الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الشركات اليابانية تنطلق من جديد لصفقات الاستحواذ العالمية

الشركات اليابانية تنطلق من جديد لصفقات الاستحواذ العالمية
4 أغسطس 2012
بعد عقود من مراجعة الحسابات عادت الشركات اليابانية الكبيرة إلى مسار عقد صفقات الاستحواذ العالمية. وأبرمت هذه الشركات في ثمانيات القرن الماضي موجة من صفقات الأصول الثمينة مثل “كولمبيا بيكشرز” الأميركية للأفلام. وفي ظل عقدين من النمو الاقتصادي الهزيل، لم تعد الشركات اليابانية تلعب ذلك الدور الرئيسي. وبحلول 2010 فقدت اليابان موقعها كثاني أكبر اقتصاد في العالم، في وقت زاد فيه تخوف شركاتها من المنافسة القوية من قبل الصين وكوريا الجنوبية. وأتاحت عمليات الاستحواذ والاندماج الخارجية، بنحو 84 مليار دولار في العام الماضي، فرصة لعودة اليابان إلى مسارها القديم. وبتسلحها بالين القوي وردة الفعل المناسبة لزلزال السنة الماضية، من المتوقع أن تحقق الشركات اليابانية قدراً أكبر من تلك العمليات في هذا العام. ولم يتجاوز مجموع عمليات الشراء الخارجية قبل 10 سنوات سوى 8,5 مليار دولار فقط. وتنوعت آخر الصفقات لتشمل مجالات مثل السلع والإعلانات والأدوية وغيرها. شراء «الروح الأميركية» وعززت موجة الاستحواذ الكبيرة في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي تخوفات من تخطيط اليابان لشراء الروح الأميركية، إلا أن المصرفيين يقولون إن هذه الشركات اتخذت الآن خطوات أكثر تنظيماً. وأقدمت “ماروبيني” اليابانية في مايو الماضي على شراء “جافيلون” الأميركية لتصدير الحبوب مقابل 5,6 مليار دولار، في صفقة هي الأكبر على الصعيد الخارجي لليابان في خلال العام الحالي والتي أكدت تحلي البلاد بروح جديدة من العزم والمثابرة. ويقول جوناثان رونر، مدير عمليات الاستحواذ والاندماج الأميركية في بنك “نوميورا” الياباني :”لاحظنا التغيير الذي طرأ على طريقة تفكير الشركات اليابانية خاصة في أعقاب تسونامي والحرص الكبير لتنويع المنتجات وسلاسل التوريد. ومع توفر قوة الين، أصبحت عمليات الاستحواذ الخارجية أكثر جاذبية”. وفي حين تؤكد الشركات اليابانية على توطيد موقفها الخارجي، تحرص بشدة على عدم تكرار أخطاء الماضي المتعلقة بالإسراف في الإنفاق في الداخل. ولا ترتبط هذه الأخطاء بثمانينات القرن الماضي، بل ببداية الألفية الثانية عندما قامت على سبيل المثال “أن تي تي دوكومو” لتشغيل خدمات الهواتف المحمولة، بدفع مبالغ كبيرة لحاملي الأسهم في شركات تشغيل خارجية مثل “أيه تي آند تي” الأميركية. وتداعت معظم هذه الصفقات بعد انفجار الفقاعة العقارية ودخول البلاد في تضخم امتد لفترة طويلة من الزمن، بالإضافة إلى ضعف النشاط الاقتصادي. ويقول يوشي جيمبو، من مؤسسة “سيتي جروب جلوبال ماركتس” في طوكيو :”كانت عمليات الشراء في ثمانينات القرن الماضي بغرض الشراء فحسب، حيث كان الاستحواذ من المفاهيم الجديدة كلياً في اليابان، أما الآن تعلم الناس من أخطاء الماضي حيث أصبحت عمليات الشراء أكثر تنظيماً عندما يتعلق الأمر بدفع مبالغ كبيرة”. وأصبحت الحاجة لاستحواذ أكثر استراتيجية، ملحة من أي وقت مضى، حيث أدخل زلزال السنة الماضية الذي أعقبته كارثة التسرب النووي، البلاد في حالة من الاضطراب وكشف مدى إفراطها في الاعتماد على آسيا في المبيعات والصناعة والتعهيد. كما أن فيضانات تايلاند زادت الوضع سوء، كونها واحدة من روافد سلاسل التوريد الهامة في المنطقة. كما لفت ذلك نظر الشركات اليابانية للتراجع الذي تعانيه السوق المحلية. ومن المتوقع تراجع عدد سكان البلاد بوتيرة سنوية قدرها 800 لف نسمة قبل بلوغ 86,7 مليون بحلول 2060، مما يقلل من طلب جميع السلع من وجبات خفيفة وملابس أطفال إلى الخدمات المالية. لكن من الأنباء السارة أن الأحوال لم تكن مواتية بهذا الشكل من قبل بالنسبة للمشترين اليابانيين، حيث تنعم السوق التجارية حالياً بتخمة نقدية مع توفر أسعار فائدة متدنية تجعل البنوك متعطشة للإقراض. وبلغ إجمالي ما تملكه الشركات اليابانية بنهاية مارس الماضي نحو 215 تريليون ين نقداً، أي ما يساوي الناتج المحلي الإجمالي لفرنسا. وبهذا، ليس من المستغرب أن لا يجد برنامج الحكومة لاستغلال حتى 10 تريليونات ين من احتياطي النقد الأجنبي لتوفير قروض بأسعار فائدة منخفضة لعمليات استحواذ خارجية، الإقبال الكافي حتى الآن. صفقات قطاع الأدوية وعلى صعيد قطاع الأدوية، أقدمت الشركات اليابانية على عمليات الاستحواذ والاندماج الخارجية بغرض الحصول على موطئ قدم في الأسواق الناشئة وعلى عقاقير ظلت تعمل فيها الشركات الأخرى. وأبرمت “تاكيدا” أكبر شركة يابانية للأدوية من حيث المبيعات، أكبر صفقة في السنوات الأخيرة قدرها 9,6 مليار دولار لشراء شركة “نايكوميد” السويسرية للأدوية. وجاء ذلك في أعقاب شراء “ميلينيوم للأدوية” في 2008 مقابل 8,8 مليار دولار. وفي غضون ذلك، وفي محاولة للاستفادة من الطلب المتزايد على الموارد من المواد الغذائية حتى مصادر الوقود، جابت الشركات اليابانية أرجاء العالم المختلفة بحثاً عن فرص استثمارية. والتزمت “ميتسوبيشي” الشركة اليابانية الرائدة من حيث المبيعات، باستثمار نحو 1,2 تريليون ين (15 مليار دولار) في المعادن والنفط والغاز خلال السنوات الثلاث المنتهية بحلول مارس 2013. ويبدو أن هذا التحول في نشاط الشركات اليابانية على النطاق الخارجي، غيَّر ملامح الاقتصاد الياباني. وتقول ناعومي فينك، رئيسة الاستراتيجية اليابانية في بنك “جيفريز” الاستثماري :”تعودت اليابان على جني معظم عائداتها من فائض الحسابات الجارية للنشاطات التجارية، لكن وقبل 7 سنوات تغيرت الظروف ليتفوق فائض الدخل الاستثماري”. بدأت بوادر استفادة الشركات اليابانية من هذه البيئة المحيطة في الظهور، خاصة وأن الذين يبرمون الصفقات حول العالم يقولون إن اليابانيين اظهروا تحولاً كبيراً في خططهم التي مهدت لهم طريق المنافسة بفاعلية أكثر مع الأميركيين والأوروبيين. وفي الماضي تسبب بطء اتخاذ القرار في فشل الشركات اليابانية في الحصول على الصفقات. لكن كسبت معظم هذه الشركات خبرة وافرة الآن للحد الذي جعلها تنظم نفسها بالسرعة الكافية في حالة بروز صفقة طارئة للمنافسة فيها. كما تعلمت الشركات اليابانية من أن أسهم الأقلية نادراً ما يمكن الاعتماد عليها لتأمين الأعمال التجارية المرغوبة. وأعلنت “دينتسو” أكبر وكالة إعلانية في اليابان، عن تحقيقها بالكاد لأي فوائد تشغيلية من استحواذها لنحو 15% من أسهم “ببليسيز” الفرنسية التي تحل في المركز الثالث من بين شركات الإعلان العالمية، مما أرغمها على بيعها خلال العام الحالي. وهذا من الأسباب التي دعت “دينتسو” لتخصيص 4,9 مليار دولار لشراء كافة أسهم “أيجيز” البريطانية للإعلان. وتملك شركة “اليابانية للتبغ” بوصفها رائدة في مجال الاستحواذ والاندماج الخارجي، أسلوباً يؤطر للنهج الاستراتيجي الذي أصبح أكثر شيوعاً في الوقت الحالي. وقبل إقدامها على إبرام أي صفقة محتملة، تقوم الشركة بتقييم دقيق لها، حيث أجرت دراسة لمدة ثلاث سنوات قبل شراء “جالهار” البريطانية لصناعة السجائر مقابل 15 مليار دولار في 2007. وأثبتت تجربة شراء “نوميورا” للعمليات التجارية غير الأميركية لبنك “ليمان براذرز” بعد انهياره في 2008، مخاطر البحث عن الاستحواذ في الخارج كطريق أقصر لتحقيق النمو العالمي. وفي الوقت الذي نجحت فيه الصفقة في تغيير وضع البنك الياباني في آسيا وأوروبا، إلا أنها فشلت حتى الآن في تحويل أكبر بنك استثماري في البلاد من حيث العائدات، إلى قوة عالمية. ولا يزال الوقت مبكراً للحكم على ما إذا كانت طريقة الشركات اليابانية التي انتهجتها خلال السنوات القليلة الماضية، ستمكنها من جني كل ثمار عمليات الاستحواذ، أم أنها ستكتشف مرة أخرى أنها بالغت في أسعار الشراء في سبيل تحقيق أرباح مشكوك فيها. لكن ما هو مؤكد، أن هذه الشركات مصممة على تدويل عملياتها مما حدا بها تبني الاستحواذ والاندماج كوسيلة فاعلة للقيام بذلك. ومهما يكن، فإن سعي هذه الشركات وراء الفرص العالمية يشير إلى استعدادها للدخول في العمليات المحفوفة بالمخاطر بغية الوصول إلى أهدافها الاستراتيجية المرجوة. لكن يبدو أن هذه الأهداف تمثل المزيد من مصادر الضغوطات لليابان في الوقت الحاضر. ويضيف يوشي جيمبو، قوله :”إن فقدان اليابان لموقعها كثاني أكبر اقتصاد في العالم لا يعني الكثير، لا سيما وأنه شيء رمزي وأن وضع البلاد الحقيقي سيظل عالقاً في أذهان الناس”. وربما لن يكن في مقدور اليابان منافسة الناتج المحلي الإجمالي الصيني مرة أخرى، لكنها قطعاً ليست راضية بالتفريط في وضعها كقوة اقتصادية عالمية. ويقول هيروشي ميكيتاني، الرئيس التنفيذي لـ “راكوتين” أكبر مؤسسة للبيع بالتجزئة عبر الإنترنت في اليابان :”شكل الناتج المحلي الياباني ما يقارب 20% من الاقتصاد العالمي في الماضي، لكن في غضون ما بين 20 إلى 30 سنة مقبلة، من المنتظر أن لا يتجاوز ما تساهم به اليابان في الاقتصاد العالمي 5%، مما يجعل التوجه نحو الخارج أمراً بالغ الأهمية”. نقلاً عن: «فاينانشيال تايمز» ترجمة: حسونة الطيب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©