في مراحل انتكاسية ويتعرضون لظروف محيطة تؤثر سلباً عليهم في بعض الحالات وتختلف استجابة المرضى مع العلاجات من مريض إلى آخر. المدمن؛ مريض يحتاج إلى علاج وليس مجرماً. والطب النفسي لا يعني الجنون والضرورة إلى العزل عن المجتمع لمن يقصد هذين الاختصاصين لتلقي المساعدة.. مفاهيم يشدّد عليها المركز الوطني للتأهيل المتخصص بعلاج المدمنين في المجتمع الإماراتي مزيلاً وصمة العار والعزل من المجتمع عبر توعية المحيط إلى جانب تقديم العلاج بأن المدمن مريض ولا يحتاج إلا لعلاج واستيعاب وقبول بعد تخطي مرحلة الإدمان ليعاد دمجه في المجتمع. خطة مستقبلية في عام 2014، يكبر الحلم في التوجه إلى المدمنين من أجل علاجهم وتأهيلهم وإعادة دمجهم في المجتمع، فالخطة المستقبلية تقوم على إنشاء مبنى مجهز وكامل لعلاج المدمنين يضم 100 سرير عوض الـ 24 المتوفرة حالياً، بالإضافة إلى العيادة الخارجية المتوفرة حالياً للمدمنين الذين لا يحتاجون إلى متابعة سريرية يومية. وسيصار إلى إنشاء وحدة متخصصة بالنساء ووحدة للمراهقين ليصار إلى التعامل مع المرحلة العمرية من الـ14 إلى 18 في حين أن التعامل يتم اليوم مع سن الـ18 وما فوق. كما وحدة متخصصة بالمودعين في المركز من قبل الجهات العقابية أو القضائية. فاطمة الحامدي، أخصائي أول نفسي في المركز، بدأت عملها مع المركز منذ تأسيسه، تشير إلى أن «الدراسات العالمية تشير إلى أن الأعمار بين 14 و16 هي الفئة المستهدفة من قبل تجار المخدرات، ونحن الآن نتوجه إلى هذه الفئة العمرية بخطة توعوية لا علاجية، وسيصار إلى توسيع عملنا ليشمل العلاج لهؤلاء المراهقين وللنساء على السواء». وتؤكد أن من يزور المركز الوطني للتأهيل لن يستطيع أن يفرق بين الذي أتى المركز طواعية والذي أودع المركز من قبل جهة شرطية أو قضائية أو عقابية أخرى، لأن المركز يتعامل مع المدمن كحالة مرضية تحتاج إلى العلاج، ولا يختلف في هذا المجال بين أي فئة وأخرى إلا التنسيق بين المركز والجهة المحوّلة للمدمن. وتشير الحمادي إلى أنه «إذا لجأ إلينا المدمن يجد العلاج، ونحاول أن نفهم الناس أن تفتح الأبواب المغلقة وأن تتفهم أن الإدمان مرض». أول مريض يقول الدكتور هشام العربي، رئيس قسم التوعية الصحية والدراسات والبحوث، إن أول مريض جاء إلى المركز كان في عام 2002 بعد سنة على التأسيس، وكانت حالته إدمان على الكحول، مشيراً إلى أن فكرة إنشاء المركز كانت موجودة كمبدأ منذ الـ 1998، لكن تطوير الفكرة أخذ بعض الوقت، لأن مجال عمل المركز بشكل عام لم يكن متقدماً على المستوى نفسه كما الحال مع الطب. ويضيف»ابتدأ الاهتمام في هذه المنطقة بعلم النفس والطب النفسي في السنوات العشر الأخيرة. وربما يعود هذا التأخر في تقدّمه عن دول العالم وصمة العار والخجل من علم النفس في مجتمعاتنا العربية». ويؤكد أن المركز لا يزال المركز الأول من نوعه والرائد في مجاله على مستوى العالم العربي. ويبرّر ذلك بعدة أسباب يعتبرها أساسية، فهو أولاً مركز حكومي يتوجه للمواطنين في المجتمع بدائرة متكاملة في العلاج تتناول الجوانب الطبية والعقاقرية والنفسية والاجتماعية، بالإضافة إلى التمكين في جهتين، تمكين العاملين في المركز على مستوى الدورات التدريبية النظرية الأكاديمية والعملية، وابتعاث عدد منهم للتخصص بعلم نفس الإدمان وسواه من الاختصاصات المتعلقة بعلاج المدمن، موضحا أن التمكين يتناول أيضا في جهة ثانية السعي إلى إعادة دمج المدمن بعد السير في علاجه وفي الوقت المناسب في محيطه الذي يشمل العائلة والمجتمع والبيئة الوظيفية. ويضيف «يجب التعامل مع المشكلة بنطاق شمولي، ولذلك فإن المركز الوطني للتأهيل هو الأول من نوعه لأنه يتعامل مع المشكلة بشموليتها. وإن المقاربات العلاجية لم تقتصر على نوع معين من العلاج من علاج نفسي اجتماعي وعلاج بالأدوية ودعاية وتواصل إلى ما بعد مرحلة العلاج، والتفهم بأن الإدمان مرض مزمن وبالتالي فإن المريض بحاجة إلى متابعة مستمرة ومستدامة». كيفية العلاج عن الإدمان، يقول العربي إنه مرض عضوي نفسي اجتماعي ذو دلالات وتأثير على السلوكيات الشخصية، وإن علاج هذا المرض، وهو من الأمراض المزمنة كما السكري والربو وضغط الدم، يحتاج العديد من المقاربات وإحداها تقديم الخدمات العلاجية المباشرة والمتوفرة في بعض مراكز الإدمان في العالم العربي مع متابعة العلاج النفسي.في حين أن المركز الوطني للتأهيل يقوم بعملية العلاج بمختلف جوانبها. ويشرح أن «الفكرة تقوم حالياً على مقاربات علاجية للإدمان متطورة، جاءت تدريجياً على مدى العشر سنوات الماضية. وفهم وتوصيف مشكلة الإدمان ابتدأت تتغير مع الوقت، من مشكلة عضوية إلى مشكلة نفسية واجتماعية لفهم الحال الذي نعتمده اليوم وهو أن الإدمان مرض مزمن يصيب الدماغ وله تأثيرات ومضاعفات على السلوك. وبالتالي لا ينفع التعامل مع هذه المشكلة من منظور واحد على أنها مشكلة نفسية وعضوية كما يجري في العديد من المؤسسات على المستوى الإقليمي». وتختلف الخطة العلاجية في المركز الوطني بحسب احتياجات المريض وحدة المرض والتأثرات أو المضاعفات النفسية والاجتماعية التي يمر بها المريض. واعتمد المركز وجوب حلّ المشكلة عن طريق تقديم خدمات توعية ممنهجة؛ فالحل ليس تقديم العلاج لفترة محددة إنما الاستدامة في تقديم العلاج ونوعية المقاربات العلاجية المختلفة، فالأدوات العلاجية في المركز لا تقتصر على أداة علاجية واحدة أو منظومة واحدة. والوقاية منهجية مسندة علميا وهذا أيضا من الأساليب الحديثة في العلاجات التي يقدمها المركز، كما فيه متخصصين في علاج الإدمان والتعافي من مرض الإدمان نادرين لجهة اختصاصاتهم، وبالتالي فإن الرؤية لتطوير عمل المركز هي مراعاة تطوير الكادر البشري المهني وتمكين قدراته. التقنين والتشريع يشير الدكتور العربي ألا مكان في العالم يسمح أو يقبل بأن يكون هناك مدمن إنما يقبل بشخص يتعالج، وفي بعض البلدان هناك سماح اجتماعي لبعض الأنماط في استخدام بعض المواد، مثل القبول الاجتماعي للكحول في بعض المناسبات، أو تعاطي بعض أنواع المخدرات التي فيها ممارسات عادية اجتماعية مثل مضغ أوراق الكوكايين في بعض دول أميركا اللاتينية، إنما من غير العادي هو أن يظهر على أحد من هؤلاء آثار الإدمان والبدء بإثارة المشاكل»، مشيرا إلى أن هناك دولاً فيها تشريعات لا تسمح بتعاطي المخدرات وإنما لا تجرّم في أحكامها مستخدميها أي لا تدرجه ضمن الأعمال الجنائية، كما البرتغال». ويوضح «هذا لا يعني قبولاً بالإدمان إنما محاولة لإبعاد المرء عن إدمان أخطر، وهذا يعود لطبيعة المشاكل التي يعاني منها كل بلد ومقارباته لحلّها من خلال التشريع». في هذا المجال، يشير إلى أن المركز، وبناء على دراسات يجريها، يقدم اقتراحاته للجهات المعنية في الجانب القانوني والتشريعي في مجال التعامل مع المدمن، من أجل الوصول إلى علاج الإدمان بأسلم السبل. فالإدمان مرض وليس جرماً وبالتالي يحوّل المدمن إلى المراكز العلاجية. ويقول إن «الاستراتيجيات واقتراحات التشريعات من ضمن مهام المركز، إذ لا تكفي توعية وتنمية وتطوير الكوادر المهنية في المركز وعمل البحوث المسندة علميا لتطوير المقاربات العلاجية وأنظمة العلاج، لكن الأكثر من ذلك، أنه قد يكون لدينا مشكلة في التشريع، لأن رؤية المجتمع لهذا الشخص وكيفية مساعدته على الاندماج في المجتمع من جديد، تستدعي عدم اعتباره كأي مجرم آخر». ويضيف «نقدم للمشرعين بناء على دراسات علمية مسندة اقتراحات بتعديل الأنظمة المتعلقة بمشكلة الإدمان، ونذكر أسباب اقتراحاتنا. نحن لسنا مشرعين إنما نقدم المشورة بشأن هذا التعديل وبعد ذلك تتخذ الجهات المختصة القرار». قبول التحدي تقول سارة المرزوقي، أخصائي نفسي أول بالمركز (خريجة جامعة بريستون في بريطانيا) «اخترت اختصاص الإدمان لأنه مجال تحد، وله أثر كون نتيجته تؤثر ليس على حياة الفرد وحسب وإنما على المجتمع، وهذا الجانب ربما عزّزه كوني ابتعثت للدراسة في الخارج ما أشعرني بمسؤولية رد الجميل». وتضيف «مجال الإدمان دائم التطور، فالعلاجات تتجدد من خلال الدراسات كما أن النظرة إلى المدمن وصلت إلى اعتباره مريضاً وليس مجرماً وهذه نقطة جديرة بالاهتمام». وكما تختلف أسباب الإدمان من شخص إلى آخر كما أن الاستجابة للظروف المحيطة تختلف من شخص إلى آخر، فإن بعض المرضى واجهوا صعوبات حياتية معينة ولم يتلقوا دعماً ولجأوا للمواد المخدرة، إنما ثمة أشخاص آخرين تعرضوا للإدمان بمحض الصدفة وعبر الرغبة في الدخول بالتجربة، بحسب المرزوقي، التي تضيف «من خلال خبرتي في المركز، وجدت أن العوامل تتضافر، فللجانب النفسي دور كما للجانب الاجتماعي والطبي، لذا فإن تدخلنا في العلاج يقوم على دوائر مشتركة لعدة جوانب علاجية». وعن النظرة العامة للإدمان، تقول «الإدمان مصطلح سلبي لأنه اعتماد على مادة معينة تؤثر على كل جوانب الحياة، فيصبح المدمن غير قادر على ممارسة حياته بشكل طبيعي من دون العادة أو المادة المخدرة. وهذا له جوانب سلوكية وقضائية. وما نقوم به هو إقناع المدمن بقدرته على التخلص من إدمانه والثقة بإرادته على ضبط نفسه وطريقة تفكيره وتحكمه في الأشياء. فالاقتناع بمضار المخدرات هي الخطوة الأولى للولوج إلى البحث الذاتي عن الأسباب التي أدت إلى الإدمان. ونحن نربط الأفكار بالسلوكيات فالتفكير يترجم عبر السلوك»، معتبرة أن طريقة فهم المركز للإدمان القائم على التركيز على قوة الشخص بذاته للتخلص من الإدمان هي من أهم الأساليب المعتمدة لديهم. سيناريو العمل تقول الحمادي «لم يكن في ذهني سيناريو العمل في مركز لعلاج المدمنين، وكان همّي طرق أي باب في مجال علم النفس، وكان لي الحظ أن كنت من الأوائل في هذا المجال. وبالطبع، كان لدي تخوف لأن دراستي لم تكن مرتبطة بشكل كبير في هذا المجال، كونه تخصصا فرعيا من التخصص بعلم النفس، لكن الأسباب التي دفعتني للعمل في هذا المجال كثيرة، فأنا أحب الدخول في مجال جديد يحمل التحدي، فاندفعت نحوه على الرغم من التخوف المجتمعي الكبير. وعلى الرغم من الرغبة في التميز وقبول التحدي كانت هناك صراعات ذاتية ناشئة عن طرق هذا الباب، وكنت أتساءل هل أنا قادرة بمهاراتي المحدودة كخريجة جديدة من جامعة الإمارات؟» وعملت الحمادي مع المركز من التأسيس إلى العام 2007، وتكونت لديها خبرة جمعت الجانب الأكاديمي بالواقع العملي، وبقي التعطش لمزيد من هذه المهارات والخبرات العملية في جانب الإدمان، وثم ابتعثت في عام 2007 إلى الخارج، وكنت أول أخصائية عملت في المركز وأول أخصائية تم ابتعاثها عن طريق المركز لدراسة الماجستير لاستكمال دراستها. إلى ذلك، تقول «أحب التأكيد على أنه سواء كان المواطن امرأة أو رجل بوسعه النجاح والبروز إذا كان لديه اهتمام جدي وصورة واضحة يحب نقلها عن وطنه. ومنذ بداية عملي، لم أواجه أي مشكلة في التعامل مع المرضى المدمنين وجميعهم من المواطنين الرجال، ولم يكن في البداية إلا تخوّف معيّن من التعامل مع امرأة من قبل المواطنين، لأن المجتمع يضع بعض الحواجز في التعامل كنوع من الحرص، ولكن مع التمرس والخبرات العملية تعزّزت الثقة لدينا على أننا قادرات على التعامل مع أي موقف، ولم يكن ثمة مواقف سيئة بقدر ما هي مواقف تحديات للتعامل مع أفكار ومع منظومات معرفية عند هؤلاء الأشخاص».
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©