الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مئذنة الأشرف بارسباي بالقاهرة·· رشاقة وزخارف

13 أكتوبر 2006 01:31
د· احمد السيد: عند التقاء شارع المعز لدين الله بشارع الأزهر في القاهرة تقف مئذنة الأشرف بارسباي لتطل على الآثار الاسلامية الموزعة على جانبي الشارعين، وكأنها عنوان لما يمكن ان يراه زائر للقاهرة وهو يتجول بين أرجائها· ومدرسة الأشرف بارسباي أعطت بعد تشييدها تسمية حي الأشرفية لهذا الجزء من شارع بين القصرين، قصبة القاهرة الفاطمية، بعد أن كان يعرف قبل ذلك بالعطارين، رغم أن حوانيت العطارة مازالت تتواجد بكثافة حول المدرسة الأشرفية· ومشيد المدرسة هو أحد أعظم سلاطين دولة المماليك الشراكسة في مصر، وهو السلطان الأشرف بارسباي الذي بدأ حياته العملية مملوكا للسلطان الظاهر برقوق الذي اعتقه وألحقه بخدمته ثم استمر في خدمة ابنه الناصر فرج بن برقوق حيث تولى معه عدة وظائف مهمة منها نيابة طرابلس الشام ودوادارية السلطنة ''الدوادار هو صاحب الدواة''· وفي الثامن من ربيع الآخر سنة 825 هـ ''1422م'' تولى سلطنة مصر وظل يحكم البلاد الى أن توفي يوم 13 ذي الحجة سنة 841 هـ ''1438م'' وأنجز خلال حكمه أعمالا ادارية ومعمارية وحربية بارزة، وظل طوال عهده محبا للعلماء والفقهاء· نصوص تاريخية وشرع الأشرف بارسباي في انشاء هذه المدرسة عام 826 هـ بعد أن هدم مجموعة من الحوانيت القديمة التي كانت تشغل موقع المدرسة، وتم الانتهاء من تشييد إيوان القبلة بها في 7 جمادي الاولى سنة 827 هـ ''1424 م'' فافتتحت للصلاة بينما كان العمل جاريا في انشاء بقية إيوانات المدرسة، وسجل نص الانشاء التاريخي على الواجهة الرئيسية وهو: ''بسم الله الرحمن الرحيم إنا فتحنا لك فتحا مبينا''- الى قوله تعالى ''نصرا عزيزا ''صدق الله العظيم'' أنشأ هذه المدرسة المباركة سيدنا ومولانا السلطان المالك الملك الأشرف أبو النصر برسباي خلد الله ملكه بمحمد وآله يارب العالمين وذلك بنظر العبد الفقير الى الله تعالى عبدالباسط ناظر الجيوش المنصورة غفر الله له وللمسلمين في مدة أولها شهر شعبان في سنة ست وعشرين وثمانمئة وآخرها سلخ جمادي الاولى في سنة سبع وعشرين وثمانمئة''· ورغم ذلك فإن الحقائق التاريخية تشير الى أن البناء انتهى فعليا بالمدرسة في عام 829 هـ ''1425م'' وهي السنة التي نجحت فيها قوات المماليك البحرية في حصار جزيرة قبرص وغزوها بل وأسر ملكها الذي أحضر للقاهرة وبقي بها أسيرا الى أن دفعت له فدية ضخمة· وكانت السفن القبرصية قد هاجمت ميناء الاسكندرية فصمم الأشرف بارسباي على غزو الجزيرة وتأديب ملكها ''جيمس''، وبمناسبة هذا الانتصار الباهر قام السلطان بتعليق خوذة ملك قبرص على باب المدرسة الأشرفية تذكارا لهذا النصر وظلت باقية بعد ذلك لمدة قرنين من الزمان حيث عاينها المؤرخ الإسحاقي في القرن الحادي عشر الهجري ''17 م'' قبل أن تختفي· توازن في بناء المئذنة ومئذنة المدرسة تقع في الطرف الجنوبي للواجهة الشرقية وهي تعلو مدخل المدرسة وقد شيدت بالحجارة من ثلاث دورات· والدورة الاولى متعامدة الأضلاع على غرار المآذن الاسلامية الأولى وفتح في كل ضلع من أضلاع هذه الدورة فتحة لإضاءة السلم الداخلي وتوجت هذه الفتحات بعقود مدببة من صنجات على هيئة وسائد متلاصقة وترتكز العقود على أعمدة حجرية رشيقة· وتتقدم كل فتحة شرفة آذان صغيرة محمولة على صفوف من المقرنصات الحجرية· وتنتهي الدورة الأولى بثلاثة صفوف من المقرنصات الحجرية المعقدة التصميم تبرز تدريجيا عن سمت جدران المئذنة لتحمل شرفة آذان مربعة لها درابزين أو سياج حجري زخرف بواسطة التفريغ بزخارف هندسية بديعة· أما الدورة الثانية فهي ذات مقطع اسطواني مستدير وحليت بزخارف نحتت في الحجر على هيئة قضبان تتقاطع في أعلاها بشكل حرف الميم وهي زخرفة كانت شائعة في عمائر العصر المملوكي وتعرف في مصطلح أهل الصنعة باسم جفت لاعب ذي ميمات، ويمتاز هذا البدن الاسطواني برشاقة تفصح عن اهتمام مصمم المئذنة بتحقيق التوازن بين قطر البدن وارتفاعه· ويتوج الدورة الثانية صفوف من مقرنصات حجرية ذات دلايات وتختلف في تصميمها عن مقرنصات الدورة الاولى، ولكنها تشابهها من حيث بروزها عن الجدران وانها تحمل شرفة أذان· وجاءت شرفة الأذان الثانية مستديرة ويحيط بها درابزين حجري مماثل في زخرفته لدرابزين شرفة الأذان الأولى· وأخيرا تأتي الدورة الثالثة أو الجوسق المفتوح وهو مؤلف من ثمانية أعمدة رخامية رشيقة وكانت هذه الأعمدة قد تعرضت لبعض التلف فأعيد تشييدها في عام 1945 بمعرفة لجنة حفظ الآثار العربية· وتحمل هذه الأعمدة قبة صغيرة تعرف في مصطلح العمارة المملوكية باسم القلة وتنتهي بسفود من الحديد· وإسراف بالزخرفة وتعتبر مئذنة مدرسة الأشرف بارسباي نموذجا لمآذن العصر المملوكي الشركسي التي تميزت بالرشاقة والميل الى تنويع مساقط دوراتها الثلاث بين المربع والمستدير مع غلبة الروح الزخرفية عليها لاسيما الإسراف في تنفيذ الزخارف الحجرية· والمئذنة في هذه المدرسة تحقق الى جانب وظيفتها المعمارية كمرقى للمؤذنين التوازن المعماري لواجهة المدرسة والتي شيدت من مداميك من أحجار صفراء وحمراء تعرف بالنظام المشهر في البناء· ففي مواجهة المئذنة بالطرف الشمالي للواجهة قبة حجرية ضخمة زخرفت خوذتها بأشكال هندسية شبيهة بحرف الدال ولذا فهي تعرف باسم الزخارف الدالية ونفذت بدقة كبيرة بواسطة الحفر المباشر في الحجر· ويمهد المدخل الرئيسي لانطلاق المئذنة ويمتاز بالترف الزخرفي الواضح اذ كسي بالرخام الابيض والأسود ومكتوب على جانبيه في الرخام ''بسم الله الرحمن الرحيم وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا· صدق الله العظيم، أنشأ هذه المدرسة المباركة مولانا السلطان سلطان الاسلام والمسلمين قاتل الكفرة والمشركين محيي العدل في العالمين قسيم أمير المؤمنين خادم الحرمين الشريفين المالك الملك الأشرف خلد الله ملكه·· ويبدو واضحا ان هذا النص نقش بعد انتصار السلطان على ملك قبرص في عام 829 هـ· والى جوار هذا المدخل تم تشييد سبيل ماء فوقه مكتب لتعليم الاطفال الايتام مبادىء القراءة والكتابة ونقش أعلاه أمر بإنشاء هذا المكان المبارك ابتغاء لوجه الله تعالى وطلبا لرضوانه سيدنا ومولانا السلطان المالك الملك الأشرف أبوالنصر برسباي خلد الله ملكه''· أما المدرسة ذاتها فهي مؤلفة من صحن أوسط مكشوف تحيط به أربعة ايوانات أهمها وأكبرها ايوان القبلة· وكانت جدران هذا الايوان مكسوة بالرخام الى ارتفاع يزيد قليلا على المتر ولكن هذه الأشرطة الرخامية انتزعت ولم يبق منها سوى ما هو قائم الان في جدار القبلة على جانبي المحراب· وبنفس ارتفاعه وبها اثر تذهيب· وكسيت عقود الشبابيك بصنج رخامية مزررة كما يوجد بها إفريز رخامي منقوش ومكتوب بالخط الكوفي· وتتجلى روعة الزخارف الرخامية بهذه المدرسة في زخارف المحراب الدقيقة وزخرفة أرضية الايوان الذي اشتمل وسطه على دائرة رخامية بأشكال زخرفية ملونة تضاهي زخارف السجاد· وفيما فقد السقف الاصلي لأيوان القبلة احتفظ الايوان الغربي المقابل بسقفه الأصلي وهو من رقعة خشبية واحدة وحلي بدوائر وسرر مذهبة نقشت على ارضية باللون الازرق اللازوردي· ومدرسة الأشرف بارسباي من المنشآت القليلة التي سجلت نقوشها بيانا بالأوقاف التي رصدت للإنفاق من ريعها على وظائف التدريس وصيانة مبناها وأوضح السلطان الغرض من ذلك بنص طريف جاء فيه ''أمر بكتابة هذا السطر المبارك مولانا المقام الشريف السلطان الملك الأشرف بارسباي خلد الله ملكه تذكرة لمن يلي نظر المدرسة المباركة وصيانة الجهات الموقوفة عليها وعلى ذريته وغير ذلك على ما يشهد به كتاب الوقف المبرور··''
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©